الاخبار العاجلةسياسة

عميد المحامين التونسيين للجزيرة نت: نرفض محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري وندعو القضاة لالتزام الحياد

تونس- عبّر رئيس الهيئة الوطنية للمحامين حاتم المزيو، عن رفضه محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري في تونس، رافضًا في الوقت ذاته تدخل القضاء العدلي أو العسكري في مسائل تأديبية من صلاحيات الهيئة على غرار منع المحامي من ممارسة مهنته مثلما وقع مع أحد معارضي الرئيس.

كما أعرب عميد المحامين -في حوار حصري للجزيرة نت- عن قلقه من تأثير حالة الخوف التي تفشّت في صفوف القضاة بعد عزل الرئيس 57 منهم، على استقلالية القضاء في ظل ما يجري في البلاد من حملة توقيفات وملاحقات قضائية، داعيًا القضاة إلى عدم الخوف والتزام الحياد واحترام القانون.

وهذا نص الحوار:

من الطبيعي أن تفتح النيابة العمومية بحثا في التهم ومتابعة الأفعال المنسوبة للموقوفين للتأكد من ارتقاء الأفعال إلى جريمة تتعلق بالتآمر على أمن الدولة أو محاولة قلب النظام بالقوة أو التخابر أو عدم ارتقاء تلك الأفعال إلى جريمة.

وبالنسبة للقضايا الجارية، لاحظنا وجود خروقات تتصل بحرمان الموقوفين من الاستعانة بمحاميهم. وقد تم منع المحامين من الحضور طيلة 48 ساعة من بدء التوقيفات بحجّة أن القضية إرهابية وأن قانون الإرهاب يسمح بذلك المنع.

ولكننا نعتبر منع المحامي من الحضور أمرًا خطيرًا ويتعارض مع الفصل (35) من الدستور الجديد الذي ينصّ على حق المتهم والمشتبه به بالاستعانة بالمحامي في جميع أطوار التتبع والمحاكمة، ولا يوجد أي قاض أو باحث يحترم الدستور والقانون يمنع المشتبه بهم من الالتقاء بمحاميهم باعتبار أن حضور المحامي ضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة والنزيهة.

  • محامو الموقوفين يقولون إن ملفاتهم خالية من أي مؤيدات توحي بوجود تآمر على أمن الدولة.. هل اطلعتم على بعض الملفات وما موقفكم من ذلك؟

في الواقع اطلعت على أحد الملفات وهو متعلق بقضية المحامي والناشط السياسي لزهر العكرمي، لكن دعني أوضح لك أن تصريحات الدفاع دائما تصبّ في هذا الاتجاه ونحن نحترم حق الدفاع في التعبير عن موقفه، لأن الإدانة أو الشبهة لا بد أن تكون قوية بالحجج والبراهين.

لا أستطيع التعليق على ما يقوله الدفاع، كما أنني لستُ ناطقًا باسم النيابة العمومية لأصرّح بأن ملفات الموقوفين فارغة أو تتضمن قرائن. ولكن من حيث المبادئ والقيم تبقى قرينة البراءة قائمة إلى حين ثبوت عكس ذلك من خلال حكم باتٍّ بالإدانة مستند إلى أدلة وبراهين.

  • بحكم اطلاعكم على ملف لزهر العكرمي، هل هناك تهمة ترتقي لجريمة التآمر على أمن الدولة؟

نحن نستغرب إفراد قضية لزهر العكرمي بتتبع قضائي وحده وهذا فيه غموض كبير لأن مسألة التآمر على أمن الدولة تستوجب تورط عديد الأطراف وليس شخصًا بمفرده. والمسألة الثانية التي أقلقتنا هي أن قاضي التحقيق في قضية لزهر العكرمي فقد حياديته لما صرح خلال جلسة استنطاقه (حسب ما بلغني بصفة متواترة من المحامين) بأنه عبر بصفة صريحة عن قراره في إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حق لزهر العكرمي قبل أن ينهي المحامون مهمتهم في الترافع خلال الاستنطاق وهذا يشكل خرقًا كبيرًا وغير مقبول.

Tunisian activist Chaimaa Issa gestures during a protest against Tunisian President Kais Saied in Tunis
الاحتجاجات في الشارع التونسي مستمرة ضد ما يوصف بالقمع الذي تمارسه السلطات (رويترز)
  • يجري الحديث عن إحالة 14 محاميًا إلى التحقيق من بداية مارس/آذار الجاري.. هل هذا صحيح وما موقفكم من تصاعد إحالة المدنيين على القضاء المدني والعسكري؟

نعم. تسلّم الفرع الجهوي للمحاماة من القضاء دعوات لاستنطاق 14 محاميًا على خلفية قضية الاحتفاظ بنور الدين البحيري (قيادي بحركة النهضة ووزير عدل سابق)، والذي وضع تحت الإقامة الجبرية، فيما قام 14 محاميًا بالتنقل لمنطقة منزل جميل بمحافظة بنزرت بتاريخ 30 ديسمبر/كانون الأول 2021 للاستفسار حول وضعيته ومكانه بالتحديد والإجراءات المتخذة في شأنه لكن تم إحالتهم إلى التحقيق على خلفية شكاية تقدم بها آنذاك رئيس المركز الأمني ضدهم بتهمة إثارة الهرج. ونحن نرفض هذه التهمة ونعتبرها مخالفة لأحكام النص (46) من القانون المنظّم لمهنة المحاماة.

وحتى لو وقعت مخالفات من قبل المحامين، فإن التتبع لا يكون إلا في إطار التأديب فقط لأن هذا يدخل فيما يسمى بحصانة الدفاع. والمحامي من حقه أن يدافع بكل شجاعة عن موكله مهما كانت الجريمة ومهما كان اسم المتهم، ولكن إذا تعلقت بالمحامي تهم خارج الإطار المهني تتم محاسبته في إطار القانون واحترام الإجراءات.

  • ولكن أغلب التهم تتعلق بالتآمر على أمن الدولة فيما يقول خصوم الرئيس إنه يستعين بأجهزة الدولة لملاحقة خصومه.. كيف ترى ذلك؟

في الواقع، التحقيقات في قضية التآمر على أمن الدولة لم تكتمل بعد وبالتالي لا يمكننا أن نستخلص إن كانت الأفعال المنسوبة إلى المشتبه بهم ترتقي إلى جريمة التآمر على أمن الدولة من عدمه.

اقرأ ايضاً
إفريقيا ولعبة الأمم

لكن نحن ضد المحاكمات العسكرية للمدنيين وضد تدخل القضاء في المحاماة، ونقف دائما مع مبدأ الحرية ضد الإيداع بالسجن، وأن يترك المتهم بحالة سراح مهما كانت صفته إلى حين أن تقرر المحكمة بشأنه بناء على التحقيقات، وحينها تتم محاسبته بعقوبة تتناسب مع الجريمة المرتكبة.

  • ما موقفكم من قرار المحكمة العسكرية وقف محامٍ وناشط سياسي معارض للرئيس عن العمل لمدة 5 سنوات؟

عبّرنا عن رفضنا بوضوح لتدخل القضاء في جدول المحامين وإيقافهم عن مباشرة المهنة سواء من القضاء العدلي أو العسكري لأن مسار تتبع المحامين تأديبيًّا منذ تاريخ ترسيمهم بجدول المحامين إلى حين تقاعدهم يقع تحت إشراف الهيئة الوطنية للمحامين وفروعها الجهوية.

وبالتالي، نرفض قرار المحكمة بوقف نشاط أي محامٍ عن العمل لأن ذلك غير قانوني باعتبار أن القانون المنظّم لمهنة المحاماة ألغى العقوبات التكميلية في المجلة الجزائية ضد المحامين.

  • هل تعتقد أن المحاكمات الجارية بحق الموقوفين السياسيين تتوفر على شروط المحاكمة العادلة.. أليست لديكم هواجس من إمكانية تلفيق تهم لهم؟

نرفض تلفيق أي تهمة ضد أي شخص لأنّ التلفيقات تصبح بدورها مؤامرة ضد الناس، ولا أتصور أن دولة تحترم نفسها ستقوم بتلفيقات خطيرة من نوع التآمر على أمن الدولة.

وعلى كل حال فالأبحاث أظهرت أن هناك لقاءات جمعت سياسيين مع أطراف خارجية، بينما ليس من حق السفراء أو المكلفين بمهمات في بعثات دبلوماسية القيام باتصالات خارج القانون أو التدخل في الشؤون الداخلية للدولة المعتمدين فيها.

وما دام القضاء لم يثبت بصفة نهائية أن الأفعال المنسوبة للموقوفين ترتقي لجريمة التآمر على أمن الدولة، تبقى الإدانة غير واضحة ويبقى القضاء هو الفيصل للبتّ في هذه القضايا بشكل نهائي.

ونحن نؤمن بدولة القانون وحق الدولة في التتبع ضد كل شبهة جريمة، ولكن مع شروط المحاكمة العادلة التي تستوجب احترام حق الدفاع وقرينة البراءة واستقلالية القضاء بعيدا عن أي ضغوط.

ولكن في الحقيقة لا يعيش القضاء التونسي أحسن فتراته لأن القضاة أصبحوا متخوفين على مسارهم خاصة بعد الإعفاءات التي شملت 57 قاضيًا (عزلهم الرئيس قيس سعيد). وأقول للقضاة لا تخافوا لأن القضاء رسالة تقتضي منهم الحياد واحترام القانون والدفاع.

Judges in Tunisia protest the dismissal of 57 judges by President Kais Saied
قضاة تونسيون يتظاهرون ضد عزل 57 منهم من قِبَل الرئيس قيس سعيد (الأناضول)
  • البعض يقول إن القضاة أصبحوا يخشون على مصيرهم لأن الرئيس أصبحت لديه سلطة إعفاء القضاة.. ألا يؤثر ذلك على استقلالية القضاء الذي يهتم بقضايا خطيرة في حق معارضين تصل عقوبتها الإعدام؟

دون شك سيؤثر الخوف على نزاهة القاضي واستقلاليته، وللأسف فإن القضاء لم يكن في أحسن حالاته منذ الاستقلال، وبعد سنة 2011 (تاريخ سقوط النظام السابق) علقنا آمالًا كبيرة لتكريس استقلالية القضاء وتم التنصيص في الدستور والقوانين على استقلالية القضاء ولكن هناك من فهم الاستقلالية بطريقة خاطئة من القضاة أنفسهم، بينما لم يقم المجلس الأعلى للقضاء (المنحل) بدوره في ضمان استقلالية القضاء بل كان مجلسًا قطاعيًّا ولم يحاسب القضاة الذين ارتكبوا أخطاء بل كان مساندًا للإفلات من العقاب، وهذا ما يفسر لجوء الرئيس قيس سعيد إلى الإعفاءات التي شملت 57 قاضيًا وقاضية. وأنا أدعو القضاة إلى عدم الانسياق وراء أي ضغوط والعمل في إطار الحياد واحترام القانون.

  • معارضو الرئيس يقولون إن البلاد تعيش في مرحلة انتقال نحو الاستبداد.. فما موقف هيئة المحامين مما يجري خاصة بعد حملة التوقيفات في صفوف خصوم الرئيس؟

علينا أن نعود قليلا إلى الوراء أي قبل 25 يوليو/تموز 2021 (تاريخ إعلان الرئيس عن التدابير الاستثنائية) حتى لا ننسى أنه طيلة العشرية الماضية ورغم بعض الإيجابيات، فإن الفساد كان مستشريًا بشكل كبير على جميع المستويات. كما لم يكن المشهد السياسي في البرلمان بسبب كثرة التجاذبات في مستوى التطلعات. وبالتالي، تسبب كل ذلك في تزكية جزء من الشعب للإجراءات التي اتخذها الرئيس وما يزال جزء يساند تلك الإجراءات.

ولكننا نقول لا يجب أن تنقلب الأمور إلى استبداد من نوع آخر، ونطالب الرئيس بالتمسك بالثوابت والقيم المشتركة للديمقراطية واحترام حقوق الانسان وشروط المحاكمة العادلة وضمانات الدفاع.

كما ندعو للقيام بتعديلات على دستور 25 يوليو/تموز لأنه رغم ما تضمن من إيجابيات في باب الحقوق والحريات فإنه لا يضمن التوزان بين السلطات. وبالتالي، لا بد من تعديلات لنقطع الباب أمام إمكانية عودة الاستبداد وحتى لو اعتبر الرئيس الحالي نفسه ضامنًا للحقوق والحريات قد يأتي شخص آخر ويستعمل هذا الدستور في أغراض أخرى.

  • تشارك هيئة المحامين اتحاد الشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في صياغة مبادرة للخروج من الأزمة.. أين وصلت صياغتها ومتى تنتهون من ذلك؟

أطلقنا هذه المبادرة في ظرف اقتصادي واجتماعي وسياسي صعب. وبالتالي لا بد من مبادرات لإنقاذ البلاد من هذا الوضع وقد رأينا في أنفسنا كمنظمات وطنية لها رصيد نضالي عريق أن نرافق ونساعد السلطة القائمة على إيجاد الحلول للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها تونس.

والمبادرة التي نستعد لإطلاقها لن تأخذ مكان المؤسسة التشريعية المنبثقة عن الانتخابات ولكن هي مبادرة نسعى من خلالها لمساعدة السلطة القائمة للخروج من الأزمة وسنتوجه بها لرئيس الجمهورية، وقريبا سيُنهي الخبراء الذين تم تعيينهم في 3 لجان (سياسية واقتصادية واجتماعية) أعمالهم قبل نهاية الشهر الجاري وسنسلم السلطة القائمة مخرجات المبادرة وسندفع نحو تبنيها.

  • ماذا لو لم يقبل الرئيس بهذه المبادرة؟

بعد صدور المبادرة سيتضح موقف الرئيس، وأعتقد أنه أخذ موقفًا مسبقًا منها لأنها لم تكتمل بعد. وفي آخر مارس/آذار الجاري سنعلن عن مضامين المبادرة التي تحوي مقترحات إصلاحية، وفيها رؤية جديدة اقتصادية واجتماعية، كما تتضمن مقترحات لدعم للديمقراطية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى