تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي مجموعة من أكبر الصناديق السيادية الخليجية الثروة السيادية في العالم، لكونها وسيلة لاستخدام الوفورات المالية التي راكمتها الإيرادات النفطية بغرض استثمارها بعيداً عن تقلبات أسعار النفط ولمواجهة الأزمات الاقتصادية.
وتبلغ نسبة الصناديق الخليجية 34.7% من إجمالي الصناديق السيادية في العالم.
وقال المعهد الدولي الصناديق السيادية الخليجية إن صندوق الأجيال الكويتي حل الأول خليجياً والمرتبة الثالثة عالمياً بأصول بلغت 737.93 مليار دولار، وحل صندوق الإمارات السيادي في المرتبة الرابعة عالمياً والثانية خليجياً بـ697.8 مليار دولار.
وبحسب تقرير المعهد، الصادر في 5 يناير 2022، جاء الصندوق السعودي في المرتبة الثالثة خليجياً والثامنة عالمياً، بأصول بلغت 480 مليار دولار، ثم الصندوق القطري الذي حل في المرتبة الرابعة خليجياً والعاشرة عالمياً بـ354 مليار دولار.
ضخ الاستثمارات
وبدا واضحاً مدى ثراء صناديق السيادة الخليجية بعد الجائحة، حيث استحوذت صناديق الثروة السيادية في مجلس التعاون الخليجي على حصص في الصناعات المتضررة بشدة، مثل السياحة والنقل، وهما قطاعان تنظر إليهما دول المجلس على أنهما مصدر محتمل للتنويع الاقتصادي.
السعودية، على سبيل المثال، ضخت 40 مليار دولار في صندوق الاستثمار العام السعودي من الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي، وبعد 5 أشهر فقط من هذا الدعم، أعلن ولي العهد السعودي أن صندوق الاستثمارات العامة سيضخ ضعف هذا المبلغ في الاقتصاد المحلي في عامي 2021 و2022.
كما باعت دولة قطر سندات بعشرة مليارات دولار في ذروة الجائحة في أبريل 2020، ويبلغ حجم صندوق الثروة السيادي لديها 300 مليار دولار، في حين كانت حاجتها إلى السحب من صناديق الثروة السيادية أقل.
وأعلن جهاز أبوظبي للاستثمار، أكبر صندوق للثروة السيادية في الإمارات، في تقريره السنوي لعام 2020 أنه يتوقع أن تكون التكنولوجيا وتغير المناخ مجالين رئيسيين للاستثمار في استراتيجيته لما بعد جائحة كوفيد-19.
مواجهة الجائحة
وعمدت صناديق الثروة السيادية الخليجية إلى ضخ مليارات الدولارات لمواجهة الركود الناجم عن جائحة فيروس كورونا، وتداعياتها اللاحقة.
وكشف تقرير أعده المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية أن حصة كبيرة من المبالغ استثمرت في الداخل مع سعي
تلك الصناديق لتخفيف وطأة أزمة كوفيد-19 على اقتصاداتها.
ودخلت الصناديق السيادية الجائحة بمستويات مرتفعة من السيولة النقدية، “ولذلك فإنها كانت جاهزة لدعم الاقتصادات
المحلية أو الشراء لاقتناص الفرص في أسواق دولية كانت في أزمة في مارس 2020.”
وبحسب التقرير، وجهت الصناديق السيادية الخليجية استثمارات مباشرة بقيمة 48.9 مليار دولار إلى الأسهم، أو أكثر
من ضعفي المبلغ الذي استثمرته في 2019، في حين استثمرت 9.1 مليارات دولار في العقارات، و8.2 مليارات دولار في البنية التحتية.
وقال التقرير إنه في 2020، ونتيجة للجائحة، وجهت الصناديق السيادية 22% من كل رؤوس أموالها نحو
استثمارات مباشرة في أسواقها المحلية.
تحديات كبيرة
تواجه صناديق الثروة السيادية في دول الخليج تحديات على صعيد تفاقم الالتزامات المالية للموازنات العامة، وارتفاع
العجز إلى مستويات قياسية، من جراء تداعيات جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط.
وأدى انخفاض أسعار الخام، الناجم عن الوباء، إلى زيادة كبيرة في متطلبات الاقتراض الإجمالية للحكومات الخليجية،
التي سيتم الوفاء بها جزئياً بالسحب من صناديق الثروة السيادية.
وبحسب تقارير مؤسسات التصنيف الدولية قد تلجأ دول الخليج إلى تسييل جزء من الاستثمارات الخارجية في
صناديقها السيادية، لتخفيف حدة السحب من الاحتياطيات الأجنبية لدى البنوك المركزية، وعدم اضطراب أسعار صرف عملاتها.
ويصل عجز ميزانيات دول الخليج إلى 490 مليار دولار في السنوات الأربع الممتدة من 2020 إلى 2023، وسط
ارتفاع احتياجات التمويل مقابل انخفاض الإيرادات النفطية، بحسب تقديرات وكالة “ستاندرد آند بورز”.
يقول الخبير الاقتصادي علاء السعيد إن “صناديق الثروة السيادية التي تكونت في خمسينيات القرن الماضي كانت
بهدف جمع الثروة الزائدة من عائدات النفط، من أجل الاستثمار الداخلي أو الخارجي لدول الخليج”.
ويضيف، أن “تلك الصناديق أصبح لها نشاط كبير جداً ومميز خلال السنوات الأخيرة،
حيث تمتلك اليوم أسهماً في شركات عالمية ومحلية وبنوك دولية، وهو ما جعل لها حضوراً عالمياً وتأثيراً واضحاً،
سواء كان في الاقتصاد العالمي أو في الاقتصادات المحلية لدول الخليج”.
ويؤكد السعيد أن دول الخليج تمتلك مجموعة من الصناديق للثروة السيادية، وكان لها أهمية كبرى، لا سيما خلال
جائحة كورونا والتحديات التي واجهت الاقتصادات، على مستوى جميع الدول، وكذلك انخفاض أسعار النفط الذي أثر سلبياً على الدخل القومي للدول الخليجية، فلجأت إلى تعويض هذا النقص من خلال تلك الصناديق.
ويبين أن صناديق الثروة السيادية لدول الخليج عملت خلال الجائحة على ضخ مليارات الدولارات لمواجهة الأزمة
الاقتصادية الأخيرة، معتبراً أن ذلك أداء جيد ودور مهم للصناديق في مثل هذه الأزمات التي تعصف بالبلدان.
الأكثر تأثراً
وذكر تقرير نشرته وكالة “موديز” لخدمات المستثمرين، في فبراير 2021، أن السعودية وعُمان أكثر عرضة
لانخفاض الأصول السيادية على المدى المتوسط، بسبب تداعيات جائحة كورونا والسحب المتزايد لتعويض انخفاض أسعار النفط.
وأضافت “موديز” أن التداعيات ستؤدي إلى تآكل كبير في الهوامش الوقائية في السعودية وسلطنة عمان، ما يقلل
القوة المالية لصناديقهما السيادية ويزيد المخاطر الخارجية.
في الوقت الذي نشط فيه صندوق السيادة القطري “جهاز الاستثمار”، حيث كانت قطر بين الأقل تأثراً بالوباء بين دول
الخليج بسبب اعتمادها على الغاز الذي حافظ بشكل أكبر على أسعاره مقارنة بالنفط.
وبحث الصندوق القطري عن فرص استثمارية جديدة في ظل وباء كورونا، وخاصة مع الخسائر الفادحة التي أصابت
الشركات الكبرى، ما تسبب بانخفاض أسعار أسهمها، وهو ما مكنه من الاستحواذ على أسهم وحصص في شركات عالمية جديدة.
وفي ظل أزمة كورونا تمكن الاقتصاد العُماني من بث التفاؤل لدى المستثمر المحلي؛ بإنشاء جهاز الاستثمار العُماني
الذي يمتلك ويدير صناديق الثروة السيادية وأصول وزارة المالية، متجاوزاً تحديات كورونا بإجراءات تحفيزية بنحو 21 مليار دولار.
وكشف موقع “مرآة البحرين” أن 34% من استثمارات شركة “ممتلكات” (صندوق الثروة السيادي البحريني)
تضررت، رغم عدم كشف الحكومة البحرينية عن حجم الخسائر.
وفي هذا السياق يشير علاء السعيد إلى أنه “رغم تكبد صناديق الخليج للثروة السيادية خسائر ضخمة خلال جائحة
كورونا كباقي صناديق دول العالم، فقد عوضت تلك الخسائر في الفترة الأخيرة، نتيجة ارتفاع أسعار النفط وعودة الحياة الطبيعية إلى دول الخليج”.
ويعتقد السعيد أن “صناديق الخليج السيادية قد تواجه بعض التحديات في المرحلة القادمة؛ مثل إكمال تعويض
الخسائر، والعودة إلى الاستثمارات التي تنازلت عنها، والانخراط في دعم الاستثمارات الداخلية، ومساعدة المواطن الخليجي الذي تضرر من فترة جائحة كورونا”.