اخبار العالم

جائحة كورونا تضع الحكومات في البلدان الديمقراطية في معضلة

لقد وضعت جائحة كورونا الحكومات في البلدان الديمقراطية في معضلة، فأعداد المصابين وسرعة انتشار العدوى دفعهم إلى اتخاذ بعض الإجراءات التي تتعارض مع مبادئ الديمقراطية والتي لا يمكن حتى التفكير بها في غير هذه الظروف، فوجدوا أنفسهم أمام الموازنة بين تحقيق مبادئ وأهداف الصحة العامة والالتزام بمبادئ الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان لذلك يذهب البعض إلى القول إن الديمقراطية كانت أولى ضحايا الجائحة.

وهذه الموازنة تمثلت من جهة بالحاجة إلى اتخاذ إجراءات حازمة وسريعة تتطلب تركيز عملية اتخاذ القرار في أيدي الحكومات على حساب بقية مؤسسات الدولة، ومن جهة أخرى بطبيعة هذه الإجراءات التي ترتكز على التباعد الاجتماعي والذي يعني بالضرورة تقييد الحركة والحد من حرية التجمعات.

دستوريا، تمتلك الحكومات والدول الحق في فرض إجراءات صارمة بغرض حماية الصالح العام، حتى ولو كانت هذه الإجراءات تتصادم مع مبادئ الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان لكن هذه الإجراءات يجب أن تكون متناسبة مع حدة الأزمة، ومحدودة زمانيا بوقت الضرورة وأن تكون متوازنة دون شطط أو تعسف.

لقد ذهبت الإيكونوميست في تقريرها حول الديمقراطية الذي تم نشره في شهر فبراير/شباط الماضي إلى أن وضع الديمقراطية وحقوق الإنسان في عام 2020 كان الأسوأ منذ عقود حيث استغل بعض القادة حالة الطوارئ التي فرضتها الجائحة للانقضاض على الديمقراطية ومؤسساتها، ومما يزيد من خطورة هذا الوضع أن هذه التصرفات سيتم استغلالها من قبل الدول السلطوية للتدليل على فشل الديمقراطية كأسلوب حكم

جائحة كورونا فرصة سانحة للانقضاض على الديمقراطية

لقد كان واضحا من خلال دراسة ردة فعل مختلف الدول على المتغيرات التي فرضتها الجائحة أن هذه الإجراءات كانت متفاوتة وبصورة كبيرة، ولم يكن الوضع الوبائي هو العامل الوحيد الذي لعب دورا في تحديدها، فكثير من الدول وجدت في الحد من حركة المواطنين ومنع الاجتماعات العامة فرصة سانحة للانقضاض على الديمقراطية، كما لو كانت تصفي حسابات قديمة معها.

أما الدول التي تملك ثقافة ديمقراطية راسخة ومؤسسات متجذرة فكانت أقل جرأة على الغلو في الإجراءات المتخذة
لأنها تعلم أن هناك لاعبين آخرين على الساحة السياسية سوف يقاومون هذه الإجراءات في حال وجود أي شطط فيها.

فاستجابة الدول للجائحة تعتمد على عدة عوامل، منها حدة هذه الجائحة ومدى جهوزية القطاع الصحي للتعامل معها، كما تلعب الإجراءات المتخذة في دول الجوار الجغرافي دورا في كيفية استجابة الدول، إذ عادة ما تتأثر الدول بالإجراءات التي تتخذها الدول الأخرى خاصة تلك الأقرب لها ثقافيا وجغرافيا.

لقد شكّل ضعف استجابة بعض الدول التي توصف بأنها ديمقراطية مثل الولايات المتحدة والهند والبرازيل والفلبين للتحديات التي فرضتها الجائحة فرصة سانحة للمتربصين بالديمقراطية وللمشككين بقدرة مؤسساتها على التعامل مع التحديات محملين إياها وزر هذا الضعف، لكن هذه الادعاءات تتهاوى أمام نجاح عدد من الدول الديمقراطية في التعامل مع الجائحة مثل أستراليا ونيوزيلندا وكندا وألمانيا وتايلند، بينما فشلت العديد من الدول السلطوية مثل روسيا وإيران في التعامل معها.

لا شك أن الدول السلطوية تمتلك القوة ويمكن أن تتعامل مع الحدث بسرعة وبشدة بعيدا عن بطء الإجراءات البيروقراطية، وغير آبهة بالآثار المترتبة على هذه الإجراءات القاسية كونها في مأمن من المحاسبة عبر صناديق الانتخاب، لكن في الوقت نفسه سيؤدي غياب الشفافية الذي يميز هذه الأنظمة وقمع حرية الإعلام إلى حالة من التشكيك وعدم اليقين لدى المواطنين.

تدفع الدول ضريبة غياب العدالة

لقد كشفت الجائحة حجم الهوة الاجتماعية والاقتصادية داخل الدول الديمقراطية حيث كانت ضربتها أشد بين الطبقات
المهمشة والأقليات العرقية والدينية، فدفعت هذه الدول ضريبة تاريخ طويل من غياب العدالة وسياسة التفرقة المتغلغلة
في بنية نظمها السياسية، مما صعّب على هذه الدول التعامل مع الجائحة، كما لعب القادة الشعبويون الذين اعتلوا سدة
الحكم في هذه الدول دورا سلبيا وحدوا من قدرتها على التعامل مع الجائحة.

لطالما كان النموذج الديمقراطي تحت الضغط خاصة مع صعود الحركات الشعبوية ونمو الحركات القومية المحلية
والتهديدات الجيوسياسية الخارجية، لكن الجائحة شكلت نوعا جديدا من التحدي للديمقراطية وأضفت مزيدا من
الشكوك حول العولمة وحول آليات اتخاذ القرار الديمقراطي وموثوقية العلم والمعلومات، وفي نهاية المطاف قدرة
النظام الديمقراطي على التعامل مع الأحداث المدمرة.

لكن في الوقت الذي بدأنا نلمس فيه الآثار المدمرة لهذه الجائحة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وما نجم عنها
من تعميق لحالة الانقسام داخل المجتمعات، فإنها تشكل فرصة سانحة للبدء في إصلاحات سياسية واقتصادية
واجتماعية تجسر الهوة بين فئات المجتمع وتؤسس لديمقراطية حقيقية.

تخبرنا دروس الماضي أنه في حال فشلنا في التعامل مع الجائحة، فإن هذا سيؤدي إلى تعميق الفجوة بين الشعوب
والحكومات وسيعزز الانقسام الاجتماعي والسياسي وغياب العدالة، وعندها ستحدث ردة عن الديمقراطية ستستغلها
الجماعات والأحزاب الشعبوية لتؤسس لأنظمة سلطوية معادية للديمقراطية والحرية.

الفيروس بعيد كل البعد عن الانحياز لأيٍّ من أنظمة الحكم لكن مرونة وشفافية هذه الأنظمة في التصدي له وتماسك
المجتمعات والعدالة الاجتماعية هي من يحدد نجاعة هذه النظم في التعامل مع الجائحة وفرصتها في العبور بمواطنيها إلى بر الأمان.

المصدر : مواقع اخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى