الإمارات تثير انقساماً في الصومال.. ما حكاية “الأموال المشبوهة”؟
الإمارات تثير انقساماً في الصومال رغم اعتذار رئيس وزراء الصومال محمد حسين روبلي، للإمارات عن حادثة
احتجاز أموال تابعة لها عام 2018، فإن المعطيات تشير إلى أن قطار العلاقات بين مقديشو وأبوظبي لن يعود لمساره الطبيعي في الوقت الراهن.
فالصراع بين الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، ورئيس حكومته روبلي، يتصاعد بشكل غير مسبوق، ويبدو
أن أعلى هرم الدولة الصومالية لا يرغب حالياً في استعادة العلاقات مع الإمارات.
أوامر متضاربة
الجمعة 7 يناير 2022، أعرب رئيس الوزراء الصومالي، محمد حسين روبلي، عن سعي بلاده لفتح صفحة جديدة
مع الإمارات، مقدماً اعتذاره لأبوظبي، عقب توتر العلاقات بين البلدين منذ عام 2018.
وجاءت تصريحات روبلي وفق بيان نشره مكتبه الإعلامي، بمناسبة تسلُّمه حزمة مساعدات إنسانية من سفير الإمارات محمد أحمد العثمان.
وقال: “نعبر عن أسفنا عن تلك الحادثة (حادثة ضبط الأموال) وما سببتها من توتر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين”،
مضيفاً أن الصومال “مستعد للإفراج عن الأموال الإماراتية التي تم ضبطها”.
وأوضح روبلي أن بلاده “تسعى إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات مع الإمارات، والتجاوز عن الخلافات السياسية السابقة بين البلدين”.
لكن بعد ساعات قليلة أصدرت الرئاسة الصومالية بياناً مخالفاً تماماً، حيث وجّه فرماجو، البنك المركزي في بلاده
بعدم الإفراج عن أموال إماراتية محتجزة منذ عام 2018؛ لدخولها الدولة “بشكل غير قانوني”.
وحسب البيان قال الرئيس فرماجو: إن الإمارات تثير انقساماً في الصومال وان “تلك الأموال (الإماراتية) دخلت
البلاد بطريقة مخالفة للنظام المالي في الصومال والقانون المالي الدولي، وشكلت آنذاك تهديداً لأمن واستقرار اقتصاد البلاد”.
ما قصة هذه الأموال؟
في 9 أبريل 2018، أعلنت وزارة الداخلية الصومالية ضبط مبلغ مالي، قدره 9.6 مليون دولار، كان على متن
طائرة من نوع “بوينغ 737” في مطار مقديشو الدولي.
وتبين سريعاً أن الطائرة إماراتية وأن الأموال كانت بحوزة سفير الإمارات حمد أحمد الحمادي، الذي اصطحب معه هذا المبلغ الضخم؛ لاستخدامه في أغراض قالت وسائل إعلام صومالية، آنذاك، إنها “غير مشروعة وخارجة عن
القانون”.
وأعلنت السفارة الإماراتية في ذلك الوقت، أن الأموال تابعة لها، ولا يمكن مصادرتها، وأنها مخصصة لدفع رواتب
وحدات من الجيش الصومالي في مقديشو، وإقليم بونتلاند، عملت الإمارات على تدريبهم.
ولم يكن هذا السبب هو الوحيد لتدهور العلاقات بين الإمارات والصومال، فهذا الحادث سبقه بقرابة الشهر، تصويت
برلمان الصومال لصالح حظر نشاط شركة موانئ دبي العالمية في البلاد، حيث تعمل الشركة على تطوير ميناء
بمنطقة “أرض الصومال”، التي تقول إنها مستقلة عن مقديشو.
كما تبعت ذلك حوادث مختلفة، كان أبرزها في فبراير 2021، عندما أصدرت وزارة الخارجية الإماراتية بياناً تعليقاً
على اشتباكات اندلعت في مقديشو، بين قوات موالية للحكومة الصومالية وفصائل معارضة لها.
وأعربت الخارجية الإماراتية في بيانها، آنذاك، عن “قلقها البالغ من تدهور الأوضاع في مقديشو نتيجة اللجوء إلى
العنف واستخدام القوة المفرطة ضد المدنيين”.
ودعت الحكومة الصومالية التي وصفتها بـ”المؤقتة” والأطراف كافة “إلى ضبط النفس من أجل تحقيق تطلعات
الصومال في بناء مستقبل آمن ومستقر يتسع للجميع”.
من جانبها، ردت الحكومة الصومالية على البيان الإماراتي، ووجهت له انتقاداً شديد اللهجة، ورد على لسان وزير
الإعلام عثمان أبو بكر دبي، خلال مؤتمر صحفي، عقده في العاصمة مقديشو.
وقال دبي، في ذلك الوقت: إن “البيان الذي أصدرته الإمارات يمس الحكومة الفيدرالية الصومالية”. واتهم الإمارات بـ”التدخل في الشؤون الداخلية للصومال”.
تمويل “الشباب”
وحسب تقرير لفريق الرصد التابع للأمم المتحدة بشأن العقوبات المفروضة على الصومال الصادر بداية العام الماضي، فإنَّ تدخل الإمارات لم يقف عند حد التشكيك في الحكومة وشرعيتها فقط، بل وصل إلى تمويل التنظيمات
المتشددة المسلحة هناك، على رأسها حركة “الشباب المجاهدين”.
وذكر التقرير أن “هذا التمويل ساهم في تعميق حالة عدم الاستقرار الذي يعيشه الصومال وأوقف تعافيه التدريجي”.
وتنقل الإمارات الفحم الصومالي عبر بعض السفن من موانئ جيبوتي إلى الإمارات، من خلال تزوير بلد المنشأ
لتكون جيبوتي وليس الصومال.
بعد جاء في تقرير فريق الرصد الأممي، أن تجار الفحم يقومون باستصدار مستندات الجمارك وشهادات المنشأ المزورة
لتيسير الاستيراد غير المشروع للفحم الصومالي المهرب، ووجد فريق الرصد أن النوع الأكثر شيوعاً هو مستندات المنشأ الجيبوتية المزيفة.
في حين كشف التقرير، أن حركة الشباب تتلقى نحو 10 ملايين دولار سنوياً من تجارة الفحم غير المشروعة، ولا تزال
مدينة دبي وجهة التصدير الرئيسة.
وسبق أن اتهم البرلمان الأوروبي الإمارات بزعزعة الاستقرار في الصومال، وطالبها بالتوقف عن كل عمل من شأنه
أن يهدد استقراره، وباحترام سيادته ووحدة ترابه.
وقال البرلمان الأوروبي، في بيان سابق، إن الإمارات تثير انقساماً في الصومال وتواصل تقويض المكاسب الأمنية
والسياسية التي تحققت في الصومال، معتبراً ذلك سبباً في الانقسام الوطني بين حكومة الصومال الفيدرالية والأعضاء بالفيدرالية.
ولمّح بيان سابق للخارجية الصومالية صدر في فبراير 2021، إلى أن الإمارات تسعى لعرقلة الاتفاق بين الحكومة
من جهة ورؤساء الأقاليم والمعارضة من جهة أخرى، فيما يتعلق بآلية إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ما أدى إلى تأجيل الانتخابات أكثر من مرة، دون تحديد موعد واضح لها.
هل يمكن إنهاء الخلافات؟
الباحث السياسي الصومالي نور أحمد، أن الخلاف المتصاعد بين الصومال والإمارات يرجع لعدة عوامل، من أهمها
رفض مقديشو الانضمام للموقف الإماراتي وقطع العلاقات مع قطر، واتخاذها موقفاً محايداً خلال الأزمة الخليجية (2017-2021).
وأشار أحمد إلى أن السبب الآخر هو دعم أبوظبي الأقاليم الصومالية، خاصةً دعم رغبة إقليم أرض الصومال في
الانفصال، وهو ما يثير غضب الرئيس الصومالي الحالي الذي يرفع شعار “الصومال الكبير”.
بعد يقع إقليم أرض الصومال في منطقة القرن الأفريقي على شاطئ خليج عدن، وبالتحديد شمالي الصومال، ويعتبر
نفسَه دولة مستقلة رغم كونها غير معترف بها من الأمم المتحدة وأغلبية دول العالم التي تعتبرها لا تزال تحت سيادة الصومال..
إلا أن الباحث الصومالي أعرب عن اعتقاده أن وجود الرئيس الحالي سيصعّب مهمة استعادة العلاقات مع الإمارات،
لأنه يرى أن الأخيرة سبب رئيس للتوتر في البلاد، للأسباب سابقة الذكر.
وقال: “الرهان الآن على الانتخابات التي لم يتم تحديد موعد انعقادها حتى الآن بسبب الخلافات السياسية، فربما في
حال تغيُّر الرئيس الصومالي الحالي تتمكن الإمارات من عقد حوار مع الرئيس المقبل”.
وختم حديثه بالقول: “لا يمكن الجزم بما سيحدث، فالصومال أرض التقلبات السياسية، وعموماً سيكون كل شيء مرتبطاً بانعقاد الانتخابات”.
في انطلق في مقديشو، يوم 3 يناير الجاري، مؤتمر تشاوري سيتواصل عدة أيام بمشاركة رؤساء الولايات الفيدرالية؛
لبحث سبل استكمال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، حيث تم الانتهاء من انتخابات مجلس الشيوخ، وهو غرفة
البرلمان الثانية، منتصف نوفمبر الماضي، فيما بدأت انتخابات مجلس الشعب- الغرفة الأولى- في بداية الشهر ذاته،
لكنها توقفت في بعض الأقاليم، بسبب شكاوى المرشحين من عدم النزاهة.
علاوة على ذلك كان رئيس الصومال قد أعلن في 26 ديسمبر الماضي، عن فشل رئيس الوزراء في قيادة العملية الانتخابية، وهو
اتهام رفضه الأخير، معتبراً إياه “خطوة متعمدة لعرقلة مسار الانتخابات”.
المصدر:مواقع اخبارية+راي الخليج