الاخبار العاجلةسياسة

حاجز الجلمة.. نقطة اشتباك لا تهدأ

جنين- ساعات فصلت بين عملية إطلاق نار على جرافة عسكرية عند حاجز الجلمة الإسرائيلي العسكري قرب مدينة جنين شمال الضفة الغربية، الثلاثاء، وبين العملية الفدائية التي اشتبك خلالها مقاومان فلسطينيان مع جنود الاحتلال عند الحاجز ذاته، فجر الأربعاء، فاستشهد الشابان وقُتل ضابط من جيش الاحتلال.

وهذه ليست الهجمات الفلسطينية الأولى عند حاجز الجلمة الواقع شمال مدينة جنين، أبرز نقاط المقاومة الساخنة مع الاحتلال في فلسطين عامة العامين الأخيرين، إذ شكّل الحاجز نقطة اشتباك دائمة بين المقاومة وجيش الاحتلال.

وتتصاعد الهجمات الفلسطينية على هذا الحاجز كلما رفع الاحتلال وتيرة اقتحاماته وعملياته ضد الفلسطينيين، إذ استشهد العديد من أبناء المحافظة على هذا الحاجز أثناء محاولتهم تنفيذ عمليات إطلاق نار أو طعن أو إلقاء عبوات ناسفة محلية الصنع (تُسمى أكواع) أو غير ذلك من أشكال المقاومة، مما حوّل الحاجز إلى ثكنة مجهزة بأحدث التقنيات العسكرية والتكنولوجية.

GettyImages 1242967986
مقاومون مسلحون بمدينة جنين حيث تصاعدت الاشتباكات مع الاحتلال العامين الأخيرين (الأناضول)

قاعدة اقتحامات وتضييق

عام 1992 أقيم هذا الحاجز -ويسميه الاحتلال “معبرا”- على أراضي قرية الجلمة المجاورة، ليفصل بين منطقة جنين شمالي الضفة ومناطق داخل الخط الأخضر. وأقيم حينها بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، لكن سرعان ما نقلته إسرائيل إبان انتفاضة الأقصى عام 2002، وعند بنائها جدار الضم والتوسع العنصري إلى الأراضي المحتلة عام 1967 (داخل أراضي الضفة).

وتفرَّع هذا الحاجز العسكري إلى 3 مسارب: استخدم أحدها لدخول “فلسطينيي 48” إلى الضفة، وآخر لعمال الضفة باتجاه الداخل، وثالث للتبادل التجاري. لكن الاحتلال استخدمه أيضا قاعدة لشن الاقتحامات على منطقة جنين، كما استخدمت سياسة إغلاقه للتضييق على الفلسطينيين وعقابهم جماعيا.

وأصبح “الجلمة” أكثر البؤر الساخنة في الضفة منذ ما عُرف بـ “انتفاضة القدس” نهاية عام 2015، حيث تحوّل إلى نقطة اشتباك دائمة وشهد العديد من الهجمات الفردية لتنفيذ عمليات طعن خاصة.

يقول جمال حويل أحد قادة العمل الميداني خلال انتفاضة الأقصى، ومن أبرز قادة معركة مخيم جنين (2002) إن هذا الاستهداف حوَّل حاجز “الجلمة” إلى نقطة اشتباك دائمة للمقاومة في جنين (قرية ومخيما ومدينة) وبعموم الضفة كونه “رمزا تعبيريا” لوجود الاحتلال كله، بينما يدرك المقاومون الذين يتمتعون بهوية وثقافة جمعية أن الاحتلال برمته هو مصدر القهر والظلم للشعب الفلسطيني والساعي لنفيه وطرده.

ويوضح للجزيرة نت أنهم باستهداف هذا “الرمز الاحتلالي” يبعث المقاومون رسالة لإسرائيل التي تهدد شعبهم ليلا ونهارا بأنه “يجب أن تدفع الثمن” من خلال استهداف رموزها، سواء كانت حواجز عسكرية أم مستوطنين أو غير ذلك.

ويقول حويل “جيل المستحيل” من الشباب حاليا يقاوم ردا على انتهاكات الاحتلال وصلفه “فالمقاومة رد فعل على وجود الاحتلال المجرم”.

اقرأ ايضاً
الحوثيون يصفون الامارات بالدويلة و يتوعدون بمواجهة التصعيد بالتصعيد

زمام المبادرة

ويتفق واصف عريقات الخبير الأمني والعسكري الفلسطيني مع حويل في أن “الجلمة” أو غيره من الحواجز الإسرائيلية مواقع عقاب جماعي وجرائم ضد الفلسطينيين، وأنها تستخدم ممرات للجنود لاقتحام القرى والمدن الفلسطينية. وبالتالي “من حق المقاومين استخدام الطرق والوسائل القتالية لإيذاء العدو في هذه المواقع”.

ويرى عريقات -في حديثه للجزيرة نت- أن المقاومين استفادوا من التجارب السابقة وباتوا يمتعون بالخبرة التي تجعلهم يأخذوا زمام المبادرة ويهاجموا الاحتلال بمواقعه العسكرية قبل أن يهاجمهم، ويعتبر أن هذا “تكتيك” جيد وناجح وفيه شجاعة وقدرة على التخطيط والتنفيذ.

ولهذا، باعتقاده، ضربت عملية الشهيدين عبد الرحمن وأحمد عابد “هيبة الجيش الإسرائيلي وحطمت معنوياته” و”قلبت الموازين” فالشابان استهدفا بأسلحة متواضعة ومن مسافة صفر جنودا محصنين داخل ثكنة عسكرية مليئة بأجهزة الرقابة والسيطرة الأمنية.

وحاجز الجلمة، كما يبين عريقات، ليس نقطة ضعيفة أمنيا بل هو محصن ومحاط بالمعدات والقوة البشرية والإسناد القريب والبعيد، لوقوعه في منطقة استنفار أمني دائمة بفعل التحذيرات المختلفة من عمليات مقاومة متواصلة.

لكن التقنيات والتجهيزات العسكرية المتطورة تتراجع أمام عقلية المقاوم الفلسطيني الذي حين ينوي استهداف أي موقع عسكري للاحتلال لا يحسب قُربه وبُعده أو إمكانيات الفرار والاختفاء “لأنه يأخذ قرارا مسبقا بالاستشهاد، فهو يخطط لينجح لا لينقذ نفسه”.

عاطف دغلس- حاجز الجلمة - الضفة الغربية- جنين- قرب قرية الجلمة- الجزيرة نت2
الجلمة قرب جنين واحد من 700 حاجز ونقطة عسكرية تنشرها إسرائيل بالمناطق المحتلة عام 1967 (الجزيرة)

استهداف متصاعد

وتشير معطيات نشرها الإعلام الإسرائيلي أن حواجز الاحتلال العسكرية ونقاط تماسه تعرضت لأكثر من 500 عملية مقاومة خلال العامين الأخيرين شمال الضفة (منطقتي جنين ونابلس خاصة) وتنوعت بين عمليات طعن أو محاولات لذلك، إطلاق نار، إلقاء عبوات مصنعة محليا.

وبموقعه العسكري صادر حاجز الجلمة مئات الدونمات (الدونم= ألف متر مربع) من أراضي المواطنين بقرية الجلمة القريبة ومنع أصحابها من استغلالها. كما عزل الجدار العنصري الممتد على طول نحو 4 آلاف متر، نحو ألف دونم أخرى من أراضي القرية.

وكل هذا على حساب أكثر من 3 آلاف نسمة هم سكان القرية الذين يستهدفهم الاحتلال يوميا بالاقتحامات والاحتجاز والتفتيش والتحقيق الميداني، خاصة مع تصاعد استهدافه من المقاومين الآونة الأخيرة.

ويقول رئيس مجلس قرية الجلمة أمجد أبو فرحة إن الأهالي يشهدون “بين 3 و5 عمليات إطلاق نار أو إلقاء عبوات متفجرة على الحاجز أسبوعيا منذ بداية العام الجاري”.

وتتخذ إسرائيل من نحو 700 حاجز عسكري (ثابت ومتحرك) وسيلة لعقاب الفلسطينيين جماعيا بالضفة والقدس المحتلتين، ويُقال إنها لا تحتاج سوى 15 دقيقة لتغلقها جميعا وتحوّل مدن الضفة وقراها إلى سجون مطبقة على أهلها.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى