أجواء الاستفتاء في تونس.. إقبال ضعيف وسط مقاطعة ملحوظة
تونس- لم تشهد مراكز الاقتراع في تونس خلال عملية الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد إقبالا مكثفا من كتلة الناخبين الذين يحق لهم التصويت والبالغة أكثر من 9 ملايين ناخب، في ظل دعوات المعارضة لمقاطعة الاستفتاء.
ومنذ ساعات الصباح تجولت الجزيرة نت في 6 مراكز اقتراع مختلفة بمناطق متاخمة للعاصمة، ورصدت إقبالا ضعيفا خصوصا لدى الشباب مقابل إقبال أكبر من الكهول وكبار السن، ولاحظت مقاطعة من الناخبين الرافضين لمشروع الدستور.
وبدت شوارع العاصمة تونس شبه خالية من الناس والعربات، نظرا لتزامن موعد الاستفتاء يوم 25 يوليو/تموز الجاري مع ذكرى الاحتفال بعيد الجمهورية، وهو يوم عطلة في تونس.
ورغم ارتفاع درجات الحرارة فقد ظهرت أحيانا في بعض مراكز الاقتراع المحروسة من قبل الأمن والجيش طوابير قصيرة من الناخبين.
نقمة على الأحزاب
بزيها التقليدي المزركش قدمت المسنة زينة العوني برفقة ابنتها حليمة للإدلاء بصوتها في الاستفتاء على مشروع الدستور الذي يحتوي على أكثر من 140 فصلا.
تقول العوني للجزيرة نت إن همها الوحيد هو الحصول على بطاقة صحية تسمح لها بالعلاج والدواء مجانا ضد مرض في عينيها، وهذا ما جعلها تصوت لصالح مشروع دستور بنوده متشعبة ومعقدة على امرأة في وضعها.
ورغم بلوغها عقدها الثامن تقتات الأرملة العوني من جمع القوارير البلاستيكية من الشوارع لتبيعها مقابل بضعة دنانير، وتقول إنها رغم استقطابها من ممثلي الأحزاب بعد ثورة 2011 للتصويت لصالحهم مقابل تحسين وضعها فإنهم أداروا لها ظهرهم، ولم تجنِ من التصويت لهم “سوى الخراب والفقر”.
وتشاطرها ابنتها حليمة الرأي بسبب ما تعانيه من ظروف اجتماعية قاسية، فهي أم لطفل وتعيش في غرفة واحدة بمسكن آيل للسقوط بأحد الأحياء الفقيرة المتاخمة لقلب العاصمة، وتقول للجزيرة نت إن ما يدفعها أيضا للتصويت بنعم لمشروع الدستور هو نقمتها على الأحزاب والساسة.
ولم تفلح حليمة رغم طرقها أبواب المسؤولين من مختلف الحكومات المتعاقبة في العثور على عمل أو منحة أو مساعدة تعيد لها بريق الأمل في بلد يعيش غلاء متدحرجا ككرة ثلج.
وتعتبر حليمة الرئيس قيس سعيد “منقذا للبلاد من شر الأحزاب التي كانت تتناحر على الكراسي ومصالحها”.
من جانبه، صوّت الستيني منجي العراكي لصالح مشروع الدستور الجديد في مركز اقتراع بحي الخضراء أحد الأحياء الشعبية بالعاصمة، وقال بابتسامة عريضة “أصوت بنعم مغمض العينين، لأن الدستور الجديد هو الخلاص الوحيد للبلاد من عصابة الأحزاب”.
ويعارض منجي النظام البرلماني الذي كرسه دستور 2014، وبالنسبة له كان نظاما عقيما خلق الأزمات بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة، وقال إن “هذا النظام البرلماني هو من صنيع حركة النهضة الإسلامية التي سعت من خلاله للتغلغل في السلطة خدمة لمصالحها الضيقة بدلا من خدمة الشعب”، على حد تعبيره.
جدوى المقاطعة
ولم يكن من السهل العثور على ناخب جاء للتصويت بلا في الاستفتاء على مشروع الدستور، بالنظر إلى حجم المقاطعة الواسعة من القوى المعارضة، لكن الجزيرة نت تمكنت من التحدث بصعوبة مع أستاذ جامعي (أ. ز) رفض الكشف عن هويته خشية أي تتبع أمني، وصوّت بـ”لا” في مركز اقتراع بمنطقة أريانة قرب العاصمة.
يقول الرجل إنه يرفض ببساطة أن تتحول تونس إلى مزرعة خاصة للرئيس قيس سعيد، معتبرا أن مشروع الدستور يضع كافة الصلاحيات والسلطات بيده مقابل تراجع تام لصلاحيات البرلمان ورئيس الحكومة وكافة مؤسسات الدولة، وهو شكل من أشكال أنظمة الحكم المستبدة كما يرى.
وبعد قراءته مشروع الدستور وما تلاه من تعديل 46 بندا من قبل الرئيس تبين للرجل أنه “دستور معد على مقاس قيس سعيد بغية بقائه أكثر فترة ممكنة في الحكم دون مساءلة ولا محاسبة”.
وقال إن مؤيدي مشروع الدستور أغلبهم يصوتون على شخص الرئيس، ولم يطلعوا على “خطورة محتواه”.
رفض الاعتراف بالدستور الجديد
من جهته، قال جوهر بن مبارك الناشط السياسي في جبهة الخلاص المعارضة لمشروع الرئيس -للجزيرة نت- إن المشاركة في الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد “ضعيفة”، مشيرا إلى وجود عزوف كبير جدا من قبل الناخبين.
ويرجع بن مبارك هذا العزوف إلى جدوى حملات المقاطعة التي دعت إليها جبهات المعارضة، مشيرا إلى أن هناك معطيات مؤكدة بأن مئات مكاتب الاقتراع خاوية وفارغة تماما من الناخبين الرافضين “لهذه المسرحية”.
ويتهم الناشط السياسي هيئة الانتخابات بتضخيم نسبة المشاركة في عملية الاستفتاء التي أجريت اليوم الاثنين على مشروع الدستور، مؤكدا أن طوابير المشاركين في الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنتي 2014 و2019 كانت حاشدة ولا يمكن مقارنتها باستفتاء 2022.
ويشدد بن مبارك على أن دستور 2014 -الذي كتبته عدة مكونات سياسية بتوجهات مختلفة- “هو الدستور الشرعي والوحيد للبلاد”، مشيرا إلى أن المعارضة لن تعترف بدستور الرئيس قيس سعيد وستعمل على إلغائه.
وتقاطع أغلب الأحزاب السياسية الفاعلة في المشهد السياسي -وعلى رأسها حركة النهضة- الاستفتاء على مشروع الدستور، وتعتبره أداة لإعادة إنتاج نظام استبدادي جديد.
ولم تلاحظ الجزيرة نت أي إقبال من الناخبين المنتمين للأحزاب المقاطعة على مراكز الاقتراع إلى حدود منتصف النهار، حيث تستمر عملية التصويت حتى العاشرة بالتوقيت المحلي.
ويقول غازي الشواشي الأمين العام للتيار الديمقراطي (أحد الأحزاب المقاطعة للاستفتاء) -للجزيرة نت- إن من يدعم مشروع الدستور في الاستفتاء هم “مجموعة من الانتهازيين ومن بقايا النظام السابق ومجموعة لديهم عداء أيديولوجي ضد الإسلام السياسي وحركة النهضة الإسلامية بالأساس”.
وبرأيه، فإن مشروع الدستور الجديد الذي خطه الرئيس قيس سعيد بيده سيعيد البلاد إلى مربع حكم الفرد الواحد، وأن الرئيس سينتقل بعد تمريره في الاستفتاء إلى مرحلة ضرب خصومه السياسيين من خلال توظيف القضاء وأجهزة الدولة، وسيفتح الباب على مصراعيه أمام أزمة سياسية لا نهاية لها.