الاخبار العاجلةسياسة

انتخابات نقابة الصحفيين في السودان.. لماذا أغضبت تيارات اليمين واليسار على السواء؟

الخرطوم– انتظر الصحفي السوداني ياسر عبد الله أكثر من 20 عاما ليتمكن من الإدلاء بصوته لاختيار نقابة تُدافع عن الحريات وعن حقوقه المالية، في بلد يتلقى فيه الصحفيون أقل الرواتب نظير عملهم المحفوف بالمخاطر في أوقات كثيرة.

والآن بعد انتهاء انتخابات النقابة التي أُعلنت نتائجها الأولية بفوز مرشح قائمة “الوحدة الصحفية” عبد المنعم أبو إدريس بمنصب النقيب، سينتظر عبد الله مرة أخرى ليعرف إذا ما كانت تجربة الانتخابات تستحق جهدا بذله عشرات الصحفيين على مدى 3 سنوات من أجل تأسيس أهم قلاع الدفاع عن حرية التعبير في السودان.

وعلى مدى أسابيع مضت، أثارت انتخابات نقابة الصحفيين جدلا في الأوساط المهنية، كما حظيت باهتمام واسع كونها التجربة الديمقراطية الأولى منذ الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير أبريل/نيسان 2019، إذ سيطر مؤيدوه على العمل النقابي لنحو 3 عقود.

والمؤكد أن انتخابات نقابة الصحفيين في السودان لم تلقَ قبولا من المحسوبين على تيار اليمين من النظام السابق، بينما عارضتها فئات تمثل اليسار بعد أن رأت فيها امتدادا للدكتاتورية ولسيطرة واجهات بعينها، وانحاز لها صحفيون مهنيون لا ينتمي أغلبهم لجهة سياسية.

ويفسّر مسؤول الإعلام في حزب المؤتمر الشعبي، عوض فلسطيني، التباين في الرؤى حيال نقابة الصحفيين، لأنها أجريت بعيدا عن سيطرة الأحزاب الطامحة وتقدمت فيها القائمة الصحفية المهنية غير المسيسة.

ويوضح المسؤول أن الإسلاميين في المؤتمر الوطني وقفوا ضد الانتخابات باعتبار أن النقابة غير شرعية وتمسكوا بالاتحاد المحلول، وكان رأيهم أن يمر طريق النقابة عبر مسجّل التنظيمات والمجلس القومي الصحافة والمطبوعات، وهو ما لم يحدث. أما واجهات اليسار، “فلا تأثير لها في الوسط الصحفي” كما يقول فلسطيني.

لجنة الانتخابات تعلن نتيجة القوائم
لجنة الانتخابات تعلن نتيجة انتخابات نقابة الصحفيين وتقدم قائمة الوحدة الصحفية (الجزيرة)

حماس ومقاطعة

وفي مقابل حماس مئات الصحفيين لخوض الانتخابات بالمسارعة في إكمال التسجيل والترشح في 3 قوائم، عارضت فئة أخرى هذه الخطوات ورأت فيها امتدادا للصراعات الحزبية التي تضج بها الساحة.

بينما شكك في مشروعيتها أنصار النظام السابق بالطعن لدى “مسجل تنظيمات العمل” الذي أفتى بعدم صحتها، لكن القائمين على الخطوة مضوا في الانتخابات التي انتهت -أمس الاثنين- بالإعلان عن فوز غالبية ممثلي قائمة الوحدة الصحفية بمجلس النقابة.

وتولّت لجنة الانتخابات، برئاسة وزير الإعلام الأسبق فيصل محمد صالح، ترتيب العملية التي تُجرى لأول مرة منذ 33 عاما، حيث منحت الصحفيين في أقاليم السودان وخارجه أحقية التصويت إلكترونيا.

وأعلنت اللجنة إن عدد الأصوات الصحيحة التي اقترعت لمنصب النقيب كانت 595 صوتًا مقابل 64 صوتا تالفا، من أصل 1164 صحفيا يحق لهم الانتخاب بينهم 148 صحفيا خارج البلاد.

وحاز الفائز بمقعد النقيب عبد المنعم أبو إدريس 207 أصوات، في حين نال أقرب منافسيه أيمن سنجراب 158 صوتا، يليه مرشح التحالف المهني ميسرة عيسى سالم على 101 صوت. أما المرشحين المستقلين وعددهم 4، فحصلوا على 131 صوتا مجتمعين.

ميثاق الأمم المتحدة

جرت الانتخابات في ظل أوضاع صعبة -كما يقول وليد النور عضو اللجنة التمهيدية التي حضّرت للانتخابات- بعد أن توافقت 3 مجموعات صحفية على عقد اجتماع انتخب لجنة تمهيدية أعدت النظام الأساسي للنقابة وميثاق الشرف الصحفي، التي جرت الانتخابات وفقا لها.

واعتمد الصحفيون في هذه الإجراءات على المادة 87 من الحقوق المدنية في ميثاق حقوق الإنسان الذي صادق عليه السودان في مارس/آذار 2020 وبات ساريًا بعد عامين. وتنص المادة على حرية التنظيم النقابي دون تدخل الحكومة في منعه أو عرقلته، إضافة إلى حق العمال وأصحاب العمل في وضع دساتير وأنظمة منظماتهم وانتخاب ممثليهم من دون ترخيص مسبق، على ألا تخضع للحل أو الإيقاف من أي سلطة إدارية.

وفي هذا الصدد، قال رئيس لجنة الانتخابات فيصل محمد صالح -في مؤتمر صحفي أمس الاثنين- إنهم لم يرتكبوا أي مخالفة قانونية أو يهددوا أمن وسلامة البلاد بإقامة الانتخابات، مشيرًا إلى أن الانضمام لسجل الناخبين كان اختياريا.

اقرأ ايضاً
كيف ستتصرف الهند إذا غزت الصين تايوان؟

وأضاف “لم نسرق لسان أحد ونفتخر بأننا نمثل 1300 صحفي، وأي شخص خارج هذه القائمة لم ندّعِ بأننا نمثله، وجاء الصحفيون للانتخابات طوعا”. وقال إن السلطات الحاكمة تفهّمت أن الإجراء الانتخابي لم يكن مهددا للأمن.

وكانت أصوات رافضة للانتخابات التمست من السلطات التدخل لمنع إجراء الانتخابات باعتبارها خطوة غير قانونية.

وقال الصحفي محمد علي محمدو إن الممانعين لديهم “ارتباطات بنظام شمولي ويعتقدون أن الانتخابات ستخصم من امتيازاتهم، لذا بدأت أصواتهم تعلو”.

واعتبر محمدو -في حديث للجزيرة نت- العملية الانتخابية خطوة مهمة في اتجاه التحول الديمقراطي وبناء الدولة المدنية، مشيرا إلى أن الإجراءات تمت بطريقة ديمقراطية وسط إقبال عالٍ وصل إلى 90% من جملة المسجلين.

واستنكر الصحفي شوقي عبد العظيم تصريحات المحسوبين على النظام السابق الذين تحدثوا عن إقصائهم من العملية، وقال إنهم لم يسجلوا في القوائم الجديدة بعد استبعاد السجل القديم الذي قال إنه “كان يضم كوادر أمنية وعسكرية”.

وأوضح عبد العظيم للجزيرة نت أن النقابة بعد انتخابها تتعامل مع كل الصحفيين، وبإمكان الآخرين الانضمام إليها بعد استيفاء الشروط التي وضعتها للصحفي، ومن بينها أن يكون ممارسا للمهنة ويأتي 70% من دخله من العمل فيها.

“انتخابات غير قانونية”

من وجهة نظر العبيد مروح، الأمين العام الأسبق لمجلس الصحافة والمطبوعات، فإن انتخابات النقابة التي أجريت لا تستند إلى أي مشروعية قانونية.

وقال للجزيرة نت إن النظام النقابي الساري في السودان هو نظام “نقابة المنشأة”، التي تضم كل منتسبي المنشأة بغض النظر عن مهنتهم أو مستوى تعليمهم وخلافه، وهو الأساس الذي نشأت عليه أجسام نقابية مختلفة في السودان.

وبالنسبة للصحفيين، يقول مروح، كان الاتحاد العام يضم العاملين في المؤسسات الصحفية الرسمية والخاصة وهو مستثنى من نظام نقابة المنشأة لكنه يستند إلى قانون 2010.

ويشير مروح إلى أن لجنة إزالة التمكين، في إطار عملها على تجريد النظام السابق مما تعتبرها أدواته، قامت بحل اتحاد الصحفيين وأغلقت داره ولم يعد لهم جسم نقابي يمثلهم. وكان مجلس الاتحاد يلقى معارضة من فئات صحفية بينما اختار قطاع آخر من الصحفيين الانزواء بعيدًا عن الاتحاد ومناوئيه.

ويلفت مروح إلى أن المجموعة التي ذهبت في اتجاه الانتخابات اتفقت على نظام أساسي صاغته منفردة وعرَّفت فيه مَن هو الصحفي وصنفت الصحفيين، وهذا مخالف للوضع القانوني القائم خاصة أن سجل الصحفيين قبل عام 2010 موجود لدى مجلس الصحافة باعتباره الجهة التي تنظم النشاط الصحفي.

وأضاف “حينما تعدل القانون بات السجل شراكة بين المجلس والاتحاد”، وهو ما يعني -وفقا للمروح- أن أولى خطوات أي انتخابات هي فحص السجل وتنقيحه وفق المرجعيات القانونية، “وهو ما لم يحدث في هذه الانتخابات”.

كما أن منظميها، يقول المروح، “استندوا على مصادقة السودان على ميثاق منظمة العمل الدولية، بينما يرى المناوئون أن هذه المصادقة يجب أن تتم في سياق تشريع وطني وهو ما لم يتم”.

ويخلص الأمين العام الأسبق إلى أن ما حدث أقرب للفعل الثوري الذي لا يعترف بالواقع والأسانيد القانونية القائمة، وأن القائمين عليه عمدوا لفرض سياسة الأمر الواقع.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى