عودة العلاقة بين حماس والنظام السوري.. هكذا اختلفت التقديرات حول الخطوة
رام الله- “براءة”.. كان ذلك عنوان منشور على فيسبوك لوزير سابق في أول حكومة تشكلها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، تعقيبا على قرار الحركة إعادة علاقتها مع النظام السوري.
وتحت هذا العنوان، كتب عيسى الجعبري -وزير الحكم المحلي في الحكومة العاشرة التي شكلتها حماس بعد فوزها في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006- “إني أبرأ إلى الله تعالى مما قررته حركة حماس، بشأن إعادة علاقتها بالنظام السوري المجرم”.
وفي مطلع بيان البراءة، أشار الجعبري إلى أن قراره جاء “اقتداء بنهج النبي المصطفى ﷺ؛ بالتبرّؤ من الفعل القبيح، لا من الفاعل الذي فيه خير كثير”.
الموضوع قتل نقاشا
موقف الجعبري رفضته شخصيات من داخل حركة حماس، في خلاف علني نادر.
فزميله في الحكومة العاشرة وزير الأشغال العامة والإسكان، عبد الرحمن زيدان، عارضه بشدة وكتب أن “الموضوع قُتل نقاشا على كل المستويات، وفي النهاية هو اجتهاد، ومن حق القيادة تقدير المصالح”. وتابع “بعد المشورة والقرار، نقول: سمعا وطاعة، ولا نستمر في تقليب الآراء، حتى لو لم نكن مقتنعين بالمبررات”.
وفي تعليقه على “براءة” الجعبري، كتب باسم زعارير، عضو المجلس التشريعي المحلول عن الحركة، “المطبعون والمتنكرون لقضيتنا، والمحاصِرون لمقاومتنا لم يتركوا لنا خيارا”.
وتابع “نعم إن في القلوب غصة، ولكن الحاجة والمصلحة تدفعك لمصالحة نظام ليس لك من مصالحته بد”.
وكانت حركة حماس أعلنت الخميس الماضي -في بيان رسمي- عودة علاقتها مع النظام السوري.
وأكدت الحركة “مضيّها في بناء وتطوير علاقات راسخة” مع النظام السوري، “في إطار قرارها باستئناف علاقتها مع سوريا الشقيقة خدمة لأمتنا وقضاياها العادلة، وفي القلب منها قضية فلسطين”.
وكانت قيادة حركة حماس قررت مغادرة دمشق فبراير/شباط 2012، بعد نحو عام من بداية الثورة السورية مارس/آذار 2011.
علماء المسلمين حول قضية عودة العلاقات مع حماس وسوريا pic.twitter.com/qRdG6c7no9
— ᒪEEᑎ ᒍᖇ 🇵🇸 (@leen_ps) September 16, 2022
ومنذ إعلان الحركة عودة العلاقات، يتواصل الجدل على منصات التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض، سواء داخل الحركة أو خارجها، فلسطينيا وعربيا.
ودافع حسن خريشة، عضو المجلس التشريعي المستقل لدورتين متتاليتين في المجلس، عن عودة العلاقة، معتبرا أنها “الوضع الطبيعي، لأن سوريا هي مركز المثلث لمحور المقاومة، وفلسطين هي بوصلة المحور”.
ووجه “التحية لمن اتخذ القرار وشجع عليه.. الأصدقاء والحلفاء معروفون، وأيضا أعداء شعبنا والمطبعون معروفون”.
كما دافع محمد أبو وردة، نائب أمين نائب رئيس مجلس طلاب الجامعة الإسلامية بغزة، عن قرار الحركة، فقال في حسابه على فيسبوك: “عودة العلاقات مع النظام السوري لا يُفهم منها رضى الحركة بصنيعه، ولا تعكس مطلقا تأييد الحركة لسياسة النظام داخل أرضه أو تجاه شعبه”.
وأضاف أن “عودة العلاقات قائمة على مصلحة الفلسطينيين في مخيمات اللجوء هناك، وتمهيدا لمشروع العودة والتحرير”.
أما الكاتب الأردني ياسر الزعاترة، فوصف -عبر حسابه على توتير- عودة العلاقة بأنها “تعكس خللا في البوصلة وفي التقدير في آن، فضلا عن تجاهل مشاعر الغالبية من الشعب الفلسطيني، ومنهم أبناء الحركة”.
نسيت القول إن البيان المشار إليه أعلاه؛ قد أكّد ما أُعلن سابقا بشأن عودة العلاقة مع نظام الأقلية الطائفي بسوريا.
قضية تحدّثنا عنها من قبل، وهي تعكس خللا في البوصلة وفي التقدير في آن، فضلا عن تجاهل مشاعر الغالبية من الشعب الفلسطيني؛ ومنهم أبناء الحركة.
بؤس يستحق وقفة من العقلاء.— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) September 15, 2022
ضيق الجغرافيا
مع تباين الآراء إزاء خطوة حماس، فإن لها ما يبررها، وفق محللَين سياسيَّين تحدثا للجزيرة نت، اللذين لفتا كذلك إلى تداعيات تخص الحركة والإقليم.
إذ يرى مدير البحوث في مركز مسارات، خليل شاهين، أن إعلان حماس لم يكن مفاجئا، إنما سبقته إرهاصات ولقاءات عديدة حتى مع النظام السوري وفي العاصمة دمشق.
ويشير إلى جهود بذلتها إيران وحزب الله وروسيا لإعادة العلاقة، في توجه يعكس رغبة واسعة لدى جزء كبير من قيادات الخارج وغزة “رغم تردد النظام السوري والبطء في التعاطي مع هذه المحاولات، نتيجة عمق الأزمة في الفترة الماضية”.
أما عن أسباب عودة حماس إلى سوريا، فيقول شاهين إنها الجغرافيا التي بدأت تضيق أكثر فأكثر على الحركة.
ويضيف أن “حماس تدرك أن مساحة الجغرافيا تضيق، وأن الأرض تُسحب من تحت قدميها، وبدأت تبحث توسيع الجغرافيا أو تنويعها على الأقل”.
ويشير إلى تأثير التحولات في المنطقة من حيث تعميق علاقات التطبيع من جهة، والمصالحات في إطار المحاور في المستوى الإقليمي من جهة أخرى.
ويشير شاهين إلى أن ضيق الجغرافيا صاحبته شروط بشأن وجود حماس في بعض الدول؛ “وهذا يقلص نطاق تحرك حماس إن كان ذلك على مستوى وجود القادة العسكري وعناصر الإمداد، أو تنمية القدرات العسكرية في غزة ولبنان”.
إضافة إلى سوريا، لا يستبعد شاهين تطورا مماثلا في العلاقة مع الأردن. وهنا يرى جانبا آخر وهو “التوجه نحو المزيد من البراغماتية لدى الحركة التي تقدم نفسها لاعبا رئيسيا في الساحة الفلسطينية، وربما على مستوى الإقليم”.
وخلص إلى أن حماس أدركت المصالحات التي تتم على المستوى العربي والإقليمي وتوجّه الجميع إلى النظام السوري، وأنها إذا لم تتقدم خطوة ستبقى وراء الجميع.
قراءة لتقاربات المنطقة
بدوره، لا يرى مدير مركز يبوس للاستشارات والدراسات الإستراتيجية في رام الله، سليمان بشارات، إمكانية لقراءة عودة العلاقات بين حماس والنظام السوري بمعزل عن مجموعة من التقاربات الأخيرة في المنطقة.
ويضيف أن “هناك مجموعة عوامل عززت ودفعت باتجاه هذه الخطوة، أولها إدراك حماس أنها -كحركة تحرر وطني- ينبغي أن تبقي خطوط التواصل ممدودة مع أي خيار يتاح لها، والانفتاح على الجميع، حتى لا تقع في حالة انعزال سياسي عن بعدها العربي والإقليمي”.
ويرى بشارات أن حماس “تتقن الاستفادة من نافذة الفرص السياسية”، وتسعى للاستفادة من إعادة تعزيز محور الممانعة مقابل محور التطبيع، معتبرا أن ذلك يتلاقى مع رؤيتها بوصفها حركة تحرر.
ويضيف الباحث الفلسطيني أن الظروف التي لازمت خروج حماس من دمشق وحراك الثورات العربية تغيرت الآن؛ “وبالتالي بالإمكان إعادة تقييم القرار السابق، انطلاقا من توقعات التطورات للمستقبل”.
ويلفت بشارات إلى أن تحول حركة حماس في السنوات الماضية إلى عنوان سياسي للقضية الفلسطينية يتطلب منها التعامل بمعادلة تختلف عن كونها مجرد تنظيم مقاوم، وهذا الأمر يدفعها إلى التعامل بميزان العلاقات السياسية وانعكاساتها.
وتابع أن تمسك حماس بخيار المقاومة المسلحة يجعلها بحاجة إلى بيئة حاضنة لا توفرها الأنظمة السياسية الأخرى، رغم استقبالها القيادة السياسية للحركة.
أما عن المستفيد من عودة العلاقات، فيرى بشارات أن “معادلة الربح والخسارة لن تكون دقيقة الآن”.
ويضيف أنه من المبكر الحديث عن المستفيد، وعن عودة كاملة طبيعية للعلاقة أو الوجود، “فحماس يمكن أن تعزز حضورها السياسي كمرجعية للقضية الفلسطينية بشكل أكبر، في المقابل يمكن للنظام السوري أن يستفيد من إعادة الثقة له أمام التيارات السياسية المختلفة، وقد تفتح المجال أمام مصالحة سورية داخلية”.