سوق الانتقالات الصيفية بتونس.. أزمة تبحث عن حلول
في المعتاد، كانت عناوين الصحف التونسية تزخر بالحديث عن التنافس بين أندية الدوري التونسي الممتاز لكرة القدم على ضم لاعبين جدد، لكن يبدو الأمر مختلفا في الصيف الحالي في ظل ركود سوق الانتقالات بسبب أزمة مالية خانقة.
ورغم أن سوق الانتقالات الصيفية بدأ منذ مطلع الشهر الجاري، فإن السبات كان واضحا على تحركات الأندية التونسية في أسوأ أزمة ركود منذ سنوات.
أسباب أزمة الأندية التونسية
ويقول الصحفي والناقد الرياضي مجدي السعيدي “تعيش 99% من الأندية وضعا اقتصاديا مزريا وأزمة مالية خانقة لعدة أسباب، أهمها غياب عائدات بيع التذاكر بسبب خوض المباريات دون حضور جمهور لمدة 10 أعوام تقريبا إضافة إلى تراجع تسويق اللاعبين التونسيين نحو الدوريات الأوروبية والخليجية الذي كان يدر عائدات مالية مهمة للأندية”.
وأضاف أن “الأزمة المالية في البلاد شملت كل القطاعات وأثرت بشكل كبير على المؤسسات التي يمتلكها رجال الأعمال الذين يترأسون الأندية، مما دفعهم للاستقالة من مناصبهم مثل منصف خماخم رئيس الصفاقسي ورضا شرف الدين رئيس النجم الساحلي وبالتالي تراجع تمويل الأندية”.
وباستثناء الترجي، الذي حافظ على توازنه المالي، تعاني أندية الأفريقي والصفاقسي والنجم الساحلي من أزمات مالية خانقة، وعجزت عن تسديد ديونها المستحقة للاعبين ومدربين سابقين لتواجه عقوبة المنع من إبرام صفقات وبالتالي الغياب عن سوق الانتقالات.
ولا يبدو أن الأندية الثلاثة قادرة على استعادة توازنها المالي وتسديد ديونها المتراكمة في الفترة الحالية للدخول في سوق الانتقالات الصيفية وتعزيز تشكيلتها قبل انطلاق الموسم الجديد.
إنفاق رغم تراجع الإيرادات
ولم تكن الأزمة المالية وليدة اللحظة، بل هي نتاج الإنفاق الكبير في المواسم السابقة مع انخفاض الإيرادات لتراجع عائدات حقوق البث التلفزيوني وتقلص بيع تذاكر المباريات.
وتابع السعيدي لرويترز بأن “الأندية أصبحت عاجزة عن توفير ميزانية خاصة بالتعاقدات وتوفير مبالغ مالية لضم لاعبين جدد.. كل الأندية تقريبا غارقة في الديون الناتجة عن انتدابات عشوائية وفاشلة وسوء تصرف في التعاقد مع لاعبين”.
وأضاف “في الأعوام السابقة صرفت مبالغ طائلة على التعاقد مع لاعبين قيمتهم الفنية والكروية ضعيفة، مما اضطرها للتخلي عنهم والدخول معهم في نزاعات وقضايا وصلت أروقة الفيفا والمحاكم الرياضية الدولية وكلفها المنع من إبرام صفقات جديدة”.
وتابع بأن “التعاقدات العشوائية السابقة جعلت الأندية غارقة في الديون وغير قادرة على التعاقد مع لاعبين جدد في الفترة الصيفية الحالية.. باستثناء الترجي، الذي لم تصله الأزمة ويملك مجلس إدارة ينفق بسخاء، لم تدخل بقية الفرق بعد سوق الانتقالات بسبب الأزمة المالية وعقوبات الحرمان من إبرام صفقات”.
ديون متراكمة والترجي يستغل الموقف
وأنفقت الأندية ببذخ على عقد صفقات ودفع رواتب اللاعبين والمدربين في الأعوام السابقة لتفقد السيطرة على توازنها المالي وتسقط في أسوأ أزمة مالية.
وفي وقت سابق، استبعد رئيس الأفريقي يوسف العلمي نجاح إدارة النادي في تسديد الديون السابقة ورفع عقوبة المنع من عقد صفقات. وقال إنه من الصعب تحقيق المعادلة بين سداد الديون لرفع عقوبة المنع من التعاقد مع لاعبين جدد وتوفير الأموال لتسيير الشؤون اليومية للفريق.
ولا يبدو حال النجم الساحلي والصفاقسي أفضل، إذ يواجه المنافسان التقليديان على لقب الدوري التونسي مشكلات مالية حادة.
ويقف الصفاقسي عاجزا أمام هجرة أبرز لاعبيه بسبب عجز النادي عن تسديد مستحقاتهم المالية قبل تجديد عقودهم، بينما لن يكون بوسعه التعاقد مع لاعبين جدد بسبب عقوبة المنع من التعاقدات.
كان الترجي، صاحب الرقم القياسي برصيد 32 لقبا في الدوري، المستفيد الأكبر من أزمة منافسيه التقليديين بعدما وجد الفريق المتوج بلقب الدوري للموسم السادس على التوالي نفسه دون منافسة في سوق الانتقالات الصيفية.
وعزز الترجي تشكيلته بالتعاقد مع حسام دقدوق ومحمد بن علي ثنائي دفاع الصفاقسي، وعزيز فلاح لاعب وسط النجم الساحلي في صفقة انتقال مجاني.
كما يسعى الترجي إلى مواصلة تعزيز تشكيلته بلاعبين آخرين من أجل المنافسة على لقب دوري أبطال أفريقيا ومواصلة هيمنته المحلية.
تقليص عدد الأجانب في تونس
وفي خطوة لمنع الأندية من مواصلة الإنفاق والانزلاق إلى مزيد من الديون، قرر الاتحاد التونسي وقف تسجيل لاعبي دول شمال أفريقيا كلاعبين محليين وتقليص عدد اللاعبين الأجانب.
وسيكون على كل فريق الاكتفاء بقيد 6 لاعبين أجانب في الموسم المقبل، ثم يتقلص هذا العدد إلى 4 لاعبين في الموسم الذي يليه.
وقال السعيدي “إنه حل اضطراري اتخذته الجامعة (اتحاد الكرة) للضغط على التكاليف. أكيد بعد دراسة قامت بها كشفت أن مشاكل الديون والنزاعات التي تواجهها الأندية في أروقة المحاكم الرياضية الدولية سببها الأجانب في الدوري. والقرار سيجبر الأندية على تقليص الإنفاق على التعاقدات مع لاعبين وتخفيف الديون”.
فرصة سانحة للاعبين الشبان
وربما يكون هذا القرار فرصة لظهور اللاعبين الشبان. وتضم الأندية التونسية العديد من اللاعبين الشبان، لكنهم يشتكون دائما من ندرة فرص اللعب باستمرار في التشكيلة الأساسية لاكتساب الخبرة.
وبرز في صفوف الأفريقي ثنائي الهجوم الواعد آدم قرب وحمدي العبيدي ولاعب الوسط ياسين الدريدي، فيما تألق محمد الضاوي وراقي العواني في تشكيلة النجم الساحلي، بينما يستعد الصفاقسي لمنح الفرصة للاعبين من الفريق الثاني.
وتأمل الأندية التونسية أن يتطور أداء الجيل الجديد من اللاعبين الموسم المقبل.
من جهته، قال لاعب منتخب تونس السابق أنيس العياري إن قرار تقليص عدد اللاعبين الأجانب “سيعود بمنفعة كبيرة على البطولة” واعتبر أنها خطوة إيجابية لمستقبل الدوري التونسي.
وأوضح العياري أن “سياسة التعاقدات السابقة كانت فاشلة، فلم يقدم اللاعبون الأجانب ولاعبو شمال أفريقيا الإضافة لمسابقة الدوري بل بالعكس دفعوا الأندية نحو دوامة من المشاكل المالية وتراكم الديون”.
وتابع بأن “الأندية ستضطر للتعويل على اللاعبين الشبان ومنحهم الفرصة للعب وتطوير مستوياتهم واكتساب الخبرة. وهي فرصة لبروز جيل جديد من اللاعبين الموهوبين، فالقرار سيفسح المجال للاعبين الشبان للبروز والتألق ويكبح جماح الأندية في التعاقد مع لاعبين أجانب لم يقدموا الإضافة الفنية والكروية”.