شروط الصدر تُربك حسابات خصومه.. هل يمكن للأحزاب العراقية اعتزال السياسة؟
بغداد– أثار مقترح زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، اعتزال الأحزاب الحالية بما فيها تياره، العمل السياسي في العراق، وعدم المشاركة في الانتخابات المقبلة، جدلا واسعا، لدى النخب السياسية، وسط تساؤلات عن آلية وتفاصيل الخطة الصدرية، وإمكانية تنفيذها.
وقال الصدر في بيان، نشره المقرب منه صالح محمد العراقي، السبت على تويتر إن “الأهم عدم إشراك جميع الأحزاب والشخصيات التي شاركت في العملية السياسية منذ الاحتلال الأميركي عام 2003 وإلى يومنا، بما فيها التيار الصدري”.
وأضاف على لسان الصدر “أنا على استعداد وخلال مدة أقصاها 72 ساعة لتوقيع اتفاقية تتضمن ذلك”، مشيرا إلى أنه “إذا لم يتحقق ذلك فلا مجال للإصلاح”.
خطوة الصدر، جاءت في غمرة خلافات محتدمة حول تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، بعد الانتخابات النيابية التي أجريت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ليشهد العراق أطول أزمة سياسية بشأن حكومة بعد عام 2003.
الإطار التنسيقي يرد
القيادي في الإطار التنسيقي علي الفتلاوي، قال إن “من يريد الإصلاح عليه الجلوس إلى الحوار دون الاعتماد على التغريدات المبهمة، وأصحابها غير المعروفين (في إشارة إلى وزير الصدر)، إذ لا يمكن الأخذ بكلام شخصية مبهمة”.
وتساءل الفتلاوي، “هل أن رغبة (صالح محمد العراقي)، بإبعاد جميع الأحزاب عن العملية السياسية، ستكون عامة على جميع الأحزاب والمكونات والقوميات، أم فقط تستهدف الإطار التنسيقي؟ وهل لديه سلطة لإنهاء دور الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، وكذلك حزب تقدم؟”.
وأضاف للجزيرة نت، أن “الأحزاب السياسية الحالية هي معبرة عن جماهيرها، وبالتالي لا يمكن إبعادها بتلك الطريقة، ما يعني إقصاء رأي شعبي واسع”، مشيرا إلى أن “أطروحة وزير الصدر غير واقعية، وهي من وحي الخيال، ولا يمكن أن تجمع كل العراقيين تحت أيديولوجية معينة”.
— وزير القائد – صالح محمد العراقي (@salih_m_iraqi) August 27, 2022
واعتبر الفتلاوي أن الهدف من هذا الطرح، هو رفع سقف مطالب التيار، ولذلك فإن قوى الإطار لم تلتفت له ولم تعبأ به بشكل مطلق.
وهذه أول دعوة تنطلق بشكل رسمي من أحد الأحزاب الكبيرة، منذ سقوط نظام صدام حسين، إلى ضرورة إبعاد الأحزاب، عن سدة الحكم في البلاد، وتقديم شخصيات أخرى، لتسلم زمام الأمور، وتولي مسؤوليات مئات المناصب الإدارية في جسد الدولة.
وفتحت دعوة الصدر، باب الحديث واسعا عن سيناريوهات وآلية تطبيق هذا المسار، والقوى التي ستكون بديلة عن الأحزاب الحالية، وقانونية منع بعض الأحزاب من المشاركة في الانتخابات.
إستراتيجية التظاهرات
بدوره، يرى المحلل السياسي المقرب من التيار الصدري، مناف الموسوي، أن الدعوة الأخيرة، جاءت ضمن إستراتيجية التظاهرات، التي بدأت برفضها للحكومات التوافقية، ثم انتقلت إلى مطلب حل البرلمان، وإجراء انتخابات مبكرة، وصولا إلى الشروط الجديدة، التي تهدف إلى حل الدولة العميقة، من خلال سحب الدرجات الخاصة لجميع الأحزاب السياسية، بما فيها التيار الصدري.
هذه الشروط -كما يراها الموسوي- تعني ضرورة تشكيل حكومة جديدة لا من التيار أو الإطار، وهو خيار حظي بتأييد شعبي واسع، من الأغلبية الصامتة، والأحزاب الناشئة، وقوى تشرين، وهذا ما يؤكد أن الصدر ليس راغبا بالسلطة أو الحكم، بل المسألة تتعلق بالإصلاح، وتقديم الخدمة للناس.
وأكد الموسوي للجزيرة نت، أن هذا المسار بالفعل كان ثقيلا على القوى السياسية الأخرى، لكن إن توفرت النية الحسنة، والرغبة بتقديم مصلحة البلاد على المصالح الخاصة فيمكن تطبيق ذلك.
وحظيت دعوة الصدر، بتفاعل شعبي واسع، وقبول لدى النخب الثقافية، التي رأت فيها مسارا يؤسس لمرحلة مقبلة، لكن آخرين أيضا رأوا أن الهدف الأقرب لحسابات المصلحة الصدرية من هذه المبادرة هو حصد تأييد المحايدين، لإضفاء الشرعية والعزم لخطوة صدرية جديدة ربما ستكون أكثر قوة.
مقدمة نحو التصعيد
وعلى رغم إيمان جمهور واسع، بصعوبة تحقيق إزاحة الطبقة السياسية الحالية، لعدة اعتبارات، فإن حديث الصدر بتلك الطريقة، يؤسس لشرط واضح يمكن يؤطر بصيغة قانونية، ويصبح واقعا في المستقبل.
المحلل السياسي، علي البيدر، يعتبر أن ما طرحه الصدر مقدمة للتصعيد، خاصة وأنه يتلاءم مع ذهنية ومخيلة الشارع العراقي، الباحث عن إصلاح حقيقي، وبالفعل قد حظي الصدر بتأييد منقطع النظير، لذلك أعطى الصدر مهلة للقوى السياسية وهي 72 ساعة، وقد يتجه بعدها إلى تصعيد، أو تكون له حجة أمام المجتمع الإقليمي والدولي.
وأضاف البيدر للجزيرة نت، أن الأطراف السياسية لا ترغب بالانسحاب من المشهد السياسي، بل المنافسة مشتعلة على السلطة والنفوذ، مشيرا إلى أن الصدر يدرك تماما بأن دعوته غير مرحب بها داخل تلك المنظومة.
ردة فعل
من جهته، قال عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، محمد زنكنة، إن الحزب لم يكن طرفا في أي مشكلة داخلية، وهذا واضح من خلال العلاقة مع الأحزاب الأخرى، لكن المسألة تتعلق بالفيتو الذي وضعه الصدر على الأطراف الإطارية، بشأن المشاركة بالانتخابات، وهذا جاء بعد العديد من العراقيل التي ابتدعتها قوى الإطار التنسيقي، وحالت دون تشكيل الحكومة، وكلما زاد تعنت قوى الإطار، سيقابل ذلك مطالب إضافية للصدر.
ويرى زنكنة في حديثه للجزيرة نت، أن دعوة الصدر الأخيرة، ردة فعل طبيعية على منع تلك الأحزاب من تشكيل الحكومة بعد الانتخابات النيابية، والتسليم بنتائجها، على رغم التأييد الدولي الذي حظيت به النتائج وكذلك الإقليمي والمحلي.
وعن آلية تطبيق رغبة الصدر، أكد زنكنة أنه من الممكن أن تكون هناك بعض القوانين في دول العالم، لمنع بعض الأحزاب أو وضع عراقيل أمامها بشأن مشاركتها السياسية، وهذا يعتمد على سلوكها، لافتا إلى أن 60 -70% من الأحزاب العراقية يجب حرمانها من المشاركة السياسية بشكل تام.
ولم يبدِ أي حزب عراقي بشكل رسمي، استعداده للتخلي عن مسؤوليه التنفيذيين في الحكومة الحالية، والانسحاب من المشهد السياسي، ما يجعل دعوة الصدر، إحراجا للخصوم، وتأتي في سياق إلقاء الحجة، ومحاولة كسب المزيد من الجمهور المحايد.