فورين أفيرز: إرث غورباتشوف مهّد لحروب روسيا الحالية
وصف أستاذ التاريخ بالجامعة الكاثوليكية الأميركية مايكل كيماج الزعيم الروسي الراحل ميخائيل غورباتشوف الذي وافاه الأجل الثلاثاء الماضي عن عمر ناهز 91 عاما؛ “بالأحمق المقدس”.
ويوضح كيماج -في مقال له بمجلة فورين أفيرز (Foreign Affairs) الأميركية- أن غورباتشوف (آخر زعيم للاتحاد السوفياتي) ينطبق عليه هذا الوصف المستعار من مصطلحات المسيحية الأرثوذكسية، وهو محل احتفاء في الثقافة الشعبية الروسية.
ذلك أن “الأحمق المقدس” غالبا يكون شخصا غير منسجم مع مجتمعه ويقول الحقيقة حتى وإن بدت محض هراء بالنسبة للآخرين، وقد تبدو حكمته حماقة أول الأمر، كما تبدو حماقته حكمة في نهاية المطاف، وربما كانت نجاحاته فشلا وفشله نجاحات، ويستطيع التنبؤ بالمستقبل ضمن مواصفات أخرى كثيرة ساقها المقال.
ومن هذا المنطلق، يرى أستاذ التاريخ الأميركي أن غورباتشوف يستحق هذا اللقب؛ فحين قرر إصلاح الاتحاد السوفياتي في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، الذي يعده الغرب أكبر نجاح له، كان ذلك الإصلاح أكبر فشل في تاريخ حكمه، إذ فتح الباب لثورات سلمية في دول الاتحاد، انتهت بانهيار الاتحاد السوفياتي وزواله من الوجود.
بذور الحرب
بيد أن غورباتشوف لم يكن باستطاعته التنبؤ بالمستقبل؛ فعندما بدأ إصلاحاته مطلع الثمانينيات كان العالم المثالي الذي حلم به هو اتحاد سوفياتي تزدهر فيه قيم لينين، وأوروبا موحدة تمتد بسلام من لشبونة إلى فلاديفوستوك، وتنعم بالحرية والأخوة والمساواة.
لكن لم يخطر بباله أن تلك الإصلاحات ستؤدي إلى سقوط الاتحاد السوفياتي، وأن أوروبا ستخرج من ذلك الحدث مقسمة؛ سيكون جزء منها في الاتحاد الأوروبي، أما الجزء الآخر فسيكون منضويا تحت حلف شمال الأطلسي (ناتو) والباقي خارج الإطارين، كما لم يدر في خلده صعود فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم.
ويرى كاتب المقال أن غورباتشوف يتحمل المسؤولية عن جملة من الظروف التي مهدت للحروب التي خاضتها روسيا لاحقا في عهد بوتين، كما مهدت للتدهور الكارثي لعلاقات روسيا مع الغرب؛ فقد خلف انهيار الاتحاد السوفياتي في عهد غورباتشوف فراغًا هائلا في شرق أوروبا ووسطها.
ويشير في هذا الصدد إلى أن غورباتشوف لم تكن لديه رؤية مستدامة للحفاظ على هذه المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية بالنسبة لروسيا، الأمر الذي يرى فيه بوتين -شأنه في ذلك شأن العديد من الروس- خسارة كبرى لروسيا، وعليه فإنه يؤمن بضرورة استرجاع تلك البلدان بالقوة العسكرية إن لزم الأمر.
ويخلص الكاتب والمؤرخ الأميركي في مقاله إلى أن تلك النظرة التي ترى في تفكك الاتحاد السوفياتي خسارة، كانت الأساس للحروب التي شنها بوتين لاحقا، فقد بدأ حروبه لاستعادة الإمبراطورية السوفياتية بعد أقل من عقدين من انهيارها، إذ خاض حربا في جورجيا عام 2008، تلتها حرب أخرى في أوكرانيا عام 2014، وما زال يواصل مساره.