تحديات التنويع الاقتصاد الخليجي.. ما العراقيل التي تواجه الخليج “ما بعد النفط”؟
بدأت دول مجلس التعاون الخليجي منذ سبعينيات القرن الماضي، تحديات التنويع الاقتصاد الخليجي وعدم الاعتماد على النفط؛ وذلك من أجل استقرار مداخيلها، بعيداً عن تذبذب أسواق النفط العالمية.
ورغم تضمين كثير من دول مجلس التعاون هدف تنويع مواردها الاقتصادية ضمن خططها الخمسية، فإن شعار التنويع ظل ينتقل من خطة إلى أخرى، دون تنفيذ ملموس على أرض الواقع، بسبب غياب الرؤية الاستراتيجية لتنفيذ تلك الأهداف، إلا في السنوات الأخيرة.
نفاد الثروة
تعد الخشية من نضوب النفط مشكلة تؤرق صناع القرار بدول الخليج، وفي هذا الشأن كشف تقرير نشرته مؤسسة “بروكينغز” أن احتياطات النفط والغاز ستنفد في نهاية الأمر على المدى الطويل، والبحرين وعُمان في الوضع الأصعب، إذ من المتوقّع أن تنفد الاحتياطات في غضون العقد المقبل لدى البحرين وفي غضون 25 سنة لدى عُمان.
وعلى المدى المتوسط، من المتوقع أن تنخفض العائدات من النفط إزاء التراجعات في الطلب العالمي قبل عام 2040 تقريباً. أما على المدى القصير، فسبق أن بدأت دول الخليج بالاستعانة بأصول مالية بقيمة 1000 مليار دولار راكمتها على مدى عقود واستثمرتها في صناديق الثروة السيادية للأجيال المقبلة، وقد قدَّر صندوق النقد الدولي قبل الجائحة أنه في حال لم تطبِّق دول مجلس التعاون الخليجي إصلاحات مالية واقتصادية جوهرية، فسوف تُستنفد ثروتها المحفوظة بحلول عام 2034، وعلى الأرجح قصرت الجائحة من هذه المدّة.
طريق طويل
ورغم تقديم كثير من مراكز البحوث والمنظمات الدولية والشركات الاستشارية توصيات وخططاً حول السياسات التي بإمكان دول الخليج تطبيقها لتنويع اقتصاداتها والتحضير لمستقبلٍ ما بعد مرحلة الهيدروكربون، فإن تلك الخطط والتوصيات تقف دائماً أمام عقبة غياب الإصلاحات اللازمة لتنويع الاقتصاد وتعزيز النموّ المستدام.
ونجحت الدول الخليجية في إنتاج سلع وخدمات داخل حدودها للاستهلاك المحلي، وتشمل هذه المنتجاتُ والخدماتُ المنتجاتِ الزراعية والمنتجات المصنَّعة وخدمات الأعمال، بيد أن ذلك لا يكفي بالاستغناء عن المستوردة لإعالة 27 مليون مواطن و29 مليون عامل أجنبي يعيشون في المنطقة، علاوة على ذلك، يتطلب التنويع الاقتصادي الحقيقي إنتاج سلع وخدمات، غير الهيدروكربون ومشتقاته، يمكن المتاجرة بها مع باقي العالم، وفي هذا المجال، لا يزال الطريق طويلاً أمام الدول الخليجية.
ضرورة التقشف
يشدد تقرير بروكينغز على أنه على حكومات مجلس التعاون الخليجي الانخراط في حوار صريح مع مواطنيها حيال
القيود المالية التي تواجهها وحيال الخيارات المستقبلية، ثم عليها إعادة كتابة المعايير للعقد الاجتماعي الحاكم، بطريقة يمكن اعتبارها عادلة ومتكافئة.
وينبغي أن تفترض إعادة التفاوض هذه أن يتخلّى المواطنون العاديّون والنخب السياسية على حدٍّ سواء عن بعض
منافعهم وامتيازاتهم؛ نظراً إلى تضاؤل احتياطات الهيدروكربون وانخفاض أسعار النفط التي من المتوقع أن تستمر وأن تنخفض أكثر على المدى الطويل.
ومن شأن الطلب من المواطنين العاديين التخلي عن قدرة وصولهم إلى الوظائف الحكومية أو خفض رواتبهم ومنافعهم
من دون تخلّي أصحاب الأعمال عن أرباحهم الفائضة التي يجنونها من العقود الحصرية، أن يولّد امتعاضاً شعبياً واضطرابات اجتماعية.
وعلى مدى العقدَين الماضيين، بعد تحديات التنويع الاقتصاد الخليجي أنشأت دول الخليج مناطق حرَّة وواحات ابتكار
ومراكز لريادة الأعمال خارج أطر العمل التابعة لقطاعاتها الخاصة المرتكزة على الريوع. ومع ذلك، تبقى هذه
السياسات غير متطورة بما فيه الكفاية، لذا عند التحضير لمستقبل ما بعد النفط، على دول الخليج أن تطبِّق مزيداً من
التخفيضات في الخدمات والمنافع والوظائف العامة والحدّ من الفرص للسعي وراء الريع في القطاع الخاص.
تحديات ومعوقات
وحذَّر خبير الاقتصاد د. محمد عيسى الكويتي من تحديات وعقبات كثيرة تواجه التنويع الاقتصادي في دول الخليج، منها ضعف توافر المعلومات عن مؤشرات التنويع مثل تصنيف العمالة وفرص التوظيف بالقطاعات غير النفطية،
وعدم توافر معلومات عن مختلف الصادرات والقيمة المضافة وإنتاجية العمالة في القطاعات المختلفة سواء كان في قواعد البيانات المحلية أو في قواعد بيانات أخرى.
وأوضح في مقال منشور على موقعه الإلكتروني (9 يونيو 2021)، أن الأمر يشمل أيضاً معلومات الصادرات، التي
هي أحد أهم المؤشرات، إذ تقتصر على عدد المنتجات المصدرة، والأسواق، والقيمة النسبية لكل منتج، وهذا النوع من القياس يقدم معلومات خاطئة في حالة هيمنة منتج النفط على الصادرات.
ويشير “الكويتي” إلى مجموعة معوقات تواجه التنويع تفرضها طبيعة الاقتصاد الريعي، ومنها التوظيف في القطاع
العام، وكبر حجم القطاع العقاري، وتوجه النظام المالي نحو هذه الاستثمارات بنسب كبيرة، وقلة نسبة الصادرات غير
النفطية، وتغليب القطاع التجاري للاستهلاك المحلي الممول بإيرادات النفط.
هذا بدوره وفق “الكويتي”، يؤثر في نوعية التعليم وجودته وفي الريادة والابتكار وتفضيل التوظيف بالقطاع العام وفي توجيه أغلب الاستثمارات نحو مجالات متدنية الإنتاجية، مبيناً أن هذا التشابه في الاقتصاد الريعي “ينعكس في الرؤى
التي وضعتها الدول الست، ويؤثر في زيادة المنافسة غير الحميدة فيما بينها، ويضعف التوجه نحو التكامل”.
معضلات مختلفة
يعتقد الخبير الاقتصادي القطري د.عبد الله الخاطر، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن جهود تنويع الاقتصادات الخليجية شابها عديد من المعضلات.
ومن بين تلك المعضلات: “اعتماد الاقتصادات الخليجية على نشاطات اقتصادية مماثلة، خاصة في ارتباطها بأسواق
الطاقة وجهود الاستكشاف والحفر”، مشيراً إلى أنه تم تسخير كثير من الطاقات للعناية بصناعة النفط، وهو ما أنجح
أفق الاستثمار والعمل.
وإضافة إلى ذلك، يرى “الخاطر” أنَّ ضيق الأسواق الخليجية والحاجة للتصدير إلى الأسواق العالمية غير النفطية
دون وجود الآليات والخبرة والعلاقات وفي غياب الدعم المطلوب خاصة في الفترات الأولى للصناعات الناشئة، “جعلا من نمو الصناعات الخليجية أمراً شديد الصعوبة”.
ويضيف: “عدم وجود تقاليد صناعية في مجتمع اعتمد على الصيد والتجارة، وعدم وجود بنى وهياكل صناعية أو
إدارية يعد أحد الأسباب أيضاً”.
ويشير إلى غياب “الرؤية الصناعية التي تعتمد على ميزات الاقتصادات الخليجية وجعلها منصات ومشاتل لتنمية
صناعات محلية ودفعها إلى التشابك ودعم الترابط الصناعي داخل الاقتصاد”.
وأشار إلى أن “اعتماد الصناعات على الاستيراد بشكل كلي، جعل من تطوير وتنويع الصناعات أمراً صعباً للغاية،
خاصة في المنافسة السعرية والصعوبة في تحقيق وفورات الحجم الكبير”.
ويؤكد ضرورة “بناء المؤسسات الداعمة لإنشاء الشركات والمشاريع والشراكات والتحالفات التي لم يتم حتى الآن
تكوينها”، معتقداً أن الفترة القادمة ستكون “مرشحة لكثير من العمل بصدد إنشاء مؤسسات تعنى بإنشاء المشاريع والشركات والمشروعات والمؤسسات المالية والمال المُجازف”.
وخلص إلى أن “الثقافة الراسخة لدى المجتمع جعلت من السعي للتصنيع أو التنويع في الاقتصاد أمراً غريباً ودخيلاً
ومن خلال مبادرات ذاتية لا تحصل على دعم من قِبل المسؤولين والمؤسسات العامة والمجتمع وغير مدعومة من المؤسسات المالية وأصحاب الأعمال”.
تحرك جدي
وفي السنوات الأخيرة لوحظ وجود مساعٍ أكثر جدية من حكومات دول الخليج نحو تنويع اقتصاداتها من خلال دعم
القطاعات المتنوعة؛ لإدراكها أن نماذج التنويع هذه هي بحدّ ذاتها غير مستدامة، فتحت المجال أمام تطوير حقيقي
للقطاع الخاص، وتأمين بيئة ممكِّنة للأعمال وريادة الأعمال.
كما بدأت دول الخليج في برامج التنويع التي دشنتها خلال السنوات الأخيرة، حيث أدرجت التنويع الاقتصادي ضمن
رؤاها الوطنية وأنشأت لجاناً لدمج القطاع الخاص في النشاطات الاقتصادية الجارية، كما أسّست وكالات لدعم عملية
تطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة وتمويلها، على غرار الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة في السعودية،
وبنك قطر للتنمية، وهيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (ريادة) في عُمان.
وتُعتبر الشركات الصغيرة والمتوسطة حجر الأساس لجهود التنويع، إذ يولّد نموها فرصَ عمل وقيمةً اقتصادية حقيقية.
وتُوِّجت تلك الإجراءات بإنشاء مناطق تجارة حرَّة ومناطق اقتصادية خاصة تساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية
المباشرة، وتدشين واحات ومراكز للابتكار ضمن منظوماتها، مثل منطقة البحرين العالمية للاستثمار، وواحة قطر
للعلوم والتكنولوجي، وواحة الأمير عبد الله بن عبد العزيز للعلوم (PASP) في السعودية.
كما شملت خطط التنويع الخليجية إصلاحات تعليمية تجعل مهارات الخرّيجين تتماشى مع حاجات السوق، مع تشجيع
المبادرات التي تدعم روّاد الأعمال الشباب والتي تقدّم لهم التدريب والمشورة في دول الخليج.