الاخبار العاجلةسياسة

هل تستطيع أميركا منع الصين من غزو تايوان؟

قال باحثان في العلاقات الدولية والقضايا الإستراتيجية إن تلويح الرئيس الأميركي جو بايدن المتكرر بأن بلاده ستتدخل عسكريا إذا حاولت الصين غزو تايوان بالقوة بدا كأن الولايات المتحدة تتخلى عن “سياسة الغموض” التي انتهجتها ردحا طويلا من الزمن.

وفي مقالهما المشترك بمجلة “ناشونال إنترست” (The National Interest)، وصف باتريك مينديس أستاذ العلاقات عبر الأطلسي في جامعة وارسو في بولندا وأستاذ الشؤون العالمية بجامعة تشنغتشي الوطنية في تايوان وزميله هون مين ياو أستاذ الإستراتيجية والشؤون الدولية بجامعة الدفاع الوطني في تايوان؛ تحذير بايدن بأنه رسالة واضحة تماما مفادها أن أميركا ستنخرط في عمل عسكري دفاعا عن تايوان ضد الصين بأقوى مما فعلت في أوكرانيا في حربها ضد روسيا.

إن سياسة بايدن المتمثلة في “الوضوح الإستراتيجي” المنبثقة من سياسة الغموض الإستراتيجي تعد -في رأي الأكاديميين- جزءا لا يتجزأ من إستراتيجية الردع التي من الواضح أنها مستقاة من رؤية المسؤول السابق بوزارة الدفاع الأميركية إلبريدج كولبي في كتابه بعنوان “إستراتيجية الإنكار.. الدفاع الأميركي عن حقبة صراع القوى العظمى”.

توقعات متفائلة

ويجادل كولبي في كتابه بأن على الولايات المتحدة الدفاع عن تايوان مع حلفائها في اليابان وكوريا الجنوبية، مضيفا أن بإمكان واشنطن الخروج ظافرة ومنع اندلاع حرب.

ويحاول الاستاذان الجامعيان استقراء الأفكار التي اقترحها الباحثان جاريد ماكيني وبيتر هاريس في مقالهما المنشور في مجلة “باراميترز” (Pararmeters) التي تصدرها الكلية الحربية للجيش الأميركي، وذلك في محاولة منهما للإجابة عن سؤال عما إذا كانت أميركا قادرة على منع غزو صيني لتايوان.

ويوضح الأستاذان مينديس ومين ياو أن ماكيني وهاريس اقترحا في مقالهما بعنوان “العش المكسور.. ردع الصين عن غزو تايوان” إستراتيجية ردع تايوانية تحيل تايبيه إلى جزيرة “غير مرغوب فيها”؛ وبالتالي تجعل محاولة بكين للاستيلاء بالقوة على ما تسميه “المقاطعة المنشقة” تبدو غير منطقية.

4 توصيات

ويجادل ماكيني وهاريس -من خلال 4 توصيات رئيسية تضمنها مقالهما- بأن على الولايات المتحدة وتايوان في سعيهما لمنع غزو صيني التهديد بتدمير المنشآت التابعة لشركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية (TSMC)، وهي إحدى أهم شركات إنتاج الرقائق في العالم والمورد الأهم لهذه السلعة إلى الصين.

وما إن يتم تدمير تلك المنشآت -حسب مقال مجلة الكلية الحربية الأميركية- ستصاب صناعات التكنولوجيا الفائقة في الصين بالشلل في الوقت نفسه بالضبط الذي تكون فيه بكين منغمسة في مجهود حربي هائل.

ويشير المقال كذلك إلى أن الكلفة الاقتصادية لحرب من هذا النوع ستستمر سنوات، “حتى بعد أن تضع المعارك أوزارها رسميا”، مما يوحي بأن الوضع قد يضر شرعية الحزب الشيوعي الصيني الحاكم.

ويعلق مينديس ومين ياو في مقالهما بمجلة ناشونال إنترست على تفسيرات وتحليلات ماكيني وهاريس بشأن غزو صيني محتمل، بالقول إن هذين الباحثين في مجال الإستراتيجيات العسكرية تحدثا عن افتراضاتهما الخاصة “التي لا تكاد تنطبق على الديناميكيات المتغيرة للحسابات الجيوسياسية والجغرافية الاقتصادية لأصحاب المصلحة”. ويتمثل الدرس المهم المستفاد من الغزو الروسي لأوكرانيا -وفق مقال ناشونال إنترست- في أن التهديدات المتكررة بفرض عقوبات وحظر وحصار اقتصادي، وتدخلات عسكرية أميركية غير مباشرة؛ لم تمنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من شن حرب.

اقرأ ايضاً
3 من علامات الانهيار الامريكي ونهاية الهيمنة الامريكية في العالم

تحديات التطبيق

وبغض النظر عن التكاليف الكبيرة التي تتكبدها الدول التي تفرض القيود المالية وغيرها من القيود والسوق العالمية التي لا يمكن التنبؤ بها، فإن تحديات تطبيق هذه الإجراءات هي بمثابة تحذير لتايوان والولايات المتحدة وحلفائهما الآسيويين إذا باتت التهديدات من الصين وشيكة الحدوث بشكل متزايد.

إن الفرضية التي طرحها ماكيني وهاريس انطلقت بمناقشة القوة العسكرية المتنامية لجيش التحرير الشعبي الصيني في آسيا والتحديات التي تواجه القدرة الأميركية على تنفيذ الردع عن طريق منع العدو من استخدام القوة العسكرية في حالة الطوارئ.

ويستند الباحثان في حجتهما إلى أن تقدم الصين من شأنه أن يقلل كلفة أي عمل عسكري تقوم به ضد تايوان، في حين أن الثمن الناجم عن ضبط النفس سيزداد بسبب السياسات المحلية الأخيرة في تايوان.

وفي وضع كهذا، لم يعد للجيش الأميركي تفوق واضح في المنطقة، ذلك لأن أي سيناريو لتايوان في المستقبل سيكون إما أمرا واقعا بالنسبة للصين أو تصعيدا لحرب قوى عظمى بين الصين وأميركا.

توصيات من منظورين

وقدم ماكيني وهاريس توصيات من منظورين: فمن ناحية يجب على كل من تايوان والولايات المتحدة زيادة تكلفة العمل العسكري على الصين عبر التحول إلى إستراتيجية بديلة لإستراتيجية “الردع بالعقاب”. ويمكن تحقيق هذا الهدف من خلال إقناع الصين بأن غزو تايوان سيكون ضارا بمصالحها الوطنية وإستراتيجيتها للتنمية المحلية.

وعلى الجانب الآخر، يبدو أن الباحثين يشيران إلى أن استمرار الولايات المتحدة في “غموضها الإستراتيجي” لتقليل تكلفة ضبط النفس من خلال طمأنة الصين بأن “التخلي عن غزو تايوان لن يكون بمثابة فقدانها تايوان”، على أن يكون ذلك متزامنا مع محاولات إقناع الصين وتايوان بأن الولايات المتحدة تظل ملتزمة بالحفاظ على السلام عبر مضيق تايوان.

ويعود مينديس ومين ياو في مقالهما للحديث عن اقتراح ماكيني وهاريس بأن على الولايات المتحدة التهديد بتدمير المنشآت التابعة لشركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية في مسعى منها لمنع الصين من غزو تايوان.

يضر تايوان أكثر من الصين

لكن الكاتبين يعتقدان أن تدمير صناعات أشباه الموصلات في تايوان يمكن أن يلحق الضرر بتايوان أكثر من الصين من خلال تقويض البقاء السياسي والاقتصادي لتايوان؛ ومن ثم من الناحية الإستراتيجية ستثمن الصين كثيرا تدمير تلك المنشآت إذا كان على تايوان أن تعض اليد التي تطعمها.

وتشتمل إستراتيجية “العش المكسور” التي يقترحها ماكيني وهاريس على 4 عناصر، هي: دفاع تايواني قوي، وحملة مقاومة تايوانية يخطط لها مسبقا، وتدمير ذاتي لمنشآت شركة تصنيع أشباه الموصلات، ورد إقليمي من حلفاء أميركا.

وتخلص ناشونال إنترست في مقالها إلى الاعتقاد بأن تطبيق الدروس المتطورة المستفادة من الغزو الروسي لأوكرانيا والعواقب غير المقصودة التي أعقبت ذلك -مثل التكلفة البشرية، وقضية اللاجئين، والتأثير العالمي- ربما تكون طريقة أفضل لإعادة التفكير في تطوير إستراتيجية ردع ضد احتمال غزو صيني لتايوان.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى