الاخبار العاجلةسياسة

اختتمتا محادثات مثيرة للجدل.. ما جذور الصراع بين إسلام آباد وطالبان الباكستانية؟

إسلام آباد- أعادت المحادثات بين حكومة إسلام آباد وحركة طالبان الباكستانية الجدل مجددا حول الخلافات بين الطرفين وطبيعة الصراع بينهما، بعد تصريح المتحدث باسم حركة طالبان الأفغانية ونائب وزير الإعلام والثقافة هناك، ذبيح الله مجاهد، الأحد الماضي، بأن هذه المحادثات قد اختتمت في كابل قبل يومين.

وفي حين لم تصدر الحكومة الباكستانية أي تصريحات عن هذه المحادثات، أفادت صحيفة “ذا تريبيون” المحلية -نقلا عن مسؤولين مطّلعين في إسلام آباد- أن المحادثات بين حكومتهم وطالبان باكستان لم تنتهِ بعد؛ لأن الجانبين لم يتوصلا إلى أرضية مشتركة بشأن القضايا الرئيسية. وأشارت الصحيفة إلى أن مجلس الأمن القومي الباكستاني يناقش التقدم المحرز في المحادثات.

ويأتي ذلك في ظل خلاف واسع بين النخب السياسية ودوائر صنع القرار في باكستان حول المحادثات مع طالبان (فرع بلادهم)، إذ تطالب بعض الأحزاب السياسية بتمرير القرارات المتعلقة بمحاربة الإرهاب من خلال البرلمان. في وقت أثارت فيه بعض مطالب الحركة، مثل التقسيمات الجغرافية لبعض المناطق، تساؤلات حول طبيعة الصراع بينها وبين الحكومة.

صورة بيت الله محسود/ Baitullah Mehsud - الموسوعة
بيت الله محسود الزعيم الذي ينسب إليه تأسيس طالبان باكستان بشكلها الحالي (الفرنسية)

الجذور التأسيسية

تعد طالبان الباكستانية، التي تسمى محليا “تحريك طالبان باكستان”، أو ما تعرف اختصارا بـ”تي تي بي” (TTP)، أكبر الحركات والجماعات المسلحة التي تناهض الدولة الباكستانية، بعد أن نفذت أكثر الهجمات عنفا ودموية في تاريخ البلاد، وأبرزها الهجوم على مدرسة تابعة للجيش في بيشاور عام 2014، راح ضحيته عددا كبيرا من الطلاب والمعلمين.

وبدأ صعودها من تحوّل مؤيدي طالبان الأفغانية والمتعاطفين معها إلى قوة سائدة في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفدرالية الباكستانية، عندما بدأت العديد من الجماعات المتشددة الصغيرة التي تعمل بشكل مستقل في المنطقة التواصل مع بعضها بعضا.

وبذلك، أصبحت طالبان تكتلاً يضم أكثر من 40 فصيلا إسلاميا إلى جانب مقاتلين من القبائل البشتونية في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفدرالية الباكستانية وإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي البلاد.

وتتميز طالبان الباكستانية، وفقا لمركز ستانفورد للأمن الدولي والتعاون، بالتنوع العرقي من مسلحين عرب وأوزبك وأفغان وشيشان وبنجابيين، بالإضافة إلى غالبية من البشتون.

وكانت الانطلاقة الرسمية لطالبان الباكستانية بشكلها الحالي عام 2007، على يد مؤسسها الأول بيت الله محسود في جنوب وزيرستان (شمال غرب)، لترسم ملامح صراع جديد في باكستان، وبشكل خاص في المناطق القبلية المحاذية لأفغانستان.

جذور الصراع مع باكستان

في عام 2001 إبّان الغزو الأميركي لأفغانستان، وقبل التشكيل الرسمي لطالبان الباكستانية، عملت العديد من المجموعات المسلحة -التي تعد جزءا من الحركة الآن- بشكل مستقل في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية، وكانت أغلب تلك العمليات لدعم طالبان الأفغانية.

في عام 2002، مع دخول القوات الباكستانية للمناطق القبلية لكبح الجماعات المسلحة الفارة من أفغانستان، ضمن ما وصفت بـ”الجهود المشتركة مع الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب”، أصبحت هذه القوات ضمن دائرة الاستهداف بالنسبة للمقاتلين في تلك المناطق.

لكن التحول الحقيقي في الصراع، الذي نتج عنه الإعلان الرسمي عن تشكيل حركة طالبان الباكستانية، كان بسبب أحداث المسجد الأحمر “لال مسجد” بإسلام آباد يوليو/تموز 2007.

وشهد المسجد حينها اشتباكات بين قوات الأمن الباكستانية والعشرات من مؤيدي الجماعات الإسلامية الذين تحصنوا به، قبل أن تقتحم هذه القوات المسجد وتنتهي العملية بمقتل زعيم المتحصنين داخله، عبد الرشيد غازي، ونحو 56 من رفاقه واستسلام الباقين.

ووفقا للدبلوماسي السابق ورئيس مركز إسلام آباد للدراسات السياسية، جاويد حفيظ، فإن أحداث المسجد الأحمر كانت “القشة التي قصمت ظهر البعير”، والتي نتج عنها تشكيل طالبان الباكستانية وشن هجمات واسعة النطاق ضد القوات الباكستانية.

ومن المفارقات، أن الحكومة الباكستانية اعترفت بحركة طالبان في بداية تأسيسها، لكنها أعادت حظرها في أغسطس/آب 2008، وجمّدت جميع الحسابات والأصول المرتبطة بها، كما وضعت مكافآت للقبض على قياداتها البارزة، وفقا لمركز ستانفورد.

علاقات قوية مع طالبان الأفغانية

دعمت المجموعات المسلحة التي كانت نواة الحركة الباكستانية قتال طالبان الأفغانية ضد عمليات التحالف في أفغانستان من خلال توفير المقاتلين والدعم اللوجستي.

ووفقا لمركز ستانفورد، ففي أواخر 2008 وأوائل 2009، التقى زعيم القاعدة أسامة بن لادن وزعيم طالبان الأفغانية المُلا عمر بقيادة طالبان الباكستانية، واتفقوا على محاربة التحالف بقيادة الولايات المتحدة. وعام 2009، شنت طالبان الباكستانية هجوما على قاعدة أميركية في أفغانستان.

ويقول المحلل السياسي طاهر خان إن طالبان الباكستانية تعد زعيم حركة طالبان الأفغانية أميرا لها وأظهرت الولاء له. وصرح وزير داخلية حكومة طالبان الأفغانية، سراج الدين حقاني، علانية في كابل في الأول من يونيو/حزيران الجاري أن كلاهما قاتل معا القوات الأجنبية. وأضاف -في حديث للجزيرة نت- أن قيادات طالبان الباكستانية يعاملون كضيوف في أفغانستان.

ويقول الخبير في الحركات الإسلامية سيف الله خالد إن الحركة الباكستانية لا تخضع لقيادة طالبان الأفغانية مباشرة، لكن يمكن القول إنهم حلفاء وتربطهم علاقات قوية، وهذا يعطي لطالبان الأفغانية القدرة على الضغط عليهم.

كما أن سيطرة طالبان الأفغانية على الحكم في كابل، أثار جدلاً حول تأثيرها على الحركة الباكستانية؛ وفي هذا يقول طاهر خان إن سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان شكلت عاملا محفزا لطالبان الباكستانية، وأصبحت تحركاتها سهلة بين باكستان وأفغانستان، من دون خوف من ضربات الطائرات الأميركية.

ويدعم ذلك جاويد حفيظ الذي قال إن اتفاق الدوحة (بين طالبان الأفغانية والولايات المتحدة) عام 2020، شجع الحركتين الأفغانية والباكستانية.

السفير الباكستاني المتقاعد جاويد حفيظ يرى أن الصين تعيد النظر في سياستها الخارجية.
جاويد حفيظ الصراع بين الحكومة وطالبان الباكستانية قائم على أساس عرقي وأيديولوجي (الجزيرة)

جذور أيديولوجية مدعومة بالنزعة العرقية

يعتقد الديبلوماسي السابق جاويد حفيظ أن الصراع مع الحكومة الباكستانية قائم على الأساسين الأيديولوجي (عقائدي) والعرقي، ويقول -في حديثه للجزيرة نت- ” لو نظرنا إلى جذور طالبان الباكستانية، فهم الجيل الثاني من مقاتلي المدارس الدينية الذين بدؤوا العمل في أثناء الغزو السوفياتي لأفغانستان”.

ولكن مع مرور الوقت، يقول حفيظ، أصبح الصراع عرقيا قبليا، لأن أكثرية أعضاء ومقاتلي الحركة من البشتون في منطقة القبائل، ولأن الصراع قام بعد ذلك لإخراج القوات الباكستانية من هذه المنطقة.

في حين يقول طاهر خان إنه على الرغم من خلفية المجموعة العرقية البشتونية، فإنه يمكن اعتبارها كيانا أيديولوجيا واحدا. ونظرا لأن معظم مقاتلي طالبان باكستان ينتمون إلى المناطق القبلية، فإنهم يحاولون استغلال الوضع وكسب تعاطف الأشخاص الذين لا يفضلون اندماج المناطق القبلية مع إقليم خيبر بختونخوا، بدعوى أن الاندماج كان ضد الحكم الذاتي.

بينما يرى سيف الله خالد وجها آخر لهذا الصراع، ويقول -في حديث مع الجزيرة نت- إن الصراع في بدايته كان أيديولوجيا قائما على التعاطف الديني من سكان القبائل مع طالبان الأفغانية، وما زاد من التعاطف معها وليس مع الجيش الباكستاني اتخاذ حكومة برويز مشرف إجراءات ضد الداعمين لطالبان الأفغانية.

ويقول خالد إنه مع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، “تلاشى السبب الأيديولوجي الذي كان مجرد ذريعة”، وأصبح الصراع الآن عبارة عن حالة من “اقتصاد الحرب”، و”حرب انتقامية” إلى حد ما.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى