الاخبار العاجلةسياسة

على ضوء الغموض الذي يلف مصير بريغوجين.. هل قرر الكرملين فصل رأس فاغنر؟

موسكو ـ عاد ملف مجموعة “فاغنر” ومصير مؤسسها وقائدها، يفغيني بريغوجين، للبروز مجددا، بعدما بدا أن الصفقة التي قادها الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، لمعالجة التمرد الذي قامت به المجموعة وانتهى خلال ساعات قليلة، كانت كافية لطوي الملف، وبداية مستقبل جديد للمجموعة يحفظ لها دورها الوظيفي، ولكن خارج الجغرافية الروسية.

فقد نصت صفقة سريعة لاحتواء الموقف هندستها مينسك، على السماح لبريغوجين بالتوجه إلى بيلاروسيا، كمنفى، ومنح عناصر “فاغنر” خيار الانضمام إلى القوات المسلحة الروسية أو العودة إلى منازلهم، ولكن في الوقت ذاته، كان لافتا تضارب المعلومات بخصوص التهم الجنائية بحق بريغوجين، ومن كانوا على صلة بالتمرد.

فرغم أن إسقاط هذه التهم كان من بين البنود الرئيسية للاتفاق الذي رعاه لوكاشينكو، فإن أجهزة الأمن أكدت بعد يوم واحد فقط من الاتفاق، أن القضية الجنائية لم تغلق، وإنما “جمدت” فقط.

هذه الصيغة في توصيف الوضع القانوني الجديد لبريغوجين، كمتمرد، أبقت الأبواب مفتوحة أمام فرضية أن الملف لم يطو بعد، وأن المرحلة القادمة قد تتضمن عملية تلامس “تصفية الحسابات.”

أين بريغوجين؟

وجاءت تصريحات لوكاشينكو بأن بريغوجين ليس موجودا في بيلاروسيا بل في عاصمة الشمال الروسي، سان بطرسبورغ، لتزيد من الغموض حول مصير الشخص نفسه، وكذلك الاتفاق الذي أبرم معه لقاء إنهاء التمرد، وما إن كان هناك انقلاب أو تراجع قد طرأ على التفاهمات المذكورة.

ولم يكن لكلام الزعيم البيلاروسي إلا أن يبعثر كافة خطوط القضية، بحيث تعقد الوصول إلى خلاصة واضحة بخصوص مصير المجموعة وقائدها.

علاوة على ذلك، لم يمر يوم على تصريحات لوكاشينكو حتى كشف المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف أنه لا يملك معلومات عما إذا كان بريغوجين موجودا في روسيا، وأن الكرملين لا يتابع تحركاته.

ولا يستبعد مراقبون روس أن يكون نشر وسائل إعلام روسية، وبشكل مفاجئ، صورا لعملية تفتيش منزل بريغوجين في سان بطرسبورغ، وإظهار “مشاهد الترف” الحاضرة فيه بشكل ملحوظ، قد أتى بإيعاز من “جهات ما”، لإظهار ما يمكن أن يساهم في تقديم الشخص، الذي اعتبر لفترة ما بطلا قوميا غير معلن، كمنبوذ وملاحق.

بانتظار مرور العاصفة

يعتبر المحلل السياسي، ألكسي شابوفالوف، أن “لملمة” محاولة التمرد لا تلغي بأي حال من الأحوال إغلاق الملف، بل هي خطوة “اضطرارية” في لحظة تاريخية حرجة تطلبت الذهاب نحو أي خيار لا يدفع الأوضاع الداخلية نحو عواقب “موجعة”، تؤثر في الوقت ذاته على سير المعارك في أوكرانيا.

ويتابع شابوفالوف في حديث للجزيرة نت، أنه إلى جانب أن تصرفات بريغوجين لم تصب فقط في مصلحة كييف فحسب، بل وفي مصلحة “رعاتها” في واشنطن ولندن، بل إنها تسببت كذلك في “شماتة إعلامية” غربية، ومحاولة “استثمار” طرف تاريخي كاد يضيع كل الإنجازات الميدانية للقوات الروسية في أوكرانيا، فضلا عن المناطق التي انضمت إلى الجغرافيا الروسية.

اقرأ ايضاً
الذكرى العاشرة لإطلاق بيان لتأسيس "دولة الحقوق والمؤسسات" في السعودية

مرحلة انتقالية

ويضيف شابوفالوف أن القاعدة الدستورية التي تصنف تمرد بريغوجين كمحاولة انقلاب على النظام والدستور، وهو مالا يمكن “تصفيره” أيا تكن الصفقة التي وضعت.

من هنا، يخلص الخبير إلى أن القادم هو وضع النقاط على الحروف فيما يخص مصير بريغوجين، تمر من خلال “تفاهم هادئ”، يخرجه مرة واحدة وإلى الأبد من المشهدين السياسي والعسكري.

الكلمة الأخيرة

من جهته، يعتبر محلل الشؤون الأمنية، إيفان ستوباك، أن الكرملين لم يقرر بعد ما يجب فعله مع بريغوجين، مضيفا أن الكلمة الأخيرة ستكون للرئيس فلاديمير بوتين نفسه، بعد “تحليل معمق للمعلومات، ودراسة مستفيضة للموقف.

ويميل ستوباك إلى الاعتقاد بأن المرحلة المقبلة ستشهد عملية “فصل الرأس عن الجسم”، أي بريغوجين عن “فاغنر”، بحيث تترك له حرية ممارسة أعمال تجارية خاصة لا توفر له في الوقت ذاته فرصة الظهور مجددا في المشهد السياسي.

وحسب رأيه، فإن الأهم الآن في ملف بريغوجين ليس شخصه، بل مصير الشركة التي تراهن موسكو ومينسك على مهاراتها القتالية المحترفة وتجربتها الغنية في العمليات الخاصة الأكثر تعقيدا، وذلك بعد عملية إعادة هيكلة تقود إلى وضع “الشخص المناسب” على رأس الشركة.

على هذا الأساس، لا يرى ستوباك أية أهمية لمكان وجود بريغوجين حاليا، طالما وصلت الأمور إلى “تجريده من بطولاته، ومحوه من التاريخ”، وإظهار ما يملكه من جوازات سفر وسبائك ذهبية وشعر مستعار.

“فزاعة فاغنر”

وتشير ردود الفعل والتحركات الغربية إلى بدء مرحلة جديدة في الصراع الروسي مع الغرب، سيكون لمينسك دور أكبر فيه، فقد كان الرئيس البيلاروسي واضحا في حديثه أمام وسائل إعلام محلية وأجنبية عن رهانه على دور “الشركة” في المشهد الأمني العسكري في البلاد.

ولا يقتصر الأمر هنا على إحكام قبضة حليف موسكو على زمام السلطة بعد تعرضه لبوادر “ثورة برتقالية” دعمها الغرب قبل أن يحتويها بدعم روسي واضح.

بل إن نشر أسلحة نووية تكتيكية روسية في بيلاروسيا، وما تبعها من انتقال للجزء الأعظم من “فاغنر” إلى هناك، وقيام بولندا ردا على ذلك بتعزيز دورياتها على الحدود مع بيلاروسيا، وإعلان كل من لاتفيا وليتوانيا عن قلقهما من تمركز “فاغنر” في معسكرات داخل بيلاروسيا، توحي بإمكانية حصول توتر جديد من المرجح أن تلعب فيه “فاغنر” دورا مؤثرا، أيا يكون مصير مؤسسها.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى