تونس.. ملف “التسفير إلى بؤر التوتر” يعود من جديد وحركة النهضة تنفي
تونس- عادت قضية “تسفير تونسيين إلى بؤر التوتر” لتطفو على السطح من جديد بعد مثول رئيس حزب حركة النهضة راشد الغنوشي، ونائبه علي العريض، اليوم الاثنين أمام قسم شرطة مكافحة الإرهاب في تونس.
ويأتي استدعاء الغنوشي والعريض بعد أيام من إيقاف عضو مجلس شورى حركة النهضة الحبيب اللوز من قبل الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب للتحقيق في القضية ذاتها.
وكانت النائبة السابقة بالبرلمان عن حزب نداء تونس فاطمة مسدي تقدمت في ديسمبر/كانون الأول 2021 بشكاية للمحكمة العسكرية تتعلق “بشبكات التسفير إلى بؤر التوتر” التي أحالت الملف إلى القطب القضائي للإرهاب “لأنه يضم مدنيين وعسكريين”.
وأوضحت مسدي -في تصريحات إعلامية- أنها قدمت وثائق وأدلة تثبت “تورط قيادات من حركة النهضة في هذه القضية”.
وتأتي هذه القضية في مناخ سياسي متوتر تمر به تونس منذ إعلان الرئيس قيس سعيّد في 25 يوليو/تموز 2021 تدابير استثنائية أقال بموجبها الحكومة وعيّن أخرى وحلّ البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء وأعقبها بإصدار مراسيم ودستور وقانون انتخابي جديدَين.
خلل إجرائي
وأوضح رياض الشعيبي المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة للجزيرة نت، أن الاستدعاءين اللذين تسلمها الغنوشي والعريض تضمنت خللا إجرائيا كبيرا بعدم تضمنها سبب الاستدعاء واعتبر أن في ذلك “هضما لحق الدفاع والمعنيين بالاستدعاء”.
وأضاف أنه تم منع المحامين من الدخول مع العريض إلى التحقيق؛ ما دفعه إلى الامتناع عن الإجابة عن أسئلة الشرطة التي تراجعت بعد حضور الغنوشي وسمحت للدفاع بمصاحبتهما، ومن ثم خضعا للتحقيق في منطقة الأمن ببوشوشة لدى فرقة مكافحة الإرهاب “في قضية لا أساس لها ولا تحمل اتهامات جدية بحقهما”.
وردا على هذه النقطة، يوضح المختص في القانون آدم مقراني أنه يتم التنصيص في نص استدعاء المثول أمام الجهات الأمنية المعينة على تاريخ المثول والجهة التي سيتم المثول أمامها وأن الكشف عن موضوع البحث وسبب الاستدعاء يحصل بمجرد وصول المعنيين بالأمر ومثولهم أمام الطرف الأمني.
وأضاف للجزيرة نت أنه ووفقا لمجلة الإجراءات الجزائية كما تم تنقيحها في سنة 2016 يمكن للمعني بالاستدعاء الاستعانة بمحامي دفاع الذي بدوره بإمكانه طلب استشارة من وكيل الجمهورية في حال تبين له خرق الإجراءات ومس ضمانات المحاكمات العادلة؛ وهو ما يدخل في صلب دور المحامي.
قضية كيدية
ويؤكد الشعيبي أن “القضية كيدية تقدم بها أحد خصومهم السياسيين المعروفين بنزعتهم الإقصائية ضد حركة النهضة، وأن الإرادة السياسية الموجودة حاليا في الدولة والتي ترغب في تصفية حساباتها مع الحركة ومع مرحلة الانتقال الديمقراطي، تحاكم رمزين من رموز هذا الانتقال طوال السنوات الـ10 الأخيرة في محاولة منها لترذيل تلك المرحلة ولاتهامها بأنها مرحلة الفشل والإرهاب وهو غير صحيح”.
وبرأيه، فإن حركة النهضة مستهدفة اليوم من طرف السلطة السياسية بسبب مواقفها الرافضة للانقلاب والمطالبة باستئناف المسار الديمقراطي.
وكشف عن تحركات جهوية قريبة للمطالبة بالعودة إلى المسار الديمقراطي مؤكدا أن المُشكل في تونس اليوم لم يعد سياسيا فحسب، لأن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحادة التي تمر بها البلاد فاقمت الأوضاع ما “يبيّن بوضوح فشل السلطة الحالية وعدم قدرتها على تقديم الحلول اللازمة لمشاكل التونسيين”.
بدوره، أفاد المحامي والناشط السياسي سمير ديلو بأن القضاء لم يتعهد بما يعرف “بقضية شبكات التسفير” وبأنها مجرد أبحاث أولية لدى فرقة أمنية، “ولكن طبيعة التناول الإعلامي وعدم احترام سرية التحقيق وقرينة البراءة واستهداف طرف محدد يحيلون على أنها قضية سياسية بحتة”.
خلفيات سياسية وتصفية للمعارضين
وأكد ديلو للجزيرة نت أن خلفيات القضية سياسية نظرا لعدم وجود أفعال منسوبة، والاعتماد فقط على مجرد معطيات على موقع فيسبوك، وادعاءات من خصوم سياسيين، “خاصة أن الظرف السياسي لا يسمح بمحاكمة عادلة بسبب الضغوطات اليومية التي تمارسها السلطة على القضاء”.
كما تحدث ديلو عن محاولة السلطة صرف الأنظار عن الوضع السياسي وخاصة الاقتصادي والاجتماعي المتدهور الذي تعيشه البلاد.
ويرى أن النهضة ليست الوحيدة المستهدفة، بل “كل معارضي انقلاب سعيّد الذي يسعى إلى تعبيد الطريق أمام حكمه الفردي من خلال ترسانة قانونية عبر الدستور الذي كتبه بمفرده والقانون الانتخابي الذي وضعه بعيدا عن أي منحى تشاركي، والمرسوم الخاص بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال لإلجام الأفواه”.
وشدد ديلو على أن البلاد تتجه نحو مشهد بدون سياسة وأحزاب من خلال قانون انتخابي ألغى دور المرأة والأحزاب واستهداف كل الفاعلين السياسيين سعيا إلى إسكاتهم بالقانون.
من جهته، يرى الناشط السياسي والحقوقي كريم عبد السلام أن قضية “شبكات التسفير” ليست قانونية وأنها سياسية لمحاسبة معارضي النظام السياسيين وتصفيتهم”.
ورغم تحميله حركة النهضة جانبا من مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في تونس، فقد أكد عبد السلام -في حديثه للجزيرة نت- أن فتح هذه القضية يأتي في إطار سياسة “إلهاء العامة عن الوضع المعيشي… والتحركات الاجتماعية المقبلة، وأن الرئيس يحاول أن يستمدّ وجوده من عدائه لحركة النهضة”.
كشف الحقيقة
بالمقابل، تؤكد الباحثة في الاتصال السياسي سمية بالرجب أهمية هذه الاستدعاءات لاكتمال ملامح التحقيق في ملف “يُعدّ من أكثر الملفات خطرا على الأمن القومي التونسي وذلك لما ورد من أخبار في الإعلام حول عودة مقاتلين كانوا في سوريا إلى تونس”.
وأضافت للجزيرة نت أنه “من أكثر الملفات التي أساءت إلى صورة البلاد في الخارج ويجب أن نكتشف حقيقة ما حصل وأن تنشر هذه الحقائق للرأي العام”.
وترى بالرجب أن ردود الحركة “طبيعية لأنها كانت الحزب الحاكم لـ10 سنوات، وهي في نظر الرأي العام التونسي المسؤول الأول عن ملف التسفير، وأنه ومن الطبيعي أيضا أن تدعي بحث السلطات التونسية عن إلهاء الرأي العام عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لكن ذلك لن يغير حقيقة مسؤوليتها عما حدث في الماضي”.