الاخبار العاجلةسياسة

على وقع محاكمة فليسيان كابوغا.. كيف استخدم إعلام الكراهية في التحريض على الإبادة في رواندا؟

الجزيرة نت- محاكمة رجل الأعمال الرواندي فليسيان كابوغا أمام المحكمة الدولية في لاهاي -بتهمة اشتراكه في الإبادة الجماعية التي ارتكبت بحق أقلية التوتسي عام 1994، والتي عرفت بمذبحة الـ100 يوم- أعادت إلى الواجهة مسألة استخدام وسائل الإعلام في بث الكراهية والتحريض على ارتكاب الجرائم، وهو ما بدأت تحذر منه المؤسسات الدولية في ظل التطور المتسارع لوسائل الإعلام التي يتوسع نطاق استخدامها يوما إثر آخر، حيث ينشط نحو ثلث سكان العالم على وسائل التواصل الاجتماعي.

ما دور كابوغا في الإبادة الجماعية؟

فليسيان كابوغا رجل أعمال رواندي متهم بالتمويل والمشاركة في الإبادة الجماعية في رواندا، وكان ذا صلات قوية بالرئيس الرواندي السابق هايبا ريمانا، كما أنه كان من قيادات الحزب الحاكم والمعروف بالحركة الجمهورية الوطنية للديمقراطية والتنمية، وكان أحد قيادات الجناح الشبابي بالحزب، الذي كان مسؤولا إلى درجة كبيرة عن الإبادة الجماعية، ولعب كابوغا كذلك دورا رئيسيا في تأسيس إذاعة “الألف تلة”، فضلا عن أنه متهم باستيراد آلاف الأطنان من الأدوات التقليدية، مثل المناجل، التي تم توزيعها على المليشيات لتستخدمها في الإبادة.

Eric Emeraux, head of the Gendarmerie's Central Office for Combating Crimes Against Humanity, Genocides and War Crimes, poses in Paris
فليسيان كابوغا بدأت محاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم تمويل والمشاركة في الإبادة الجماعية برواندا (رويترز)

كيف زرعت جذور الكراهية بين الروانديين؟

بدأ الفرز العرقي في رواندا مع الاستعمار الألماني الذي بدأ في أواخر القرن الـ19، واستمر حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، ثم مع الاستعمار البلجيكي -الذي حل محل الاستعمار الألماني- تم تقنين الفرز الإثني على أساس ما يملكه الفرد من الماشية، وبناء على ذلك، تم تثبيت هذا الفرز وإصدار بطاقات هوية وطنية ثبت عليها طبيعة الانتماء الإثني للسكان.

متى كانت البدايات الفعلية لانخراط الإعلام في التحريض؟

عام 1959، شهدت رواندا ما عرف بالتغيير الاجتماعي أو ثورة الهوتو التي أطاحت بحكم التوتسي، واستخدمت صحيفة “كينا ماتيكا” التي أسستها الكنيسة الكاثوليكية في التغيير الذي جرى في البلاد، وعمقت الهوة بين مكونات رواندا الاجتماعية، فصورت الهوتو على أنهم شعب يتعرض للانتهاكات، في حين صورت التوتسي على أنهم “أجانب وافدون” وإقطاعيون جاؤوا غزاة من خارج البلاد، مما كان له أثر في الأحداث التي جرت بعدها، حيث تم إحراق بيوت التوتسي ونهب مواشيهم، مما اضطرهم إلى الفرار إلى أوغندا وبوروندي وتنزانيا وكينيا بسبب التحريض، وبعد صعود الرئيس غريغوري كابيندا إلى سدة الحكم عمل على تشجيع الهوتو لطرد التوتسي ومحاربتهم بكل الوسائل.

ما الدور الذي لعبته الصحف وإذاعة “الألف تل” في الإبادة؟

تم تأسيس الإذاعة الرواندية الحكومية -المعروفة بـ”آر تي إلى إم” (RTLM)- عام 1964، ولكن في ظل حكم الهوتو انحرفت لخدمة التحريض وإثارة الكراهية بين الروانديين، واستغلها الهوتو في التحريض على أقلية التوتسي، وبدأت في إذاعة أغاني الفخر التي تمجد الهوتو وتصف التوتسي بالأعداء، ووقف السياسيون المقربون من الرئيس خلف الإذاعة يقدمون أنفسهم حماة لمصالح الأغلبية ويدعمون ذلك بسخاء، هذا إلى جانب صحيفة “كينا ماتيكا” وأكثر من 20 صحيفة نشأت لاحقا انخرطت جميعها في بث الكراهية والتحريض على القتل.

اقرأ ايضاً
المعارضة بتونس تطعن في مشروعية الاستفتاء وأنصار سعيّد يعتبرونه انتصارا.. فما حجج كل طرف؟

ما الأساليب التي اتبعها إعلام التحريض على الإبادة؟

ساعد عدد من العوامل على أن يلعب الإعلام الدور الرئيسي في الإبادة، وتأتي في مقدمتها تبعية الإعلام لأحد أطراف النزاع، إضافة إلى محدودية وسائل الإعلام المحلي، ولذلك نجحت مليشيات الهوتو في توجيه عصابات القتل الشبابية المعروفة بـ”إنترا هاموي”، واتبعت في ذلك عددا من الأساليب:

  • تم تصوير التوتسي على أنهم يملكون ثروات البلاد وأنهم الأعداء والأشرار الذين يجب قتلهم.
  • بث الأغاني الحماسية التي تحرض على قتل التوتسي “الأجانب”.
  • نشر وإذاعة قوائم بالأسماء والعناوين للشخصيات المستهدفة، ووصفهم بأنهم متواطئون مع الجبهة الوطنية المعارضة.
  • تضليل التوتسي المطاردين بالإيحاء للجوء إلى الكنائس باعتبارها مواقع آمنة، مما جعلهم صيدا سهلا لمليشيات القتل والإبادة (قتل 5 آلاف من التوتسي في كنيسة واحدة).
  • كتب الإعلامي الرواندي حسن إنجيزي ما عرف بالوصايا العشر للهوتو، لتكون دليلا للتعامل مع التوتسي، وجاء فيها لا تتزوج ولا تعاشر ولا تتاجر مع التوتسي ولا تثق بهم، وكل هذا كان يذاع عبر إذاعة “الألف تلة” (RTLM).
  • توجيه مليشيات الهوتو إلى أماكن وجود التوتسي والمواقع التي يتمركزون فيها.

كيف تسهم وسائل التواصل الاجتماعي في بث خطاب الكراهية والعنف؟

رغم المزايا التي وفرها تطور وسائل الإعلام، فإنها في الوقت ذاته يتم توظيفها وتوجيهها في بث خطاب العنصرية والكراهية؛ ففي السنوات الأخيرة، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا سلبيا في كثير من دول العالم، إذ أصبحت ظاهرة يصعب تجاوزها.

ففي ميانمار، استخدم القادة العسكريون والقوميون البوذيون وسائل التواصل الاجتماعي لتشويه سمعة أقلية الروهنغيا والتشنيع عليها، تمهيدا لحملة التطهير العرقي، كما أكدت التقارير أن عملاق التواصل الاجتماعي “فيسبوك” (Facebook) كان وسيلة العنصريين في التحريض على إبادة الروهنغيا.

عام 2019 وفي جنوب أفريقيا، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا أساسيا في التحريض على الوجود الأجنبي، عبر نشر المعلومات المضللة، وهو ما راح ضحيته عشرات القتلى وإتلاف ممتلكات الأجانب من دون فرز.

وفي أوروبا، تصاعدت كراهية الأجانب وبدا واضحا صعود المتطرفين والمناهضين لوجود اللاجئين؛ ففي ألمانيا وحدها، رصدت مؤسسة متخصصة في الرصد الإعلامي أنه تم نشر 19 ألف مقالة عن اللجوء واللاجئين في سنة واحدة (2015).

أما في الهند، فاستخدمت جماعات الهندوس “واتساب” (WhatsApp) وفيسبوك للوصول إلى مواقع المسلمين، في حملة العداوة التي شنتها عليهم في ظل تساهل حزب بهاراتيا جاناتا المتطرف.

اختفى فليسيان كابوغا لنحو ربع قرن، هاربا من العدالة ولكن في النهاية تم القبض عليه، ومثل أمام المحكمة لينال جزاءه رغم أن ذلك لا يعيد للآلاف حياتهم، ولا يرتق الفتق الذي أحدثه إعلام الكراهية الذي أنشأه مع حلفائه، ولكن تبقى العبرة أن العنصرية والفرز الإثني لا يبنيان أوطانا ولا يحققان شيئا سوى دوامة عنف وقتل دائم وإهدار مقدرات الأوطان؛ فالظاهرة جديرة بالدراسة المعمقة والتحليل لمواكبة التطور الإعلامي المتسارع وتوظيفه إيجابيا في خدمة الإنسانية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى