17 ساعة من مواجهات دامية.. ماذا حدث في طرابلس؟
طرابلس- يبدو أن التناقضات بلغت ذروتها في العاصمة الليبية، الأمر الذي فجّر اشتباكات -يرى البعض أنها كانت مؤجلة لا أكثر- بين قوات تتبع رئاسة الأركان في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة والمجلس الرئاسي من جهة، وبين أخرى متحالفة مع رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان فتحي باشاغا.
الاشتباكات وسط طرابلس تبعتها تحركات من قوات موالية لباشاغا كانت تناور على ضفاف العاصمة من “كوبري طرابلس” غربا إلى طريق مصراتة شرقا وقوات حليفه الأبرز اللواء أسامة جويلي جنوبا عبر طريق المطار، وهدفها زعزعة الأوضاع الأمنية في المدينة والانقضاض عليها من الخارج كما يوضح الخبير العسكري عادل عبد الكافي للجزيرة نت.
ويشبّه عبد الكافي ما حدث بـ”العملية الجراحية الدقيقة لاجتثاث بعض التشكيلات التي تهدد حكومة الوحدة الوطنية، وعلى رأسها قوات هيثم التاجوري المتمثلة في اللواء 777″، مؤكدا أن العملية آتت أكلها، وهي المحاولة الثالثة والأخيرة لفرض باشاغا بالقوة رئيسا للحكومة في طرابلس، مستبعدا في الوقت نفسه أن ينسحب جويلي وقواته نهائيا.
تفسير يتفق معه عضو الحوار السياسي السابق عبد الرزاق العرادي قائلا إن “العملية تمت بنجاح داخل طرابلس وقضت على العديد من المليشيات الصغيرة”، موضحا -في منشور على حسابه بفيسبوك- أن “القوات التابعة لحكومة باشاغا بلعت الطُعم وانتهزت هذه الاشتباكات وتحركت صوب العاصمة”، مشيرا إلى تقوية بعض الكتائب نفسها على حساب سقوط كتائب أخرى، مما سيسفر عنه ظهور تحالفات جديدة.
حرب اليوم الواحد
أحداث جرت خلال 17 ساعة فقط يصفها مدير مركز بيان للدراسات نظار أكريكش بالدراماتيكية، وأنها قوبلت برفض من السفارة الأميركية والبعثة الأممية، الأمر الذي يرى فيه تعبيرا عن حجم التناقضات التي تعيشها ليبيا بين سرديات الأطراف المتصارعة، ففي الوقت الذي يتهم فيه باشاغا الدبيبة بالفساد وتمكين أنصار النظام السابق يتهم الدبيبة خصمه بالتحالف مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر ومحاولة عسكرة الدولة.
ويرى أكريكش -في حديثه للجزيرة نت- أن اختلاف المليشيات وأسباب الاقتتال لن يؤديا سوى إلى نتيجة واحدة هي “انهيار اتفاق جنيف، لذا سيدعو حفتر بعد ذلك إلى حوار جديد، وبذلك يتجنب الانتخابات ويسعى للحصول على وقت ومكاسب جديدة من مرحلة انتقالية قد تفشل معها كل مقومات الدولة الليبية”.
وعلى صعيد عسكري، يرى الخبير عادل عبد الكافي أن الأمر تكرار لما حدث في حرب 2019 حين عزلت حكومة الوفاق بعض الكتائب التي تحالفت مع حفتر في هجومه على العاصمة، مثل مجموعة عادل دعاب في غريان ومليشيا الكاني في ترهونة، مرجحا أن تقدم حكومة الدبيبة على الخطوة ذاتها بوقف الإمدادات لبعض الكتائب التي خانتها بالتحالف مع باشاغا، خاصة بعدما أسفرت المواجهات عن الاستيلاء على أهم مقرات هيثم التاجوري.
ويتفق مع ذلك الخبير الأمني والمستشار السابق في حكومة الوفاق الوطني جهاد الباجقني الذي يصف ما حصل بتكرار “محاولة دخول العاصمة بالقوة برشوة بعض قادة المليشيات بالمال والوعود بالمناصب”، لكنه يرى الفارق في أن المجموعات المتورطة كانت متمركزة وسط العاصمة هذه المرة وفي مركزها الإداري والمالي، مما تسبب لأول مرة في حرب شوارع لم تحدث حتى سنة 2011”.
ويرجع الباجقني الفضل في السيطرة على الوضع إلى القوات المدافعة عن العاصمة حين أسرعت لإغلاق الطرق أمام الأرتال الموالية لباشاغا وحاصرت “المجموعات المتمردة”، وبالتالي أعيد ترتيب المشهد الأمني باختفاء بعض الكتائب نهائيا وهروب ما تبقى خارج العاصمة، في حين استغلت بعض التشكيلات المعارك لتصفية حسابات قديمة وقامت بالاستيلاء على مقار وآليات مجموعات منافسة لها كسيطرة قوات الردع على مقار النواصي.
المتحاربون وخريطة المعارك
للاشتباكات أطراف معلنة، وهي قوة دعم الاستقرار بقيادة غنيوة الككلي ذات المقرات المتعددة، وأبرزها في أبو سليم، والكتيبة 301، والقوة المشتركة، وقوة دعم الدستور، فيما تتمثل أبرز قوات الطرف الآخر في اللواء 92 مشاة بقيادة هيثم التاجوري في المعسكر 777 عند طريق السور مدعومة بقوات جويلي وبوزريبة في الزاوية غربا وقوات سالم جحا في مصراتة شرقا.
وبدأت الاشتباكات تحديدا في طريق السور حيث معسكر 777، وكذلك شارع الزاوية وامتداده وشوارعه الفرعية، حيث مقر الكتيبة 92، إضافة إلى شارع النصر، لتنتهي بتمركز جديدة في عدة مناطق، منها تمركز قوة فرسان جنزور الموالية للدبيبة من “كوبري السبعة” إلى “كوبري السبعطاش” غرب طرابلس.
وأكدت عدة مصادر أمنية للجزيرة نت أن “قوة دعم الاستقرار” بقيادة غنيوة الككلي الموالية لحكومة الوحدة الوطنية سيطرت كليا على مقرات موالين لباشاغا وسط العاصمة طرابلس.
وتؤكد المصادر نفسها أن قوات الردع تحت قيادة عبد الرؤوف كارة -ومقرها الرئيسي منطقة معيتيقة- تحركت إلى مواقع تابعة للنواصي تحت قيادة مصطفى قدور، وانتهت بسيطرتها عليها وتمددت بذلك إلى طريق الشط وصولا إلى جزيرة الثلاثاء وأيضا طريق السكة في وسط العاصمة وتمركزت في مقر النواصي ومقر المخابرات وأيضا ميناء طرابلس البحري.
وانتهت الاشتباكات في مناطق جنوب طرابلس بسيطرة قوة الأمن العام بقيادة عماد الطرابلسي الموالية لحكومة الوحدة على مناطق في جنوب المدينة كانت تحت سيطرة قوات موالية لحكومة باشاغا واستلمت مواقع تابعة لقوات أسامة جويلي في “سيمافرو الجبس”، وكذلك معسكر “سبعة أبريل”، ومقر “الدعوة الإسلامية” الذي كان مقرا مرتقبا لحكومة باشاغا.
مرحلة جديدة
بدوره، يشير عضو الحوار السياسي السابق عبد الرزاق العرادي إلى أن عددا من السفارات كان لديها علم مسبق بعملية تخطط لها حكومة الوحدة وصفت بأنها “عملية جراحية محدودة”، مرجحا أن ما حدث سيمهد للدخول في مرحلة جديدة، معتبرا أن الحل السياسي ما زال بعيد المنال ما لم يسيطر طرف أو تحالف على كامل التراب الليبي، ويصدر إعلانا دستوريا جديدا يحل فيه المجلسين، النواب والأعلى للدولة، ويتولى كامل السلطة.
ولا يستبعد العرادي وآخرون سيناريو استمرار التدخل الدولي والضغط في اتجاه إجبار الأطراف المتصارعة على الرجوع إلى المجلسين التشريعيين للتوافق على قاعدة دستورية وقانون انتخابات ربما ينهي الصراع بشكل سلمي.
أما الباجقني فيؤكد أن “الوضع الحالي لا يعني نهاية الصراع، فالثابت الوحيد في ليبيا هو تغيير الولاءات”، مرجحا أن طرابلس ستشهد معارك أخرى لتصفية الحسابات حتى تسترجع الدولة هيبتها وتفرض سلطتها بالقوة، الأمر الذي يراه مستبعدا في ظل التدخلات الإقليمية والدولية.