بعد إعادتها حكم “البنجاب” لعمران خان.. المحكمة العليا تعيد رسم المشهد السياسي في باكستان
إسلام آباد- مرة أخرى، تتدخل المحكمة العليا الباكستانية لحسم الصراع بين الأحزاب السياسية؛ فبعد أن قررت في أبريل/نيسان الماضي الإطاحة بحكومة حزب الإنصاف وزعيمه عمران خان، جاءت لتضع حدا لصراع إقليم البنجاب لصالح تحالف عمران خان وحزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية – جناح قائد أعظم”.
وفصلت المحكمة في المعركة السياسية التي شهدها إقليم البنجاب على مدار أسبوعين، وكان أحد نتائجها فوز حمزة شهباز شريف برئاسة الحكومة على حساب مرشح عمران خان من حزب “الرابطة الإسلامية – جناح قائد أعظم”، برويز إلهي.
وأعلنت المحكمة العليا خلال حكمها في القضية، أن جميع التعيينات التي أجراها حمزة شهباز شريف “غير قانونية”، وطلبت من أعضاء حكومته إخلاء مكاتبهم، كما أمرت بإعفاء جميع المستشارين والمساعدين الذين عيّنهم من مهامهم.
ومن المقرر أن يؤدي برويز إلهي القسم كرئيس لحكومة البنجاب أمام حاكم الإقليم. وقررت المحكمة أنه في حالة عدم أداء الحاكم القسم لإلهي، فيمكن لرئيس البلاد عارف علوي القيام بذلك بدلا منه. ووفقا لوسائل الإعلام الباكستانية فإن القسم سيتم أمام الرئيس علوي بعد ساعات من حكم المحكمة.
فصول الصراع
وتكشّفت فصول الصراع مع فوز حزب الإنصاف في انتخابات حكومة إقليم البنجاب لشغل 20 مقعدا، وهو ما أعطى الفرصة للحزب وحلفائه للإطاحة بحمزة شهباز شريف من رئاسة الحكومة. لكن نائب رئيس البرلمان المنتمي لحزب الرابطة الإسلامية الباكستانية (جناح نواز شريف) ألغى 10 أصوات من حزب “الرابطة – جناح قائد أعظم”.
وتلقى حزب الإنصاف ضربة من حليفه “حزب الرابطة – جناح قائد أعظم”، الذي أوعز زعيمه “شجاعت حسين تشودري” لأعضائه في البرلمان بالامتناع عن التصويت، وهو ما تسبب بإلغاء 10 أصوات من الحزب، وتسبب تلقائيا بالخسارة.
وجاء إلغاء الأصوات العشرة للنواب من حزب “الرابطة – جناح قائد أعظم”، بسبب ما يسمى “الانشقاق” عن سياسات الحزب وذلك وفقا للمادة “63 أ” من الدستور الباكستاني.
في حين طالبت الحكومة الائتلافية بقيادة رئيس الوزراء شهباز شريف، المحكمةَ العليا بتشكيل لجنة تضم عددا أكبر من القضاة للنظر في القضية، إلا أن المحكمة رفضت ذلك، ما دفع الائتلاف الحكومي لمقاطعة جلساتها.
جدل حول القانون
وقد أثار استخدام المادة “63 أ” في هذه القضية جدلا في باكستان، حيث رأى عمران خان وحلفاؤه أن ما حدث في البرلمان غير قانوني وهذا ما دفعهم للجوء إلى المحكمة العليا، وقد كسبوا القضية.
في هذه الأثناء، عكست معارضة ومقاطعة الائتلاف الحكومي للمحكمة بعد رفضها توسيع دائرة القضاة في القضية، وجودَ مخاوف إما من عدم قانونية قرار نائب رئيس برلمان البنجاب منذ البداية، أو إشارتهم إلى انحياز القضاة إلى خصومهم في التحالف الذي يقوده عمران خان.
وبرأي الخبير في الشؤون القانونية أسد رحيم خان، فإن قرار إلغاء أصوات حزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية – جناح قائد أعظم”؛ غير قانوني تماما في الواقع.
ويضيف رحيم خان -في حديث للجزيرة نت- أنه لم يكن لدى نائب رئيس البرلمان مثل هذه السلطة لإلغاء الأصوات المُدلى بها وفقا لاتجاه الحزب البرلماني.
ووفقا للخبير القانوني، فإن “المادة “63 أ” تميّز بين الحزب البرلماني ورئيس الحزب. ونائب رئيس مجلس النواب كان يعيق تفويض الأغلبية البرلمانية. وبناء على ذلك فإن حكم المحكمة العليا صحيح في القانون وكذلك وفقا للسوابق”.
من ناحيته، يقول عثمان علي خان، الباحث المشارك في معهد الرؤية الإستراتيجية بإسلام آباد، إنه إذا ظل تفسير المادة “63 أ” على ما هو عليه اليوم، فمن المحتمل أن نرى مثل هذه الفوضى وعدم اليقين أينما كانت هناك انتخابات أو تصويت قريب، مما يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار السياسي وإضفاء الطابع القضائي على السياسة.
تداعيات على المشهد السياسي
ومنذ أبريل/نيسان الماضي، دخلت باكستان في دوامة غير عادية من التعقيدات والخلافات الواسعة بين الأحزاب، وما تزال بعد عدة أشهر تعاني تحت وطأة هذا الوضع الذي أثر كثيرا على المشهد السياسي الباكستاني، وزاد من تعقيده تراجع الأوضاع الاقتصادية إلى حد كبير.
وفي هذا السياق، يقول عثمان علي خان، إن قرار المحكمة العليا فيما يتعلق بالمادة “63 أ” سيكون سببا لاستمرار الأزمة في البنجاب. لكنه يضيف “يبدو أن المحكمة العليا قد رسخت لنفسها دورا أكبر بكثير كحَكم أساسي في حالة وجود نزاع”.
من جهته يقول ياسر حسين كبير مسؤولي الأبحاث في “مركز الدراسات الإستراتيجية الدولية” بإسلام آباد، والزميل السابق في مركز “ستيمسون” بواشنطن، إنه نتيجة المواجهة السياسية المطولة والاضطرابات، تدهور الاقتصاد من سيئ إلى أسوأ في الأشهر القليلة الماضية، وانخفضت قيمة الروبية بنسبة 20% واستمر انخفاضها الحر مقابل الدولار بوتيرة سريعة.
ويستطرد حسين قائلا، إنه مع الحكم التاريخي للمحكمة العليا، الذي أعلن أن انتخاب حمزة شهباز شريف باطل وغير قانوني، تعززت رواية حزب الإنصاف وزعيمه عمران خان.
ويضيف في حديث للجزيرة نت، أن إخفاق حكومة الائتلاف في توفير خارطة طريق اقتصادية في أعقاب تدهور الوضع الاقتصادي السريع، قد أفاد بشكل أكبر رواية حزب الإنصاف.
بالإضافة إلى ذلك، يقول حسين إن ذلك يفيد عمران خان في دعوته لإجراء انتخابات مبكرة حرة ونزيهة. بينما الوقت وحده هو الذي سيحدد ما إذا كان تحالف الحكومة الحالية يمكنه الحفاظ على الخلافات الداخلية بعيدا عن الأنظار حتى الانتخابات القادمة.