بعد انتخاب نبيه بري للمرة السابعة.. ما دلالات استمرار إمساك قوى 8 آذار في لبنان بمنصبي رئيس البرلمان ونائبه؟
بيروت- فاز زعيم حركة أمل نبيه بري برئاسة مجلس النواب اللبناني، للمرة السابعة على التوالي منذ انتخابات عام 1992، كما فاز مرشح التيار الوطني الحر النائب إلياس بوصعب لأول مرة بمنصب نائب رئيس المجلس، ونال كلاهما 65 صوتا من أصل 128 في البرلمان.
وبتكريس حزب الله مع حلفائه قدرته على انتزاع النصف زائد واحد من أصوات النواب؛ يرى محللون أن البرلمان الجديد -الذي تشكل لأول مرة وفق قاعدة “لا أكثرية ولا أقلية”- أبقى الحزب قادرا على صوغ تحالفاته في إدارة الحكم.
في حين عجز خصومه -وفي طليعتهم حزب القوات وحلفاؤه- عن التوحّد لفرض خياراتهم، وهو ما تجلى مثلا في تصويت نواب حزب التقدمي الاشتراكي (بزعامة وليد جنبلاط) لبري وامتناع القوات عن ذلك.
من جهة ثانية، يرى آخرون أن الاختبار الأول للبرلمان الجديد غير كاف لقياس موازين القوى فيه، خاصة أن خصوم حزب الله -وضمنهم النواب المستقلون- بصدد صوغ تفاهماتهم التي تترصدها كثير من عقبات الرؤى السياسية والإستراتيجية والاقتصادية وحتى الأيديولوجية.
خريطة الأصوات
وبأدنى نسبة أصوات في تاريخ انتخابه، افتتح الرئيس بري ولايته بـ65 صوتا، مقابل 23 ورقة بيضاء، و40 ورقة ملغاة كانت ممهورة بشعارات كتبها نواب ضد خصومهم السياسيين وتطالب بالعدالة لضحايا انفجار مرفأ بيروت وللمودعين في البنوك، وللباحث السياسي لقمان سليم الذي اغتيل في فبراير/شباط 2021.
في حين، فاز مرشح التيار الوطني الحر بوصعب بالجولة الثانية لانتخاب نائب الرئيس بـ65 صوتا، مقابل منافسه النائب غسان سكاف المدعوم من الحزب الاشتراكي والقوات واللبنانية وبعض المستقلين، ونال 60 صوتا.
رمزية بري-بوصعب
في قراءة لدلالات أول استحقاق في البرلمان، يجد الأكاديمي والباحث في العلاقات الدولية علي فضل الله أن فوز حليفي حزب الله وحلفائه لم يكن مفاجئا، مذكرًا بأن الحزب لا يستسلم لفكرة الأكثرية والأقلية التي كان لا يملكها أيضًا في مجلسي 2005 و2009، “لكنه كان يفرض خطوطا حمراء يصعب على خصومه تجاوزها”.
وقال فضل الله للجزيرة نت إن فوز بري بوصفه مرشحا وحيدا للطائفة الشيعية -التي يملك حزب الله وحركة أمل كامل مقاعدها البرلمانية- تكريس لقوتهما التي توّجت أيضا بفوز مرشح التيار الوطني الحر (برئاسة جبران باسيل) بمنصب نائب الرئيس، أي أنه ذهب لأبرز وأول حليف مسيحي لحزب الله.
ويصف الكاتب والمحلل السياسي علي حمادة مركز نائب الرئيس بالمنصب “الفخري” الذي لا دور دستوريا مؤثرا له بحضور رئيس المجلس، بل يتلقى التوجيهات منه، “مما يعني أن المعركة عليه كانت رمزية سياسية لاختبار الأحجام والتوازنات والعين منها على رئاسة الجمهورية”.
ويضع حمادة انتخاب رئيس البرلمان ونائبه في إطار إثبات أن حزب الله الذي خسر الأكثرية عوّضها بتحصين صفوفه، فتحولت الأقلية المتماسكة إلى أكثرية فعلية، في حين أن الأكثرية المشتتة من خصوم الحزب تحولت إلى أقلية واقعية.
من جانبه، يرى المحلل السياسي أمين قمورية أن هذا الاستحقاق أنهى معادلة 14 آذار في وجه 8 آذار، نتيجة الانقسام الحاد بين القوات والحزب التقدمي الاشتراكي بمثل هذا الاستحقاق المفصلي، واختزال توافقهما في انتخاب نائب الرئيس عبر التصويت لسكاف، وهما يدركان أنه لن يتمكن من الفوز.
وقال قمورية للجزيرة نت إن “الأقلية لعبت دور الأكثرية بسبب حنكتها في نسج التفاهمات، خلافا لخصومهم، ومن ضمنهم معظم النواب التغييريين والمستقلين”.
الأبعاد السياسية
ويرى علي فضل الله أن انتخاب رئيس المجلس ونائبه ليس بأهمية الاستحقاقات القادمة والمتعلقة بالاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس جديد لتشكيل حكومة، وطرح الثقة بها في البرلمان قبل الذهاب إلى الاستحقاق المفصلي الأهم وهو انتخابات الرئاسة.
وهنا، يعتقد علي حمادة أن ما حصل اختبار لقدرة حزب الله في إدارة معركة ضمن المؤسسات بصورة ديمقراطية، وضبط إيقاع حلفائه واختراق الأكثرية المفترضة عبر جذب أصوات بعض المستقلين والتغييريين، ويقابلها “اختبار الأكثرية المفترضة التي فشلت نسبيا في إيصال مرشح لها”.
ومع ذلك، يجد حمادة أن أداء القوات كان مقبولا، “لأنها وجهت رسائل مسبقة للنواب التغييريين والمستقلين، واستجاب بعضهم بدعم سكاف، وهو ما يؤسس لاحتمال أن يشكلون معا جبهة سياسية في الاستحقاقات القادمة تصديا لما يفرضه حزب الله مع حلفائه”.
غير أن قمورية يجد أن القوات هي الخاسر الأبرز في الجولة الأولى بعد احتفائها بنصرها على التيار الوطني الحر في الشارع المسيحي بالانتخابات.
وقال إن “الكتل المناوئة لحزب الله غير مدركة لأحجامها وكيفية إدارة تحالفاتها، ولم تثبت جدارتها باللعب على نقاط القوة والضعف بما تقتضيه مصلحتها السياسية”.
ويرجح علي حمادة أن يطور حزب الله أساليبه بالعمل السياسي والجبهوي، وأن يضغط أكثر على حلفائه لتأمين التماسك، مقابل سعيه لصيد أصوات نواب من خارج صفوفه وجذبهم إلى جبهته في الاستحقاقات المقبلة.
ويذكر علي فضل الله أن وجود أكثرية سياسية في البرلمان معارضة لحزب الله لا تعني أكثرية معارضة للحزب وسلاحه كمقاوم ضد إسرائيل؛ وبالتالي “قد يستفيد الحزب من تقاطعه مع من هم في جبهات خصومه من المستقلين والتغييريين، في مسائل يتمحور حولها الصراع السياسي”.
استحقاقات قادمة
ويتحضر البرلمان الثلاثاء المقبل لاختبار ثانٍ يشتد حوله الصراع السياسي من خلال انتخاب اللجان النيابية. ويتألف المجلس من 16 لجنة تضم نوابه، ويجري توزيع رؤسائها ومقرريها بالتوازن العرفي بين الطوائف اللبنانية، وهذه اللجان هي المطبخ الفعلي لاقتراحات القوانين ومناقشتها، وكذلك المشاريع المحالة من الحكومة.
ويرفض علي حمادة التسرع بوصف المجلس -بصورته الحالية- بأنه تعطيلي، وإنما “هو قيد بلورة الأحجام والقوى والتحالفات”، مذكّرا بضياع المكون السني داخله (27 نائبا) تتصارع مختلف الكتل على جذب أصواتهم لصالحها.
ويستبعد المحللان علي فضل الله وأمين قمورية قدرة المجلس على صوغ تفاهمات لجهة تشكيل حكومة جديدة قبل انتخابات الرئاسة.
ويقول فضل الله “إن العاملين الخارجي والإقليمي يلعب دورا كبيرا في تشكيل الحكومة واختيار رئيسها، في حين لا تبشر المستجدات الإقليمية بأن لبنان أولوية على أجندة القوى المؤثرة فيها”.
ويعتقد قمورية أن تشكيل الحكومة أصبح بحكم المؤجل لما بعد انتخابات الرئاسة، وأن تكليف رئيس جديد قبل ذلك لا يعني قدرته على تأليف الحكومة.
اختبار الرئاسة
ويخشى كثيرون استئناف تجارب انتخابات الرئاسة ما بعد اتفاق الطائف (1990)، إذ لم يتمكن لبنان منذ ذلك الحين من انتخاب رئيس جديد بانتظام، وغلب طابع التمديد أو الفراغ الدستوري بين رئاستين.
ويعتقد الأكاديمي فضل الله أن ذلك قد يكون دافعا للتعاطي مع تشكيل حكومة جديدة كأولوية لإدارة المرحلة المقبلة، لأن اعتبارات انتخابات الرئاسة شديدة التعقيد وتجعل إنجازها في خطر، خاصة أن هذا الاستحقاق تترقبه بعناية القوى الإقليمية والغربية.
أما المحلل علي حمادة فيجد أن حزب الله يراكم قوته واختباراته التي قد تعزز فرصة فرضه هوية رئيس جهورية من حلفائه، مستفيدًا من الاضطرابات الخارجية والانشغال عن لبنان. ويذكر أن ما قدمه عهد الرئيس ميشال عون لحزب الله كان استثنائيا على مستوى تعميق وجوده بالدولة وتعزيز تأثيره على الحكومة.
وقال إن “اختبار الانتخابات البرلمانية ومن ثم انتخاب رئيس البرلمان ونائبه، قد يدفعان حزب الله لاحقًا لدعم مرشحه المسيحي الأقوى للرئاسة، أي جبران باسيل، كونه يستند إلى قاعدة شعبية واسعة رغم ضمورها، لكنها قد توفر غطاء شعبيا وتشريعيا وتنفيذيا له، لـ6 سنوات مقبلة”.