واقع استثماري مترد في العراق رغم إقرار قانونه عام 2006.. تعرف على الأسباب
بغداد- منذ إقرار أول قانون للاستثمار سنة 2006، لم يتم إنشاء أي مصنع أو مشروع يوفر فرصا للعمل، في وقت ينمو فيه عدد سكان العراق بنحو مليون شخص سنويا، ويتوقع أن يصل العدد إلى 80 مليون نسمة خلال الـ20 سنة المقبلة، يرافقه تخرج عشرات الآلاف من الجامعات والمعاهد الحكومية والخاصة الذين ينضمون لجيش العاطلين.
منذ عام 2003، تجاوزت الأموال المخصصة للميزانيات العامة أكثر من 1.37 تريليون دولار، غير أنه لم يتم بناء أي مشروع أو مستشفى أو مدرسة أو شارع، فضلا عن المشاريع الإستراتيجية.
قانون الاستثمار وحده لا يضمن تشجيع الاستثمار الأجنبي، فجذب رؤوس الأموال لتطوير البنى التحتية وإدخال التكنولوجيا الحديثة يتطلب وسائل وظروفا وشروطا لابد من العمل على توفيرها في البلاد، كما يرى المستشار الاقتصادي لبرلمان إقليم كردستان الدكتور أرشد طه.
الشرط الكافي -وفق طه- هو خلق بيئة منافسة مناسبة لتشجيع الإنتاج وخلق قيمة مضافة متأتية من الصناعات البتروكيميائية والتحويلية والصناعات الثقيلة وقطاع التكنولوجيا، فضلا عن الاستقرار السياسي والأمني كون رأس المال جبانا.
ولا يملك العراق من كل ذلك سوى قانون استثمار يتعارض مع قوانين الوزارات؛ لذلك أصبحت عملية الاستثمار عبارة عن الحصول على الأراضي وبيعها، بدلا من جذب رؤوس الأموال من الخارج.
النفقات الاستثمارية
تتكون الموازنة المالية في العراق من شقين؛ الأول تشغيلي وتذهب مخصصاته كالرواتب والأدوية والبطاقة التموينية وغيرها، والشق الثاني الاستثماري الذي يؤشره مستشار الحكومة العراقية للشؤون الاقتصادية الدكتور مظهر محمد صالح في موازنة 2021، من نفقات استثمارية للمشاريع الجديدة والمستمرة والتخصيصات الرأسمالية بما يزيد على 29 تريليون دينار (21 مليار دولار)، أي ما يعادل 10% حجم الناتج المحلي الإجمالي لعام 2021 الذي كان 209 مليارات دولار.
ويقدر المستشار الحكومي المشاريع المتعثرة المتراكمة بنحو 6 آلاف مشروع، قدرت كلفها المالية بين 160-200 مليار دولار، مشيرا إلى أنه صُرف على جزء منها نحو 35 مليار دولار كمصروفات جزئية وسلف.
وكشف صالح أيضا عن تنفيذ الحكومة حاليا حزمة مشاريع استثمارية كانت متوقفة استنادا للقانون الطارئ للأمن الغذائي والتنمية رقم 2 لسنة 2022، وعدها بالمئات ومحددة بسقف إنفاق نص عليه القانون لتلك المشاريع في المحافظات.
ويستدرك المستشار قائلا إنه في حال إقرار قانون الموازنة سيتم الشروع بحزمة مشاريع جديدة إستراتيجية، منها ما يتعذر المضي فيها بسبب غياب الموازنة التي لا تقل نسبتها عن 10-15% من إجمالي المشاريع التي هي في طور التنفيذ، إذ يعتمد الأمر على التخصيصات السنوية للموازنة الاستثمارية في زيادة نسبة المشاريع الجديدة المدرجة بسبب المشاريع المستمرة.
الفساد في الاستثمار
من جهتها، تختلف عضوة البرلمان العراقي زينب الموسوي مع صالح وتحدد حجم المشاريع الاستثمارية المتلكئة منذ عام 2003 بنحو 9 آلاف مشروع وتذكر أن قيمها النقدية تقدر بنحو 300 مليار دولار.
وأوضحت الموسوي -في حديث للجزيرة نت- أن أغلب هذه المشاريع استثمارية وخدمية، ووزعت على رجال أعمال وشركات ليست سوى واجهات لجهات سياسية نافذة، وما زالت تحصل هذه الشركات على أغلبية الفرص الاستثمارية في الوقت الحالي من دون تنفيذ، حسب رأيها.
يذكر أن رئيسة الهيئة الوطنية للاستثمار، سها النجار، أقرت في وقت سابق بوجود أكثر من 400 ألف دونم من أراضي الدولة كانت محجوزة تحت مظلة المشاريع الاستثمارية الوهمية وغير المنجزة، تقدر قيمتها بنحو 90 تريليون دينار (62 مليار دولار).
المخاطر الاستثمارية
ورغم امتلاك العراق فرصا استثمارية كبيرة ومتنوعة، فإن تدفق الاستثمار الأجنبي إليه لا يزال ضعيفا نتيجة الاضطرابات السياسية والأمنية والبيروقراطية الإدارية التي تسهم في تعاظم المخاطر الاستثمارية، والتي من شأنها رفع كلف رأس المال والتأمين ومضاعفته بشكل كبير مقارنة بدول المنطقة العربية، وفق الباحث الاقتصادي بسام رعد.
ويقول رعد -للجزيرة نت- إن العراق احتل المرتبة 172 من أصل 191 دولة في مؤشر “سهولة ممارسة الأعمال” (DOING BUSINESS) الصادر من البنك الدولي، في حين أن دولة قطر احتلت المرتبة 77 في المؤشر، وهنا يقارن الباحث الاقتصادي بين نجاح قطر في الاستثمار وإخفاق العراق في ذلك.
ويضيف أن المهارات البشرية تراجعت بسبب ضعف مخرجات التعليم؛ فهي بحاجة للتطوير لمواكبة المتطلبات الدولية للعمالة من أجل جذب الاستثمار حيث لا يشكل رأس المال البشري في العراق أكثر من 15% من إجمالي الثروة، وهو أدنى المعدلات في الشرق الأوسط.
الاستثمار الكردي
على عكس المحافظات العراقية، شهد إقليم كردستان استقرارا سياسيا وأمنيا، خصوصا بعد عام من إقرار قانون الاستثمار في 2006 حتى عام 2014، حين تكالبت الأزمات على الإقليم من الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وعدم إرسال الحكومة الاتحادية حصة الإقليم من الموازنة، وانخفاض أسعار النفط، وهجرة ونزوح الملايين نحو المحافظات الكردية.
في تلك الفترة، حسب المستشار الاقتصاد لبرلمان كردستان أرشد طه، “نجحت حكومة أربيل في جذب رؤوس الأموال وتشجيع البناء، خاصة في القطاع السكني، وبعض النشاطات السياحية والصناعات الخفيفة والزراعية”.
ومع ذلك التطور، يشخص طه مشاكل وضعف ومعوقات بملف الاستثمار داخل الإقليم وتحيز نحو المشاريع السكنية المربحة جدا للمستثمرين، على حساب القطاعات الاقتصادية المنتجة، كالقطاع الصناعي والزراعي، التي تخلق قيمة اقتصادية مضافة وفرص عمل.
مؤسسات غير مجدية
هناك عدة مؤسسات حكومية ذات ثقل مالي كبير إلا أنها غير مجدية استثماريا، وفق خبير الإدارة المالية والاقتصادية مصطفى أكرم حنتوش، قائلا إن “صندوق التقاعد الوطني غير استثماري على خلاف قانونه”، متوقعا إفلاسه خلال السنوات العشر المقبلة.
وأرجع حنتوش -خلال حديثه للجزيرة نت- ذلك إلى عدم استثمار أموال الصندوق في مشاريع إستراتيجية حتى أصبح مخرجا للأموال فقط، على عكس دول العالم التي تولد الاستثمار من صناديق التقاعد وتجعلها مربحة ووفيرة السيولة النقدية.
في حين يكشف حنتوش عن المصارف الحكومية -منها الرافدين، الرشيد- التي تعتمد على فوائد القروض فقط ولا تمتلك استثمارات، مما جعلها متأخرة عالميا.
ويفيد حنتوش بأن الهيئة الوطنية للاستثمار وهيئات الاستثمار في المحافظات لم تقدم خططا سنوية للاستثمار بمجالات صناعية وزراعية وسكنية وغيرها التي تقوم الحكومة بتخصيص قطع الأراضي وشبكة الطرق لإنجاحها.
ويختتم الباحث حديثه بأن الخطة الاستثمارية السنوية -التي يبلغ مجموعها نحو ألفي مشروع- يجب أن تخضع للمزايدة العلنية التي يدخلها المستثمر من أجل إبعاد الرشوة عنها وكشف آلاف المشاريع التي قيمتها ملايين الدولارات في المحافظات.