اخبار العالم

ماكرون في جولة أفريقية لتثبيت الحضور الفرنسي المتراجع أمام المنافسات


وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس، إلى الكاميرون، في بداية جولة أفريقية، ستقوده أيضاً إلى بنين وغينيا بيساو، في الفترة بين 25 و28 الحالي، في بادرة يقول قصر الإليزيه عنها إن غرضها إظهار أن الشراكة الفرنسية – الأفريقية «ما زالت أولوية» بالنسبة إليه. كما تشدد، للتدليل على أهميتها، على أنها ثاني جولة دولية يقوم بها ماكرون منذ إعادة انتخابه في أبريل (نيسان) الماضي لولاية جديدة من 5 سنوات.
وجاء في ملف، أعدته الرئاسة، أن الجولة المذكورة «تتم في إطار إقليمي ودولي صعب؛ حيث التهديد الإرهابي ما زال قائماً منذ عدة سنوات في منطقة الساحل، وهو مستمر بالتقدم نحو خليج غينيا»، الأمر الذي ردت عليه فرنسا بإعادة النظر في انتشار قواتها المرابطة في أفريقيا. كذلك يشير الملف إلى الحرب الروسية على أوكرانيا، وخصوصاً تبعاتها على مستوى أزمة الغذاء الدولية، التي تضرب بشكل خاص البلدان الأفريقية. وسعى ماكرون من خلال مبادرته المسماة FARM للأمن الغذائي إلى مساعدة أفريقيا في مواجهة تبعاتها على القمح والحبوب والمواد الغذائية التي مصدرها أوكرانيا وروسيا، وتحفيز الاستثمارات في القطاع الزراعي في البلدان الهشة غذائياً.
بيد أن ما لم يقله التقرير هو أن جولة ماكرون تحصل في وقت يتراجع فيه النفوذ الفرنسي في أفريقيا، وفيما تقترب قيادة القوات الفرنسية في أفريقيا من إتمام الانسحاب من مالي، حيث مسرحها الأهم، لمحاربة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل منذ العام 2013. من هنا، فإن السلطات الفرنسية تعمل على إعادة النظر في حضورها العسكري، وخصوصاً تكييف أشكال تدخلها بعد فشل مهمتها في بامكو. وتجدر الإشارة إلى أن المجلس العسكري الممسك بزمام الأمور في بامكو بعد انقلابين عسكريين في 2020 و2021 طلب من باريس إخراج قواتها، بعد أن كانت مالي طيلة السنوات التسع الماضية بمثابة «محمية» فرنسية. ولذا، فإن جولة ماكرون ستوفر أيضاً الفرصة من أجل إعادة النظر بالشراكات العسكرية القائمة بين الدولة المستعمرة السابقة والدول التي استقلت منذ ستينات القرن الماضي.
ويعي الجانب الفرنسي أنه يواجه منافسة استراتيجية كانت سابقاً معقودة اللواء له. وهذه المنافسة متعددة الأشكال. ومن المفارقات الجديرة بالانتباه أن ماكرون يصل إلى العاصمة الكاميرونية ياويندي بعد أشهر قليلة على توقيع معاهدة دفاعية بينها وبين روسيا. كذلك تتم فيما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يتنقل بين العواصم الأفريقية بادئاً من القاهرة، في جولة موسعة، غرضها الأول إثبات حضور بلاده، في قارة سيصل عدد سكانها إلى 2.5 مليار نسمة في العام 2050.
وتنفي المصادر الفرنسية بشكل قاطع رغبة باريس في الانسحاب من أفريقيا أو التخلي عن الدور الأمني الذي تقوم به في محاربة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية؛ «القاعدة» و«داعش». وتعمل وزارة الدفاع بطلب من الرئيس ماكرون على بلورة تصور للحضور الفرنسي العسكري في عدد من البلدان الأفريقية، يفترض أن يكون جاهزاً في الخريف المقبل، إلا أن العقدة المركزية فيه أن فرنسا لم تعد تريد أن تكون في الواجهة، وبدل ذلك تفضل توفير الدعم للقوات المحلية من خلال شراكات أمنية متجددة. وتشغل فرنسا قواعد عسكرية في السنغال وساحل العاج (غرب أفريقيا)، إضافة إلى حضور عسكري بحري دائم في خليج غينيا. والتخوف الكبير في باريس اليوم هو من «نزول» التنظيمات الإرهابية من منطقة الساحل باتجاه بلدان خليج غينيا، التي أخذت تعاني في شمالها من عمليات إرهابية. وسبق لوزير الدفاع سيباستيان لو كورنو أن زار النيجر وساحل العاج منتصف الشهر الحالي. وتعاني ساحل العاج من عمليات إرهابية في شمال البلاد على الحدود مع بوركينا فاسو.
وتفيد المعلومات المتوافرة أن 4 بلدان مطلة على خليج غينيا، وهي ساحل العاج وبنين وتوغو وغينيا، يمكن أن تستفيد بأشكال مختلفة من الدعم العسكري الفرنسي، سواء على صعيد الاستعلامات التي تستطيع وسائل المراقبة الفرنسية توفيرها، أو التدريب، أو المعدات والأسلحة. وأفادت المصادر الرئاسية أن بنين تقدمت بطلب إلى باريس بهذا الشأن، ولا شك أنه سيكون موضع بحث خلال زيارة الرئيس ماكرون، الذي يصحبه وزيرا الدفاع والخارجية.
وقالت باريس إن بنين ترغب في توافر دعم عسكري فرنسي لها، يشمل التدريب والاستعلامات وتوفير المعدات والأسلحة. ولباريس قاعدة عسكرية في الغابون، أقيمت بموجب معاهدة دفاعية، تعود للعام 1960، أي استقلال الغابون. أما القاعدة الكبرى فإنها قائمة في جيبوتي، التي تطل على مدخل البحر الأحمر. يضاف إلى ما سبق، بحسب بيانات وزارة الدفاع الفرنسية، حضور عسكري قوي في منطقة الساحل (النيجر، بوركينا فاسو، تشاد)، رغم الانسحاب من مالي، إلا أن عدد القوة الفرنسية في الساحل سيتراجع إلى النصف، بحيث يدور حول 2500 مع معداتهم وأسلحة الدعم، «بعد أن كان قد وصل إلى 5200 رجل العام الماضي».
وتمثل روسيا المنافس الاستراتيجي الأكبر للحضور الفرنسي في أفريقيا، فيما المنافسة الاقتصادية والتجارية تأتي من الصين. وثمة سبب تاريخي لذلك، إذ إن كثيراً من البلدان التي استقلت القرن الماضي عن الدول المستعمرة الأوروبية نظرت صوب الاتحاد السوفياتي للاستقواء به وطلب المساعدة منه. وقد استمرت هذه العلاقة مع روسيا بعد انهيار الاتحاد. والمنافس الآخر لفرنسا، في حال وضعت الولايات المتحدة جانباً، هو تركيا التي تدعو سنوياً لقمة تركية – أفريقية. وتعتبر المصادر الفرنسية أن حصان طروادة الروسي هو ميليشيا «فاغنر» التي لها وجود معروف في جمهورية أفريقيا الوسطى وفي مالي. وبحسب باريس، فإن ما يميز «فاغنر» أنها تشكل ّ«ضمانة» لبقاء النظام الذي استعان بها، لمنع حصول انقلابات تطيح به من جهة، ومن جهة أخرى مساعدته قانونياً وإعلامياً، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وبالمقابل، ترى باريس أنه حيث تحل «فاغنر» يحل العنف والدوس على القانون. وأحياناً تسعى الميليشيا الروسية التي حاربت في ليبيا إلى وضع أيديها على الثروات المعدنية التي تتوفر للبلدان الأفريقية.



منبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى