طيار ينجو بعد تحطم طائرته بغابات الأمازون.. عاش وسط الحيوانات المفترسة
صمد برازيلي وحدَه لمدة أكثر من شهر، بعدما سقطت طائرته في غابات الأمازون البرازيلية، ليعيش وسط مخاطر
كبيرة، كقلّة الطعام، ووجود حيوانات مفترسة، ليخسر خلال هذه التجربة الكثير من وزنه.
السقوط في غابات الأمازون
كان أنتونيو سينا يحلّق فوق المساحات الحرجية الشاسعة في غابات الأمازون على متن طائرته “سيسنا 210″، حين
توقف محركها فجأة منذراً بسقوط حتمي، إلا أنه خرج سالماً بعدما نجح في الهبوط بصورة طارئة داخل فرجة في
الغابة.
غير أن هذا البرازيلي البالغ 36 عاماً لم يصل إلى بر النجاة فعلياً إلا بعد 38 يوماً، إثر رحلة مذهلة مشى خلالها 28
كيلومتراً “فقط” في قلب الأدغال بولاية بارا، وسط مجموعة كبيرة من الحيوانات المفترسة كالفهود والتماسيح وأفاعي
الأناكوندا، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية، السبت 10 أبريل/نيسان 2021.
إثر هذه الرحلة الشاقة التي اجتازها وحيداً فقد سينا 25 كيلوغراماً من وزنه، لكنه تعلّم “درساً عاماً”، فبعد هذه الرحلة
التي كان مقرراً أن تتيح له مدّ منجم لمنقبين غير قانونيين عن الذهب بالمؤن اللازمة، تعرّف بنفسه على غنى هذه
الغابة بالتنوع الحيوي بعدما بقي على قيد الحياة بفضل الثمار المنتشرة في هذا الموقع الهش.
بعدما غطى الوقود جسمه بالكامل نجح الطيار في الخروج بأسرع وقت ممكن من الطائرة، ونقل معه “كل ما قد يكون
ذا فائدة”، من حقيبة ظهر، إلى ثلاث عبوات ماء، مروراً ببعض الخبز، وحبل، وعدة للنجاة تضم سكيناً ومصباح
جيب وولاعتين.
“توقعت أن أموت”
خلال الأيام الخمسة الأولى في غابات الأمازون سمع أنتونيو سينا صوت المروحيات التابعة لفرق الإغاثة التي كانت
تحلق فوق المنطقة بحثاً عنه، لكن رصده من الأجواء كان متعذراً في ظل كثافة الغطاء النباتي.
أنتونيو قال للوكالة الفرنسية من منزله في برازيليا “كنت منهاراً، لم أكن أتوقع الخروج من المكان سالماً، بل توقعت
الموت”.
وبفضل نظام التموضع الجغرافي (GPS) الذي بقي يعمل على هاتفه المحمول، استطاع تحديد مكانه وقرر المواظبة
على المشي شرقاً، مع الاعتماد على موقع الشمس لتحديد وجهته. وفي هذا الاتجاه كشف نظام (GPS) له عن
مسارات هبوط قد تشي بوجود بشري.
يقول الطيار “كان هناك ماء، لكن لا شيء تقريباً للأكل، كنت في حالة ضعف، تحت رحمة الحيوانات المفترسة”
مستذكراً تدريبات تلقاها على الصمود في الظروف القصوى.
كان أنتونيو يختار الثمار المأكولة من القردة ليقتات بها، ومصدر البروتينات الوحيد له كان ثلاث بيضات لطير “تنام”
أبيض الرقبة، وهو نوع من دجاج الماء الأمازوني، وقد اجتاز مستنقعات وغابات كثيفة تضم زهوراً برية بطول
الأشجار.
أشار الطيار إلى أنه لم يكن موجوداً يوماً في “غابة بكر لهذه الدرجة، لقد اكتشفت أن الأمازون ليست غابة واحدة، بل
هي أشبه بأربع أو خمس غابات متداخلة”، ووصف نفسه بأنه “أمازوني صاف” محب لمنطقته.
لكن هذا الأمر لم يمنعه من العمل لحساب منقبي ذهب يُسمون “غاريمبيروس” يلوثون الأنهار بالزئبق، وتشير
التقديرات إلى أن عددهم لا يقل عن 20 ألفاً في الأمازون.
في هذا الصدد قال أنتونيو “كان عليّ أن أسدّ حاجتي”، وهذا الرجل الذي يعمل طياراً منذ 2011 مع سجل يحفل
بـ2400 ساعة طيران في البرازيل والخارج، خصوصاً في تشاد، اضطر إلى قيادة رحلات لتموين مناجم غير
قانونية، وقد أغلق مطعمه في سانتاريم بسبب جائحة كوفيد-19، الذي أودى بحياة 345 ألف شخص في البرازيل.
الوصول لبر الأمان
في يوم المشي الخامس والثلاثين وسط غابات الأمازون رصد أنتونيو أخيراً إشارة أولى لوجود بشري، وهو ضجيج
منشار، وبعدما كسر هذا الصوت صمت الغابة مجدداً في اليوم التالي، بدأ بالمشي في اتجاهه، ما قاده إلى مخيم
لقاطفي الجوز.
هناك كانت ماريا جورجي دوس سانتوس تافاريس، التي تقطف الجوز منذ حوالي خمسين عاماً مع عائلتها، وبعد
لقائها بالطيار اتصلت بوالدته لتبلغها بأنه حي.
يقول الطيار “لقد أعطوني طعاماً وملابس نظيفة، كانوا أشخاصاً رائعين، أن يخلصني أشخاص يعملون بتناغم كامل
مع الطبيعة أمر سحري”.
ومذاك، قطع أنتونيو سينا عهداً على نفسه “بعدم العمل من جديد مع منقبين عن الذهب”.