أين الضفة من نصرة غزة؟.. كيف يقرأ الفلسطينيون معادلة التضامن والانتصار؟
نابلس – أوشك اليوم الثالث من الحرب على غزة أن ينتهي ولمّا تنهض الضفة الغربية بما يُطفئ نار الغضب الشعبي ويُشعل فتيل المقاومة ويحرك الميدان الملتهب أصلا ضد الاحتلال الإسرائيلي، وخلت الساحة إلا من وقفات تضامنية في الضفة والقدس والداخل المحتل عام 1948 نصرة للقطاع المحاصر والممطر بنيران الاحتلال على الدوام.
ورغم حالة الضعف السياسي والعسكري والتضييق التي تعيشها فصائل المقاومة قاطبة بالضفة الغربية، فإنها لم تترك الحبل على الغارب، والتقت في اليوم الأول من الحرب واغتيال القيادي بالجهاد الإسلامي تيسير الجعبري على كلمة واحدة، حذّرت فيها -عبر بيان مشترك ألقته بمخيم جنين شمال الضفة الغربية- الاحتلال ومستوطنيه، وأعلنت أن شوارع الضفة الغربية محظورة عليهم ويمنع تنقلهم عبرها.
وترجمت أقوالها أفعالا، فاستهدفت بنيرانها أمس السبت واليوم الأحد أرتالا عسكرية لجيش الاحتلال اقتحمت مدن الضفة الغربية لاعتقال مطلوبين بينهم العشرات من كواد وقيادات في حركة الجهاد الإسلامي لا سيما بمدن نابلس وجنين.
الكل يقدم ما في وسعه
ومع ذلك فإن خفوت التحرك بالضفة أو بالداخل المحتل والقدس، وإن أصابه عجز ما، فإنه ليس ديدن الشعب الفلسطيني هناك الذي يقمعه الاحتلال باستمرار ويعمل جاهدا لكسر شوكة نضاله.
وما يعتبره الآخرون “تقاعسا” أو “خيبة” تعيشها الضفة تجاه غزة، يراه القيادي في حركة الجهادي الإسلامي بالضفة الغربية خضر عدنان همًّا فلسطينيا واحدا ومشتركا جسدته المقاومة بغزة بعنوان عمليتها “وحدة الساحات” لصد العدوان والدفاع عن الأرض.
كما اعتبر ذلك سندا للمقاومة بكل مواقعها بمن فيهم الأسرى في سجون الاحتلال، وبالتالي فإن “المساس بكرامة الفلسطيني أينما وكيفما وُجد مساس بالكل وليس أحدا بشخصه”، يقول عدنان للجزيرة نت.
ويضيف أن ذلك يراد به أن يفهم الاحتلال أن أي اعتداء يُفجِّر الأوضاع، وأنهم يعيشون حالة مواجهة وليست خصومة معه كونه تجاوز الخطوط الحمر وتفرَّد بالمقاومين وغدر واغتال، وبالتالي “لن ندير الخد الأيسر له، ولم نمتلك السلاح بغزة إلا لساحات النزال”.
ويشير عدنان إلى أن الكل يعمل ما في وسعه، فالضفة المحتلة تعيش سياسة النفس الطويل في المقاومة “بسلاحها الخفيف” نتيجة “القبضة الأمنية للسلطة الفلسطينية وما تمارسه من تنسيق أمني حال دون أن يكون لديها معشار ما تمتلك المقاومة بغزة”.
المقاومة فريضة
ورغم غطرسة الاحتلال وطول يده بفعل ما يملكه من سلاح وتكنلوجيا، فإن حركة الجهاد -حسب عدنان- لا تخشى أي فعل قد يقدم عليه بالضفة الغربية كما في غزة من اغتيال أو غيره، فالضفة تبقى “خاصرة رخوة” للاحتلال ومستوطنيه.
كما أن المقاومة وبوحدتها تتجهز لهذه اللحظة، وباتت تفرض انتصارا كل ساعة، ورغم ذلك يقول عدنان “مستعدون لدفع الثمن وإن كان باهظا، وندرك حجم المواجهة مع الاحتلال مع فارق الإمكانيات، لكن نقاوم كواجب مقدس وفريضة كالصلاة”، وليس الاستفراد بحركة الجهاد يعني أن بقية الفصائل بمنأى عن يد الاحتلال وأشكاله استهدافه من اعتقال أو اغتيال، وفق ما يرى مراقبون.
محددات التضامن
لكن تضامن الضفة مع غزة يرتبط بمجموعة محددات، أولها -حسب مدير مركز يبوس للاستشارات والدراسات الإستراتيجية سليمان بشارات- مفهوم التحرك التضامني للضفة مع غزة، إذ لا يمكن أن يتعدى الحالة الشعبية المنددة بالعدوان؛ بمعنى أن التركيبة السياسية والمجتمعية للضفة حدودها التضامنية مع قطاع غزة تنحصر في شكل التضامن التقليدي من مسيرات ووقفات احتجاجية، وقد ينتقل إلى المواجهات عند نقاط الاحتجاج، وهذه تكون في غالبيتها محصورة جدا.
كما أن البيئة السياسية للضفة، وبالتحديد موقف السلطة الفلسطينية الرسمي من وسائل وأشكال المقاومة للاحتلال، لا تسمح بالخروج عن مفهوم المقاومة الشعبية.
والضفة الغربية، وهذا المحدد الثالث حسب حديث بشارات للجزيرة نت، تعاني من غياب الوجود التنظيمي الهيكلي للفصائل والتنظيمات الفلسطينية التي تلعب دورا مهما في عملية الحشد وتحريك الجماهير، وسبب ذلك الانقسام السياسي الفلسطيني وسياسات الاحتلال على الأرض عبر تغييب واعتقال الشخصيات والقيادات المؤثرة والمحركة للشارع.
لكن رغم ذلك ربما في العامين الأخيرين، وبالتحديد بعد أحداث الشيخ جراح ومعركة سيف القدس، شهدت الضفة نوعا من “الصحوة الجماهيرية” التي عبَّرت بالحد الأدنى عن التضامن، سواء بالوقفات هنا وهناك، أو بالتضامن من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، أو التعبير عن رفضهم سياسات الاحتلال.
الضفة منهكة والملاحقة مزدوجة
ورغم ذلك لم يقطع بشارات الأمل في تحرك الضفة، لكنه يرهنه بأمرين، الأول استمرارية العدوان الإسرائيلي على القطاع، فكلما امتد زمانيا هذا العدوان سينعكس على حجم وطبيعة التفاعل.
أما الأمر الثاني فمرتبط بالتطورات الميدانية، ومنها حجم وطبيعة الانتهاكات الإسرائيلية التي قد تنتج عن هذا العدوان من جانب، وما يتعلق بالانتهاكات في مدينة القدس المحتلة واقتحام الأقصى من جانب آخر، “لذلك فإن الساعات أو الأيام القليلة المقبلة هي من سيحكم على شكل وطبيعة هذا التحرك”.
أما أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العربية الأميركية بمدينة جنين عقل صلاح فيرى أن الضفة الغربية “منهكة” اقتصاديًا وأمنيا، وتواجه الاعتقالات المستمرة والملاحقة المزدوجة (من أجهزة السلطة والاحتلال) للعناصر التي تتحرك في مواجهة الاحتلال.
وكل ذلك يؤدي -وفق قول صلاح للجزيرة نت- إلى فقدان الثقة في المكونات السياسية القائمة من قبل الشعب، الذي فقد الأمل في تحسين أوضاعه في ظل الفقر والبطالة والديون والقروض وارتفاع الأسعار والاعتداء على الناس بوضح النهار دون محاسبة، إضافة للفساد المستشري في المؤسسات الرسمية، وتهميش دور الفصائل، ومحاصرة أي تحرك للضفة وبالتحديد لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
ورغم كل ذلك، فإن صلاح يوضح أنه لا يوجد شيء ثابت، فيمكن أن تتحرك الجماهير وتنطلق شرارة الانتفاضة الثالثة في أي لحظة.