الاخبار العاجلةسياسة

بالأرقام والمعلومات.. هكذا تضيّق إسرائيل عيش الفلسطينيين في “قرى التماس” بالضفة الغربية

نابلس- على طول 45 كيلومترا وبارتفاع 9 أمتار، بدأ الاحتلال الإسرائيلي أمس الأربعاء بناء جدار خرساني ضخم حول منطقة “سالم” القريبة من مدينة جنين شمال الضفة الغربية، وزوّده بمعدات حماية وتكنولوجيا المراقبة الحديثة. ويقول إنه “عائق أمني” لمنع دخول الفلسطينيين “بالتهريب” إلى داخل “إسرائيل”.

وبهذا الجدار، ستنضم بقية أراضي سالم -التي يُقام على أراضيها المعزولة داخل الأراضي المحتلة عام 1948 واحد من أكبر المعسكرات الإسرائيلية- إلى عشرات المناطق والقرى الفلسطينية التي حولها جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى بلدات معزولة عن محيطها في الضفة الغربية، وتسبب في سياسات طرد وتهجير تحت الضغط المعيشي لسكانها.

IMG 20220622 WA0173
جدار أسمنتي يحيط بسياج عازل بدأ الاحتلال الإسرائيلي بإقامته لعزل المزيد من أراضي قرية سالم غربي جنين (مواقع التواصل)

الجدار.. كنتونات معزولة

  • ترصد المؤسسات الفلسطينية 190 قرية وبلدة وتجمعا سكانيا يعزلها ويؤثر عليها جدار الضم والتوسع الإسرائيلي، بينها 40 تجمعا معزولة بالكامل، وتُعرف بـ”قرى التماس” مع “الخط الأخضر” (خط الهدنة الفاصل بين حدود فلسطين المحتلة عام 1948 والمناطق المحتلة عام 1967).
  • تٌقدّر مساحة ما عزلته إسرائيل وتخطط لعزله وضمه عبر جدارها العنصري بـ560 ألف دونم (الدونم= ألف متر مربع) من أراضي الضفة الغربية المقدرة بـ5654 كيلومترا مربعا، والتي تساوي 22% من مساحة فلسطين التاريخية.
  • في يونيو/حزيران 2002 شرعت إسرائيل ببناء جدار الضم والتوسع العنصري، حيث يمتد من شمال الضفة الغربية لجنوبها، وأقيم منه 443 كيلومترا مربعا من أصل أكثر من 715 كيلومترا يخطط الاحتلال لبنائها، واتخذ شكل “الأفعى المتعرجة”، وهو يقضم الكم الأكبر من الأرض. ويمتد بين مساحات تضيق إلى 60 مترا وتتسع إلى 150 مترا في محيطه من الجانبين، وبارتفاع يصل إلى 9 أمتار من الأسمنت. بينما يتخذ في بعض المناطق شكل السياج الإلكتروني الشائك الذي يجري الاستغناء عنه بالبناء الأسمنتي لاحقا.
  • ويمتد الجدار حول البلدات والقرى المعزولة، بمسافات مختلفة؛ فحول القدس وضواحيها يصل امتداده إلى 96 كيلومترا، وفي الخليل 64 كيلومترا، وبيت لحم 25 كيلومترا، ورام الله بنحو 9 كيلومترات وفي سلفيت 27 كيلومترا، وفي قلقيلية وطولكرم وجنين يمتد على مسافة 58 كيلومترا لكل منطقة، حيث تقع هذه المناطق على خطوط التماس مع الخط الأخضر.
  • في أريحا، جنوب شرق الضفة، لم يبنِ الاحتلال الجدار، لكنه قطعها بشبكة عميقة من الطرق الالتفافية المخصصة للمستوطنين والتي حولتها لمدينة معزولة. وهناك أيضا صادر 140 كيلومترا مربعا من المياه الإقليمية بالبحر الميت، وسيطر على 160 كيلومترا من الحدود الفلسطينية مع الأردن.

وتعكس هذه الأرقام -وفق قاسم عواد، خبير الاستيطان ومسؤول التوثيق سابقا بهيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية (تابعة للسلطة الفلسطينية)- “المشروعَ الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس، والذي تقوم مراحله على عزل كل محافظة على الأخرى، بل وعزل كل محافظة عن قراها وبلداتها”.

%D9%A1%D9%A0
جدار إلكتروني يحيط بأراضي قرية “ظهر المالح” قرب مدينة جنين شمال الضفة الغربية (الجزيرة)

سجن داخل سجن

إلى الغرب من مدينة جنين، تعيش قرية “ظهر المالح” هذا الواقع تماما، فمعاناتها مضاعفة بفعل الجدار والاستيطان المحيط بها، وتنتظر الأصعب بعد أن صادر الاحتلال ثلثي أراضيها المقدرة بـ1020 دونما. ودفع 400 من سكانها للسكن في أقل من 60 دونما.

وتحاصر القرية 4 مستعمرات إسرائيلية يقطنها نحو 3 آلاف مستوطن، وهي “شاكيد وحنانيت وريحان وتل منشي”، إضافة لمعسكر لجيش الاحتلال ومدرسة للمستوطنين، وكلها مجتمعة -إضافة للجدار- تحاصر القرية وتصادر مئات الدونمات منها.

وحولها ينشر الاحتلال حواجزه العسكرية كحاجزي “طورة” و”برطعة” اللذين يزيدان حصار القرية، لا سيما بتقييد وقت دخول المواطنين وخروجهم من السابعة صباحا وحتى التاسعة مساء، وعبر تصاريح خاصة يجددها الاحتلال مرة كل 4 سنوات.

وبالكاد يتلقى أهالي ظهر المالح الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء، أما المدرسة فكانت حلما آخرا تحقق قبل 3 سنوات وضمت 7 صفوف فقط، ويضطر تلاميذها لإكمال دراستهم في القرى المجاورة.

يقول عمر الخطيب المسؤول السابق في المجلس القروي لـ”ظهر المالح” إنهم يدفعون يوميا ضريبة وجودهم هنا، ليس من أرضهم فحسب؛ بل من حريتهم وأبسط حقوقهم الحياتية، وبعزلهم عن محيطهم الفلسطيني والحد من تواصلهم الاجتماعي.

ويحدد الاحتلال في هذه القرية مستلزمات الأهالي من الطعام والشراب، فهم ممنوعون من إدخال صندوق كامل من الخضار أو الفاكهة، ويحدد ذلك بالكيلوات فقط، وحتى نقل أجهزتهم المنزلية كالثلاجة مثلا يتطلب التنسيق المسبق “وقد يستغرق ذلك شهرا كاملا”.

وكل هذه الإجراءات أدت بعشرات السكان من ظهر المالح للبناء والعيش خارجها هربا من منغصات الاحتلال اليومية. وفي الأعوام الأخير لجأت أكثر من 40 عائلة للبناء خارج القرية.

الاستيطان.. ويل آخر

ولا تستهدف الاحتلال “قرى التماس” بالجدار الذي يهدد بقاءها ويحيط بها من الغرب فقط، بل يزيد الاستيطان أيضا -من الشرق باتجاه عمق الضفة الغربية- من حصارها وتضييق مساحاتها.

ويسعى الاحتلال إلى تحويل الضفة لثكنة عسكرية ومجموعة من المعازل غير المتواصلة جغرافيا وتتصل عبر شبكة أنفاق وجسور خاضعة بالكامل لسلطته.

وهذا التقسيم قائم عبر أكثر من 500 موقع احتلالي عسكري واستيطاني على الأراضي المحتلة عام 1967، ومنها 165 بؤرة استيطانية (نواة مستوطنة) و177 مستوطنة قائمة، إضافة إلى 94 معسكرا للجيش الإسرائيلي و700 حاجز عسكري و60 بوابة تخترق الجدار. ويخدم هذا الواقع 700 ألف مستوطن ينتشرون بالضفة الغربية وشرقي القدس.

ومثل “ظهر المالح” تواجه تجمعات “عرب أبو فردة” و”عرب الرماضين” التي يعيش بها 800 فلسطيني قرب مدينة قلقيلية شمال الضفة، خطر الترحيل ليس بعزلها خلف الجدار، وإنما بمصادرة أراضيها لصالح مستعمرة “ألفيه منشيه” التي يقطنها ألفا مستوطن يجثمون على أراضٍ تساوي نفس المساحة التي يعيش عليها أكثر من 60 ألف فلسطيني هم سكان مدينة قلقيلية.

وفي الجنوب، تواجه 17 قرية محيطة بالقدس شرقا وشمالا؛ المصيرَ ذاته من العزل والحصار خلف الجدار، ويضيق الاحتلال الخناق على 70 ألف نسمة يعيشون فيها بإجراءاته العسكرية.

%D9%A1%D9%A1
فلسطينيون يمرون عبر حواجز وبوابات عسكرية للوصول إلى أراضيهم (الجزيرة)

طرد قسري

وفي المناطق التي تعزلها إسرائيل عبر الجدار وتشل حركة أهلها كما هو الحال “بقرى التماس”، يستند الاحتلال إلى قوانين بعضها من العهد العثماني، لا سيما قانون “الأرض البور”؛ ليصادرها بذريعة عدم استصلاحها، بعد أن منع أصحابها لسنوات من الوصول إليها وفلاحتها أو البناء عليها.

ويقول الخبير قاسم عواد “بالسيطرة الأمنية على مجمل الأراضي بالضفة الغربية يفقد الفلسطيني حرية التنقل والسيطرة على الموارد الاقتصادية الضرورية للنمو الديموغرافي، فبدلا من عمل مشروع زراعي على أرض مساحتها 200 دونم يبحث الإنسان هنا عن مساحة ضيقة يقيم فيها بيتا عموديا له ولأبنائه”. ويضيف “كل هذه عوامل طاردة وقسرية فرضها الاحتلال لدفع الفلسطينيين للرحيل عن أرضهم”.

وتهدف إسرائيل لتهجير السكان عبر تطويق القرى والمناطق وعزلها عن محيطها الفلسطيني من الجانبين (داخل فلسطين المحتلة عام 1948 والضفة الغربية) لتسهيل ضم أراضيها إليها ولمشاريعها الاستيطانية، فضلا عن أنها تستحوذ بذلك على مناطق إستراتيجية سواء من حيث المواقع الجغرافية أو بما تحويه من ثروات طبيعية ضخمة وأهمها الأحواض المائية المنتشرة على طول الجدار غربي الضفة المحتلة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى