تستعيد سلطنة عُمان ذكرى رحيل السلطان قابوس بن سعيد، في 10 يناير 2020، الذي خلف أثراً مهماً بجعل
السلطنة تأخذ مكانة مرموقة بين دول المنطقة، وتكون في مأمن من التدخلات الخارجية على الرغم من موقعها
الاستراتيجي المهم، باعتماد سياسة عرفت بالمتوازنة مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية.
سياسة سلطنة عُمان التي وضع أسسها السلطان الراحل جعلت من مسقط طرفاً ليس فقط محايداً، بل لاعباً أساسياً في
حل النزاعات.
ويطلق عليه العُمانيون باني نهضة السلطنة؛ ما يجعلهم يستذكرون مسيرته في ذكرى رحيل السلطان قابوس ، التي توافق 10 يناير.
سلطان عُمان الحالي هيثم بن سعيد أكد في خطبة ألقاها بذكرى رحيل السلطان قابوس أن السلطنة “تنعم” اليوم بما
قدمه السلطان الراحل خلال مشوار حكمه الذي امتد لخمسين عاماً.
البداية
ولد السلطان قابوس بن سعيد في 18 نوفمبر 1940، في مدينة صلالة بمحافظة ظفار، وهو النجل الوحيد لسعيد بن
تيمور، وهو ثامن سلاطين أسرة البوسعيد.
أكمل دراسته في أكاديمية “سانت هرست” العسكرية الملكية في بريطانيا، وعاد إلى عُمان في عام 1964.
تولى حكم السلطنة في 23 يوليو 1970، خلفاً لوالده السلطان سعيد بن تيمور الذي عرف نظام حكمه اندلاع عدد من
التمردات والثورات في البلاد.
وتعد عمان من الدول الخليجية الأكثر تمسكاً بالتقاليد، كما كانت حتى سبعينيات القرن الماضي على الأقل من أكثرها عزلة أيضاً.
وتحتل عمان موقعاً استراتيجياً عند مدخل الخليج في الزاوية الجنوبية الشرقية لشبه الجزيرة العربية، وكانت في القرن
التاسع عشر تتنافس مع البرتغال وبريطانيا على النفوذ في منطقتي الخليج والمحيط الهندي.
توليه الحكم
بعد تولي السلطان قابوس الحكم في عام 1970، عمل على إخماد حركات التمرد التي كانت في بلاده، ومن بينها
التمرد في محافظة ظفار الجنوبية (1965 – 1975)، وتطلب ذلك منه نحو خمس سنوات.
بعد تمكنه من إخماد التمرد في جنوب البلاد، فتح عمان للعالم الخارجي، وأطلق عملية إصلاح اقتصادي، وزاد الإنفاق
في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية.
دأب السلطان قابوس على تحديث هياكل الحكم تدريجياً بإقامة مجلس استشاري سنة 1981، تم استبداله بمجلس
الشورى سنة 1990، ومن ثم مجلس الدولة سنة 1997.
وعلى مدى حكمه الذي دام نحو 5 عقود، نجح السلطان قابوس في تحويل عمان، الدولة النفطية، من بلد فقير تمزقه
النزاعات إلى بلد يتمتع بدرجة من الرخاء، وأدى دور الوساطة بين دول الخليج وإيران.
علاوة على ذلك من أقوال السلطان قابوس فيما يتعلق بالتحديث: “عمان اليوم غيرها بالأمس، فقد تبدل وجهها الشاحب، ونفضت
عنها غبار العزلة والجمود، وانطلقت تفتح أبوابها ونوافذها للنور الجديد”.
سياسة الصداقة
طوال سنوات حكمه حرص السلطان قابوس على اتباع سياسة الحياد إزاء الكثير من القضايا الإقليمية والدولية، وطبع
بلاده الواقعة في منطقة تعج بالصراعات والتوترات بهذا الطابع الحيادي.
وارتبط السلطان قابوس بعلاقات صداقة مع العديد من الدول في العالم العربي والعالم. وعرف بتركيزه على شؤون
عمان الداخلية وتجنب التدخل في شؤون الدول المجاورة، إذ يحد بلاده كل من السعودية واليمن والإمارات، وتمتلك
موقعاً استراتيجياً يطل على حركة الملاحة في مضيق هرمز.
كما كان من مؤسسي مجلس التعاون الخليجي، وحرص على أن يتبع سياسة الحياد نفسها بين أطراف الأزمة الخليجية
الأخيرة، التي انتهت مطلع العام الماضي.
في حين استطاع أن يؤدي دور الوسيط في الكثير من النزاعات في المنطقة، لا سيما تلك المتعلقة بإيران المجاورة لبلاده، إذ
استطاع تسهيل محادثات سرية بين الولايات المتحدة وإيران، في عام 2013، أدت إلى اتفاق نووي تاريخي بعد ذلك بعامين.
ونظير الاحتجاجات التي شهدتها السلطنة في عام 2011، مطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية وزيادة الأجور
وتوفير فرص العمل ومكافحة الفساد؛ رد السلطان قابوس بإجراء بعض التعديلات الوزارية، وتنحية العديد من
الوزراء والمسؤولين الذين بقوا في مناصبهم فترات طويلة، وشابت البعض منهم اتهامات فساد، ووسع سلطات
المجلس الاستشاري، وتعهد بزيادة فرص العمل ورفع الرواتب