ماكرون في موقف محرج.. قضايا جنسية تطال سمعة وزير فرنسي بعد أيام من تعيينه
باريس– يعود شبح العنف والاعتداء الجنسي إلى الواجهة بالأوساط السياسية في فرنسا بعد نشر موقع “ميديا بارت” الاستقصائي شهادات تدين وزير التضامن داميان أباد بتهم اغتصاب أو محاولة اغتصاب 3 نساء.
ويتزامن هذا الجدل مع مرور بضعة أسابيع من ولاية الرئيس إيمانويل ماكرون الثانية، البالغة 5 سنوات، وبعد تعيينه لرئيسة الوزراء إليزابيث بورن في 20 مايو/أيار كأول امرأة تحصل على هذا المنصب بعد 30 عاما.
وفي الوقت الذي لا يزال فيه الطرف المعني ينفي بشدة التهم الموجهة إليه ويستنكر دوافعها “السياسية” تجد السلطة التنفيذية نفسها أمام قضية شائكة تعصف بها وفي مأزق محرج في سياق الانتخابات التشريعية التي تشهدها البلاد حاليا.
شهادات ضد الوزير
في اليوم التالي لتعيين أباد وزيرا للتضامن والحكم الذاتي وذوي الإعاقة، نشر موقع “ميديا بارت” شهادتي سيدتين اتهمتا الوزير الجديد باغتصابهما عامي 2010 و2011.
تقول أولى الضحايا، وهي ناشطة في حزب “الديمقراطيين الشباب” وتدعى مارغو، إنها عاشت علاقة جنسية اتسمت بـ “عدم الاحترام” في يناير/كانون الثاني 2011 حاولت إيقافها باستمرار. وقد رُفضت شكاوى مارغو التي قدمتها عامي 2012 و2017 بسبب “عدم وجود انتهاك خطير بدرجة كافية” وفق ما أكده مكتب المدعي العام في باريس.
وشهدت المرأة الثانية على الوزير المعين المشتبه فيه بأنه حاول “تخديرها” خريف 2010 عندما التقت به في حانة. وتدعي لموقع “ميديا بارت” أنها استيقظت صباح اليوم التالي في غرفة أحد الفنادق بالقرب من الحانة وهي “في حالة من الصدمة والاشمئزاز العميق”.
وفي ظل الضجة الكبيرة التي رافقت انتشار هذه الأخبار بوسائل الإعلام، نشر الموقع الاستقصائي شهادة سيدة ثالثة يوم الثلاثاء تتهم فيها أباد، المنتخب حديثا كعضو بالبرلمان الأوروبي آنذاك، بمحاولة اغتصابها خلال حفل في منزله بالحي اللاتيني في العاصمة خلال النصف الأول من عام 2010. يذكر أن شهادات 8 أشخاص دعمت قصة هذه المرأة.
حكومة محرَجة
وكأن التاريخ يعيد نفسه، وجد الرئيس نفسه في موقف المدافع عن مشكلة تتعلق بحقوق المرأة بعد شهر واحد فقط من إعادة انتخابه، خاصة بعد أن أعلن في حملته الرئاسية التزامه بجعل المساواة بين الجنسين “القضية الكبرى لولايته الجديدة”.
ويقول المحلل السياسي باتريك فورستيه للجزيرة نت إن المفارقة الآن تكمن في تمكن وزير التضامن المتهم بالاغتصاب بالقيام بمهامه السياسية حاله كحال باقي الوزراء الآخرين المرشحين للانتخابات التشريعية. فقد أكد الإليزيه سابقا أن أعضاء الحكومة الذين قرروا الخضوع للتصويت لن يتمكنوا من الاحتفاظ بمناصبهم إلا إذا تم انتخابهم في دوائرهم الانتخابية.
وهو ما أكده الوزير أباد بنفسه، الثلاثاء، معتبرا أن الاستطلاعات ستكون القاضي الحاسم الذي سيظهر قدرته على الاحتفاظ بثقة الفرنسيين.
وجدير بالذكر أن أباد راهن في حملته على وجوده المحلي في دائرة العين الخامسة، وهي إستراتيجية آتت ثمارها على ما يبدو إذ حصل على المركز الأول بنسبة 33% من الأصوات بالجولة الأولى من هذه الانتخابات، الأحد 12 يونيو/حزيران.
وأمام الزخم الإعلامي الكبير الذي يرافق هذه القضية، علقت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، أثناء حملتها الانتخابية في كالفادوس الأربعاء، قائلة “أنا لست قاضية، والتحقيقات لا تتم بشهادات مجهولة” داعية السيدات اللاتي يتهمن أباد بارتكاب أعمال عنف جنسي لاتخاذ التدابير القانونية اللازمة.
وفي مناسبة أخرى، أصرت بورن على أن “المحاكم فقط هي التي تملك واجب أو سلطة اتخاذ القرار”، بعبارة أخرى ليست وسائل الإعلام أو الرأي العام.
مطالبات باستقالة الوزير
بعد كشف موقع “ميديا بارت” شهادات الضحايا، سارعت العديد من الجهات الحقوقية وجمعيات الدفاع عن النساء والأحزاب المعارضة إلى مطالبة الحكومة الفرنسية بالتدخل والضغط على الوزير لتقديم استقالته.
وكان سكرتير الحزب الاشتراكي أوليفييه فور أول من طالب باستقالة أباد قائلا “الأمور واضحة وتستدعي الشرح، لا يمكننا إعادة إحياء ما عشناه في قضية هولو” في إشارة إلى قضية أعمال اغتصاب واعتداء جنسي طالت وزير التحول البيئي السابق نيكولا هولو.
وأشارت الناشطة النسوية كارولين دي هاس، في حوار مع الجزيرة نت، إلى أن طرد أباد من الحكومة أصبح أمرا ضروريا. وتابعت بالقول “يمكن اتخاذ هذا القرار بشكل واضح ومباشر عندما يكون الوزير متورطا في جرائم مشابهة”.
من جهته، دعا معهد الأبحاث الفرنسي حول العنف الجنسي في السياسة، المكون من سياسيين يساريين منتخبين ساعدوا في الكشف عن القضية، إلى استقالة الوزير وتنظيم مظاهرات ضد “حكومة العار” بعد 3 أيام فقط من إعلان تشكيل الحكومة الجديدة.
وخلال جولة لماكرون في جيلاك الخميس 9 يونيو/حزيران، انفجرت مواطنة شابة أمام رئيس الجمهورية “لماذا تضع على رأس الدولة رجالا متهمين بالاغتصاب والعنف ضد المرأة؟”.
وأجابها قائلا “سأواصل مرافقة وحماية حرية التعبير، في نفس الوقت يحب أن يكون لديك قرينة البراءة للعمل في المجتمع” مما جعل البعض يصفه بـ “الكاذب” و”المقيت” قبل أن يواصل رئيس الدولة مصافحته الحضور بتعابير جامدة.
قصص مشابهة
يقول المحلل السياسي باتريك فورستيه، للجزيرة نت، إن السجل التشريعي الذي يتعلق بالمساواة بين الجنسين بحكومة ماكرون يبقى بعيدا كل البعد عن تحقيق كل التوقعات التي أثيرت منذ انتخابه رئيسا للجمهورية عام 2017.
ولا تعتبر هذه المرة الأولى التي يرتبط فيها اسم أحد الوزراء بالاعتداءات الجنسية، فقد تم تعيين إيريك دوبون موريتي وزيرا للعدل وحصل جيرالد دارمانان وزير الحسابات العامة بحكومة إدوارد فيليب على حقيبة الداخلية في حكومة جان كستكس عام 2020، على الرغم من التحقيق الجاري بحقهما بتهمة الاغتصاب.
ويضيف الكاتب الفرنسي أن مسألة إبقاء الوزراء في مناصبهم، على الرغم من اتهامات الاغتصاب التي تطالهم خلال عملهم السياسي، ستكون لها تداعيات سلبية جدا على الرأي العام وقد تؤدي إلى فقدان الثقة في السياسيين.
وأشار إلى أن ماكرون لم يتخلّ من قبل عن أحد وزرائه لمجرد الاشتباه بارتكاب جريمة اغتصاب، خاصة وأنه لم يُفتح تحقيق حتى الآن حول أباد لعدم وجود عناصر تسمح بالتعرف على الضحايا.