ميديا بارت: فزاعة نتنياهو الغائب الحاضر.. بينيت لم يحقق في عام سوى الحفاظ على منصبه
قال موقع ميديا بارت (Mediapart) الفرنسي إن أهم مكسب حققه رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، بعد عام من تسلمه منصبه من سلفه بنيامين نتنياهو، عدا كونه خلص (الإسرائيليين) من حكم زعيم فاسد ومستبد وجشع، هو ربما كونه احتفظ بمنصبه في بيئة سياسية غير مستقرة للغاية.
وأشار الموقع -في تحليل لرينيه باكمان- إلى أن بينيت الذي يواصل رفض أي حوار مع جيرانه، يجد نفسه على رأس تحالف هش وغير متجانس من 8 أحزاب، لا يجمعه سوى الرغبة في التخلص من نتنياهو الذي ما زال يترصدهم، والخروج من المأزق السياسي الذي أجبر الناخبين على الذهاب إلى صناديق الاقتراع 4 مرات في غضون عامين.
وبغض النظر عن نتنياهو، عادت التناقضات والمنافسات والخلافات بين هذه التشكيلات وداخلها للظهور من جديد، في وقت ليس لدى بنيت فيه سوى دعم 60 نائبا من أصل 120 في الكنيست، مقابل 60 لدى المعارضة المتجمعة خلف نتنياهو، مما يعني انشغال رئيس الوزراء الدائم بمراقبة مزاج “أغلبيته” خشية الغياب المحتمل أثناء التصويتات المهمة، وخوف إغراءات الانضمام إلى المعارضة.
نتنياهو في الكمين
وضرب الكاتب مثالا على المخاطر التي يمثلها عدم تجانس وهشاشة الائتلاف الحاكم، بما حدث خلال التصويت على تجديد قانون النظام الاستثنائي الذي يحدد الوضع القانوني للضفة الغربية -التي قال بينيت إنه لا يوجد فيها احتلال إسرائيلي- الذي ينص منذ تبنيه عام 1967، ويجدد كل 5 سنوات، على أن المستوطنين المقيمين في الضفة الغربية يخضعون للقانون الإسرائيلي، في حين يخضع الفلسطينيون للقوانين والقواعد والمحاكم العسكرية، مما يعني نظام فصل عنصري، قبل نصف قرن من إقرار قانون الدولة القومية.
ففي هذا التصويت -كما يقول الكاتب- امتنع عدة نواب من ميرتس والإسلاميين المناهضين للاحتلال، بل إن بعضهم صوت ضد تجديد هذا القانون الذي “يضفي شرعية على الاحتلال ويقف ضد إنهاء الاستيطان في نظرهم، وبالتالي رفض تجديده بأغلبية 58 صوتا مقابل 52 وامتناع 10 نواب عن التصويت.
ويوضح الكاتب أن المعارضة، التي تدعم تاريخيا هذا الفصل العنصري القانوني الذي يستفيد منه ناخبوها، قررت بناءً على تعليمات نتنياهو، التصويت ضده لوضع بينيت مع الأقلية، أملا في تمهيد الطريق لانتخابات جديدة، ستكون الخامسة في ثلاث سنوات إن تمت.
وعليه، فإن رئيس الوزراء السابق لا يدخر وقتا ولا مالا، ولا حتى خيالا من مستشاريه عن محاولة إثارة النزاعات والاستفزاز والتهديد والضغط والوعود لجعل أعضاء الائتلاف الحكومي يغادرونه.
ومن المفارقات أن 3 من القادة الرئيسيين لكتلة التغيير التي استطاعت إخراج نتنياهو من السلطة، وهم بينيت وجدعون سار وأفيغادور ليبرمان، كانوا أعضاء في الليكود ووزراء أو مساعدين سابقين لنتنياهو، في وقت تأثر فيه المجتمع الإسرائيلي بشكل متزايد برجال الدين والمستوطنين الذين يفضلون ضم الأراضي المحتلة ويعارضون وجود دولة فلسطينية.
ولهذا السبب، دعا الرئيس السابق رؤوفين ريفلين رسميا، يائير لبيد -الذي شكل هذا الائتلاف- إلى تكوين ائتلاف حكومي، بعد 3 انتخابات تشريعية فاشلة في أقل من عامين، بداية مايو/أيار 2021، ولكن هذا الأخير اختار التنازل، لصالح بينيت في اتفاقيات نصت على تبادل الكراسي بينهما، مع نقل حقيبة الشؤون الخارجية إلى لبيد.
وتفسر هذه المساومة السياسية، التي تفرضها الاختلالات في جمهور الناخبين الذين استمر مركز ثقلهم في الانزلاق نحو اليمين مع مرور الوقت، الأسبقية التي حظي بها استمرار النهج السياسي الذي كان قائما، على التغيير الذي يشكل طموحات الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وبالتالي يوضح لماذا، طيلة العام الماضي، عمل بينيت وكأنه نتنياهو رغم غياب الأخير.
أولوية الاستيطان والضم
وأشار الكاتب إلى أن بينيت، العضو السابق بوحدة النخبة في القوات الخاصة الذي أصبح مليونيرا، أطلق العنان لطبيعته ومشاريعه السياسية الحقيقة، في علاقاته مع الفلسطينيين في إسرائيل والضفة الغربية وغزة، بعد أن دخل السياسة عام 2006 من خلال الانضمام إلى الليكود، حيث تولى منصب رئيس مجلس “يشا” المنظمة الرئيسية التي تمثل المستوطنين بالضفة ممن سيصبحون نواة ناخبيها.
وقد عارض بينيت، تلميذ نتنياهو الذي يمارس المحسوبية السياسية، حل الدولتين والمساواة في الحقوق بين اليهود وغيرهم في إسرائيل، وورث هذا المعادي لاستئناف الحوار مع السلطة الفلسطينية، عن صديقه السابق ومعلمه، إستراتيجية الخيار المسلح الراهن الذي يقوم على الفصل التام بين الشعبين، وسانده التفوق العسكري الإسرائيلي الساحق.
ويعمل بينيت كما لو أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مأساة علاقات إنسانية، ولذلك قرر تسليم 15 ألف تصريح عمل في إسرائيل للفلسطينيين من الضفة، وزيادة عدد التجار من القطاع المسموح لهم بدخول إسرائيل من 7 آلاف إلى 10 آلاف، وكأنه يقدم “إشارات حسن نية” تهدف إلى مساعدة الاقتصاد الفلسطيني على الخروج من حالة الركود، وتخفيف أعباء الحياة اليومية على سكان الأراضي المحتلة أو المحاصرة.
رهين ناخبيه وماضيه
غير أن الأمر -حسب الكاتب- لا يعدو كونه مسألة استغلال ضعف السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس لشراء صمتهم أو الحصول على تعاونهم، مع فتح خزان للعمالة الرخيصة لصناعة البناء الإسرائيلية التي كانت تخطط لتوظيف ما يصل إلى 80 ألف عامل فلسطيني للاستجابة لسوق الإسكان المزدهر.
ونبه الكاتب من كانوا يتصورون أن ممارسة السلطة من شأنها أن تجعل بينيت ينزلق تدريجا من اليمين إلى الوسط، إلى أن عليهم أن يفهموا أن بينيت رهين لناخبيه وماضيه داخل التيار الصهيوني الديني، وليس بقادر على كبح جماح الانجراف الديني للمؤسسات الإسرائيلية والنظام السياسي.
ومع ذلك نجح بينيت، باعتراف الجميع، لأول مرة منذ 4 سنوات، في تمرير الميزانية، وخفض البطالة وديون الدولة، وفي تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومصر والأردن، وافتتح، في أعقاب “اتفاقات إبراهام” التي اقترحها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لعزل إيران، ممثليات دبلوماسية لبلاده في الإمارات والبحرين والمغرب.