الاخبار العاجلةسياسة

المعارضة تتهمه بالاستبداد.. من أين يستمد قيس سعيّد نفوذه؟

تونس- السؤال الأكثر إلحاحا في الملف التونسي الآن هو “من أين يستمد الرئيس التونسي قيس سعيّد نفوذه لتمرير مراسيمه وأوامره الرئاسية والتحكّم في مفاصل السلطات في ظل اتهام المعارضة له بالاستبداد؟”

فمنذ إجراءاته الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021 ما انفك سعيّد -وفق المعارضين- يستحوذ على السلطة بمراسيم مثيرة للجدل؛ ففرض أمرا واقعا بتجميد البرلمان وتعليق العمل بالدستور وتغيير تركيبة هيئة الانتخابات وتنقيح قانون المجلس الأعلى للقضاء وعزل القضاة.

ورغم تفاقم الأزمة المالية والشكوك حول إمكانية الاقتراض من صندوق النقد الدولي أو الأسواق العالمية وتصاعد الانتقادات في الداخل والخارج، يبقى قيس سعيّد الرقم الأول في المعادلة السياسية مستمرا في إعادة إنتاج السلطة وفق منظوره الخاص، غير مكترث لا بالمعارضة ولا بالأحزاب الداعمة له.

مؤيدون للرئيس قيس سعيد في مسيرة مساندة له وسط العاصمة تونس (الجزيرة)

إلى ماذا يستند سعيّد حسب مؤيديه؟

في الوضع الراهن يعتقد بدر الدين القمودي القيادي في حركة الشعب (أحد الأحزاب السياسية الداعمة لقيس سعيّد) أن الرئيس التونسي ما يزال يستمد مصدر قوته من الدعم الشعبي -حسب ما تؤكده نتائج استطلاعات الرأي- مقابل تقهقر صورة من كانوا في السلطة.

ويؤكد القمودي -النائب بالبرلمان المعلقة أعماله- للجزيرة نت أن سرّ هذا الدعم الشعبي يعود إلى النقمة على تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية طيلة العقد الماضي، حيث يرى أنصار الرئيس أن تجميع السلطات بيد “رجل نظيف” أفضل من تقاسمها بين “فاسدين”.

و”لا يجادل اثنان في أن رئيس الدولة رغم الأزمة التي تعيشها البلاد يستمد نفوذه من مشروعية شعبية تم التعبير عنها بالاحتجاجات الرافضة لمنظومة حكم ما قبل 25 يوليو/تموز”، كما يقول القمودي.

ويري القمودي أن البطالة والفقر والتضخم والمديونية المفرطة والسياسات الفاشلة والفساد كانت أسبابا رئيسية في صعود شعبية قيس سعيّد عقب إزاحته منظومة الحكم السابقة ورفع شعار المحاسبة والإصلاح.

ورغم سوء الأوضاع بعد 10 أشهر من إجراءات الرئيس، حسب تقديرات المراقبين، يقول القمودي إنه من الإجحاف تحميل سعيّد مسؤولية النتائج المترتبة عن الأزمة الراهنة التي تلف البلاد.

فقتامة الوضع ناتجة -حسب نظره- عن تراكمات الفترة السابقة، ولا يمكن القيام بإصلاحات تخرج البلاد من النفق المظلم بين ليلة وضحاها، مع استمرار تداعيات كوفيد-19 والحرب الأوكرانية.

ويرى القمودي أن 25 يوليو/تموز كان “لحظة مفصلية في تاريخ البلاد لتصحيح مسارها، معتبرا أنه ليس فقط محطة سياسية وقانونية، بل كان منعرجا اقتصاديا واجتماعيا لإعادة النظر في منوال التنمية وإصلاح مؤسسات الدولة ومحاسبة الفاسدين”.

وبقطع النظر عن نفوذه الشعبي، يستلهم سعيد قوته ممن وصفهم القمودي بأوفياء الوطن في مؤسسات الدولة الذين يعملون على حمايته ودعمه بشتى السبل، “مقابل أطراف نافذة في صلب الدولة تعمل على عرقلة مساره وتشويه صورته وضرب قوت الشعب بالاحتكار ورفع الأسعار والفساد”، وفق قوله.

كيف يستخدم سعيّد عزل القضاة لتثبيت حكمه؟

رغم الانتقادات الحادة بالداخل والخارج بشأن قرار الرئيس الأخير بعزل 57 قاضيا تحت شبهة الفساد، يتفهم القمودي قرار قيس سعيد من زاوية أن الجهاز القضائي “لم يضطلع” بدوره ضمن مسار 25 يوليو/تموز في المحاسبة والبت في ملفات الفساد وقضايا الإرهاب، ويحتاج للمراجعة.

لكنه شدد في الوقت ذاته على تمتع القضاة ممن تم وصمهم بالفساد بشروط المحاكمة العادلة، وتوجيه التهم إليهم وما يؤيدها من دون تلفيق.

اقرأ ايضاً
اتهمت أوكرانيا باستهدافها.. ماذا سيحدث إذا ضربت محطة سمولينسك النووية الروسية؟

وأثار قرار سعيد تنقيح قانون المجلس الأعلى للقضاء وعزل 57 قاضيا مع نشر أسمائهم في الجريدة الرسمية جدلا واسعا، وانقسم التونسيون بين مبارك للخطوة “لتطهير القضاء”، ومعارض لأنها تمثل “المسمار الأخير” الذي يدقّ في نعش استقلالية القضاء، حسب وصفهم.

ويرى جوهر بن مبارك عضو مبادرة “مواطنون ضد الانقلاب” المعارضة للرئيس قيس سعيد أن قراره الأخير بعزل 57 قاضيا جائر لأنه ينوي من خلاله السيطرة على مفاصل القضاء بشكل مباشر.

ويمضي بن مبارك قائلا للجزيرة نت “لقد نصّب قيس سعيد نفسه قاضي قضاة البلاد يعين ويعزل، ويحكم على القضاة بالشبهة وهذا مخالف للدستور والمعايير الدولية”.

 

 

كيف ينفّس سعيد الضغوط من حوله؟

يقول جوهر بن مبارك إن سعيد تمكّن من الاستفراد بالحكم مستفيدا من منصبه رئيسا للبلاد ومن مراسيمه الاستثنائية، لا سيما المرسوم (117) الذي استولى به على كل السلطات، والمرسوم الذي غيّر به تركيبة هيئة الانتخابات “لتزوير نتائجها”، والمرسوم (35) الذي “سيرهب به القضاة ويفتح موجة من الاعتقالات والقمع في حق خصومه”.

ويتوقع جوهر بن مبارك أن يطلق الرئيس حملة من الاعتقالات ضد خصومه لمغازلة أنصاره مع اقتراب موعد الاستفتاء على مشروع دستوره الجديد في 25 يوليو/تموز 2022، مؤكدا أن جزءا من أنصاره ينتظرون إيقافات ضد بعض الشخصيات؛ إما في حركة النهضة أو قوى معارضة مثل “مواطنون ضد الانقلاب” لدعمه.

ويرى أن حركة عزل القضاة ليست سوى تنفيس من قيس سعيد عن نفسه بعد رفض اتحاد الشغل وعمداء كليات الحقوق المشاركة في لجانه الاستشارية لإعداد دستور جديد وإعلان اتحاد الشغل (أكبر منظمة عمالية) الإضراب العام في الوظيفة العمومية يوم 16 يوليو/تموزالقادم.

ولكن بسبب مراسيمه الاستثنائية تزداد وضعية البلاد ترديا وتتفاقم عزلتها دوليا أكثر وتزداد حياة الناس مرارة مع تراجع الاقتصاد وارتفاع معدلات البطالة (16%) والفقر والغلاء وشح الأدوية والسلع، كما يقول.

الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي/العاصمة تونس/يناير/كانون الثاني 2019
الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي يقول إن سعيّد لم يتبق له سوى استعمال أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية (الجزيرة)

هل يستخدم قيس سعيّد أجهزة الدولة لتعزيز نفوذه؟

رغم إقراره بأن سعيد ما يزال يستمد نفوذه من حاضنة شعبية عاشت خيبة أمل بسبب أخطاء وتعثرات عاشتها البلاد خلال العشرية الماضية، يضيف جوهر بن مبارك أن الرئيس يشحن قوته من الأجهزة الصلبة في الدولة، مثل المؤسستين الأمنية والعسكرية، ناهيك عن بعض القوى السياسية.

وفي رأي الأمين العام للحزب الجمهوري المعارض عصام الشابي فإن قيس سعيد لم يعد له حاليا أي سند شعبي قوي في ظل انهيار الأوضاع نتيجة إجراءاته، ولم يتبق له سوى استعمال أجهزة الدولة بوصفه رئيسا. وقال للجزيرة نت إن “المؤسستين الأمنية والعسكرية تعملان مع قيس سعيد”.

ويعتقد الشابي أن المستقبل ما يزال بيد التونسيين الرافضين للمنطق الاستبدادي، وقال إن قوى معارضة على غرار التكتل وحزب العمال والحزب الجمهوري والتيار الديمقراطي والقطب ستشن حملة مقاطعة لإفشال الاستفتاء على الدستور الجديد نهاية الشهر القادم رفضا لجر البلاد إلى الاستبداد.

ما الوضع الذي تقف فيه تونس بعد إجراءات سعيّد؟

تجري تونس -التي تواجه صعوبات في سداد ديونها- نقاشات صعبة مع صندوق النقد للحصول على قرض جديد مقابل إصلاحات مكلفة، واجتماعيا تهدف إلى تعزيز مواردها. وشرعت الحكومة التونسية في رفع الدعم تدريجيا عن المحروقات، كما لجأت مرارا للاقتراض من البنوك المحلية لسد نفقاتها.

ونصّت وثيقة ميزانية 2022 التي نشرتها الحكومة نهاية العام الماضي، على السعي لاقتراض نحو 20 مليار دينار (نحو 7 مليارات دولار) لتغطية النفقات والاحتياجات النقدية. وتتوقع الحكومة التونسية أن يبلغ مستوى الدين العام 82.6% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 85.6% عام 2021.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى