أحدثت جائحة كورونا تراجعاً ملحوظاً في المستوى الاقتصادي لدول العالم،ارتفاع تدريجي للنفط نتيجة التداعيات التي فرضتها الأزمة الصحية على الأسواق العالمية لا سيما سوق النفط، الذي يعد مصدر الإيرادات الأول في دول الخليج
العربي، وأصبحت الدول أمام تحديات اقتصادية كبيرة منذ بداية الجائحة قبل أكثر من عام ونصف العام.
وخلال فترة الجائحة شهدت الدول التي تعتمد على النفط لتمويل إيراداتها ونفقاتها إرباكاً اقتصادياً ومالياً نتيجة
انخفاض أسعاره عالمياً، وانخفاض الطلب وسط ارتفاع المخزون.
أزمة نفطية
وشهد الشرق الأوسط حرب أسعار قصيرة بين السعودية وروسيا، أعقبها جولة مفاوضات في أبريل 2020، حيث نجحت تلك المفاوضات في عقد اتفاق لدول “أوبك+” لتخفيض الإنتاج النفطي بنسبة وصلت إلى نحو 23% من إجمالي المستويات.
ويرى محللون ومراقبون أن ارتفاع أسعار النفط خلال الأشهر الأخيرة، قد يسهم في دعم دول الخليج للمضي في خطواتها لتعافي الاقتصاد الذي شهد مراحل مربكة خلال جائحة كورونا، حيث قفزت أسعار النفط منذ بداية العام
الجاري إلى 45%، لتتجاوز الـ 70 دولاراً للبرميل، وسط تعافي الطلب وقيود على الإمدادات من منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفائها في “أوبك+”.
وحول انتكاسة سوق النفط خلال العالمين السابقين، يعزو الأكاديمي والباحث في الاقتصاد الدولي، الدكتور إبراهيم
شتا، ذلك إلى محاولة بعض كبار المنتجين تدمير صناعة النفط الصخري، ما جعلهم يزيدون من حجم الإنتاج بدرجة
كبيرة وهو ما كان له تأثير سلبي كبير في أسعار النفط.
ويتابع حديثه مع “” بالقول: “ثم جاءت الضربة الكبرى لسوق النفط في الموجة العالمية الأولى لجائحة كورونا، عندما
وصل سعر برميل النفط إلى حوالي سالب 37 دولاراً، في سابقة تاريخية عالمية وعلمية اقتصادية
تعافٍ مرتقب
وأكدت تقارير عالمية بأن اقتصادات الخليج بدأت استئناف مسار نموها الاقتصادي، الذي سُجل قبل أزمة جائحة
كورونا التي ضربت اقتصادات العالم، ولم يقتصر على عودة ارتفاع أسعار النفط، بل يتضمن مبادرات التنويع الاقتصادي لدول المنطقة.
وأشارت شركة “إبردين ستاندرد” البريطانية المتخصصة بالاستثمارات في تقرير لها إلى أن البنك الدولي توقع،
مطلع أغسطس الماضي، نمواً اقتصادياً إجمالياً لدول الخليج بنسبة تبلغ 2.2% خلال 2021.
وأكد التقرير أن هذا النمو يشير إلى تعافي الاقتصاد العالمي المتوقع، ليسجل نمواً إجمالياً يصل إلى 5.6% في العام
الحالي بدعم من عوامل عدة، ومن أبرز تلك العوامل انتعاش الطلب على النفط وارتفاع أسعاره، كما أن الإيرادات
غير النفطية في المنطقة، كقطاعات العقارات والسياحة والاقتصاد الرقمي وغيرها، ستدعم تحول دول الخليج الاقتصادي.
وقال رئيس قسم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الشركة، إدريس الرفيع، إن “المستثمرين سيلاحظون في
منطقة الخليج تحرك القطاعات الاقتصادية الرئيسة في المنطقة باتجاه إيجابي، بعد انكماش الناتج المحلي الإجمالي في الخليج بنسبة 4.8% في 2020″.
بينما يقول إبراهيم شتا: إن ارتفاع تدريجي للنفط سوف يسهم بشكل كبير في انتعاش اقتصاديات دول الخليج العربي،
لكن ذلك الأثر الإيجابي لن يكون إلا في الأجل القصير، أما في الأجل الطويل فسوف تظل المشاكل الاقتصادية الهيكلية كما هي”.
ويرى الباحث في الاقتصاد الدولي أنه لا بد من وضع وتنفيذ استراتيجية وطنية لإعادة هيكلة اقتصادية شاملة لاقتصاديات دول الخليج، “بمعنى قبل أن نصل إلى القبول ببرامج إصلاح اقتصادي وتكيف هيكلي يفرضها كل من
صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؛ وهي برامج لا تسمن ولا تغني من جوع في الأجل الطويل وخاصة مع غالبية السكان من الطبقتين المتوسطة والفقيرة”.
تنويع مصادر الدخل
وأكد شتا بأن عائدات تصدير النفط ما زالت تمثل النسبة العظمى والأكثر ضماناً من بين مصادر الدخل المحلي
الإجمالي لدول الخليج العربي.
وأشار إلى أن هذا الوضع لا بد أن يتغير في أقرب وقت، بسبب تغير آليات عمل الاقتصاد الدولي وهيكل توزيع القيمة
المضافة على المستوى الدولي.
وأضاف أنه لا بد من تغيير ثقافة الإنتاج والاستهلاك لدى المواطن الخليجي، بما يؤدي إلى زيادة الناتج الحدي
وانخفاض الميل الحدي للاستهلاك، ومن ثم زيادة الادخار القومي، ليسهم في زيادة نسبة الاستثمار القومي التي
تموَّل من خلال المدخرات المحلية غير الحكومية.