الاخبار العاجلةسياسة

باحث أميركي: عندما تنهار الإمبراطوريات أو القوى العظمى تتفشى الفوضى وتندلع الحروب

تمثل الحروب لحظات مفصلية في تاريخ الدول، والحروب غير المشروعة قد تكون مميتة عندما تشكل ذروة سنام انحدار البلدان التي تخوض غمارها. وينطبق ذلك بوجه خاص على إمبراطوريات حكمت أجزاء من العالم مثل إمبراطورية هابسبورغ في أوروبا، والإمبراطورية العثمانية.

بهذه المقدمة استهل روبرت كابلان، رئيس كرسي روبرت شتراوس هوبي في الجغرافيا السياسية في معهد أبحاث السياسة الخارجية (فيلادلفيا/بنسلفانيا)، مقالا له في مجلة فورين أفيرز الأميركية (Foreign Affairs)، مستعرضا بعض الشواهد من التاريخ الحديث ليخلص إلى أن سقوط الإمبراطوريات أو القوى العظمى تتبعه فوضى واندلاع حروب.

ويزعم كابلان أن النازية والفاشية بشكل عام أثرت على دول وفصائل “إجرامية” في منطقة البلقان بعد انهيار إمبراطورية هابسبورغ ونظيرتها العثمانية، وعلى المفكرين العرب الذين درسوا في أوروبا ونقلوا أفكار تلك الحركتين إلى أوطانهم التي كانت قد استقلت للتو من الاستعمار، وبذلك ساهموا في صياغة أيديولوجية حزب البعث “الكارثية”.

القرن الـ 20 وليد الإمبراطوريات المنهارة

وتشكل القرن الـ20 إلى حد كبير من خلال انهيار إمبراطوريات الأسر الحاكمة في عقوده الأولى، وعبر الحروب والاضطرابات الجيوسياسية في العقود اللاحقة.

ويضرب الكاتب مثلا على ذلك بالشرق الأوسط، الذي لم يجد حتى الآن صيغة بديلة مناسبة للإمبراطورية العثمانية المنهارة، ويتضح ذلك من التقلبات الدموية التي شهدتها المنطقة طوال القرن الماضي.

ويرى الكاتب الأميركي ضرورة وضع تلك الأحداث التاريخية في الاعتبار عند النظر إلى الصين وروسيا والولايات المتحدة اليوم، التي قد تكون أكثر هشاشة مما تبدو عليه.

فقد أشعلت كل من روسيا في أوكرانيا، والولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، حروبا مدمرة للذات. أما الصين فإن “هوسها” بغزو تايوان قد يقودها إلى تدمير نفسها.

وهن الدولة العظمى مقدمة للارتباك والفوضى

وفي حال نال وهن مفاجئ أيا من الدول العظمى أو جميعها، فإن وتيرة الارتباك والفوضى ستزداد داخل حدودها وحول العالم. وستكون الولايات المتحدة “الضعيفة والمضطربة” أقل قدرة على دعم حلفائها في أوروبا وآسيا.

ورغم أن الدول العظمى الحالية لا تُعد إمبراطوريات، فإن روسيا والصين تحملان بعضا من إرثهما الإمبراطوري. وتعود جذور حرب الكرملين في أوكرانيا إلى دوافع كانت موجودة في كل من الإمبراطوريتين الروسية والسوفياتية، وتمثل نية الصين “العدوانية” تجاه تايوان صدى لمساعي أسرة تشينغ للهيمنة في آسيا.

ويمضي كابلان إلى القول إن الولايات المتحدة لم تكتسب يوما صفة إمبراطورية بشكل رسمي قط، إلا أن توسعها في أميركا الشمالية وفتوحاتها الخارجية “العَرَضية” أضفت عليها نكهة إمبراطورية في القرن الـ 19. كما تمتعت في حقبة ما بعد الحرب بقدر من الهيمنة العالمية لم تكن معروفة في السابق إلا للإمبراطوريات.

القوى العظمى الحالية مستقبلها غامض

ويضيف المقال أن هذه القوى العظمى الثلاث (روسيا والصين والولايات المتحدة)، تواجه اليوم مستقبلا يكتنفه الغموض لا يُستبعد فيه انهيارها أو تعرضها لنوع من التفكك.

وحتى لو انتصرت روسيا بطريقة ما في أوكرانيا، فسوف يتعين عليها مواجهة كارثة اقتصادية جراء انفصالها عن اقتصادات الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى ما لم يكن هناك سلام حقيقي، وهو أمر يبدو الآن غير مرجح، وفق الكاتب.

ولعل روسيا هي بالفعل رجل أوراسيا المريض مثلما كانت الإمبراطورية العثمانية في أوروبا. أما الصين، فقد تباطأ نموها الاقتصادي السنوي من رقمين عشريين إلى رقم واحد، وربما يصل قريبا إلى أرقام فردية منخفضة. فقد هربت رؤوس الأموال منها حيث باع المستثمرون الأجانب عدة مليارات من الدولارات من السندات الصينية وأسهمهم في أسواق مالها المقدرة بمليارات أخرى من الدولارات.

وتزامن ذلك مع تراجع الاستثمار القادم من الخارج وتقدم سكانها في العمر، وتقلصت قوتها العاملة في وقت وصل فيه الاقتصاد الصيني مرحلة النضج. ويرى كابلان أن كل هذه العوامل لا تبشر بخير بالنسبة لاستقرار البلاد الداخلي في المستقبل.

مشاكل أميركا ليست أقل حدة

وينتقل الكاتب بعد ذلك للحديث عن الولايات المتحدة، التي يصفها بأنها دولة ديمقراطية، ومن ثم فإن مشاكلها تظهر بقدر أكبر من الشفافية. غير أن ذلك لا يجعل مشاكلها تلك بالضرورة أقل حدة، كما يقول.

إن الحقيقة هي أنه مع ارتفاع عجز الموازنة الاتحادية إلى مستويات لا تطاق، أسفرت عملية العولمة ذاتها عن تقسيم الأميركيين إلى نصفين متحاربين: أولئك الذين انجرفوا وراء قيم حضارة جديدة عالمية النطاق، وأولئك الذين يرفضونها من أجل حياة أكثر تقليدية وتبنيا لقومية دينية.

لقد كانت الولايات المتحدة ديمقراطية شعبية تعمل بشكل جيد في عصر الطباعة والآلة الكاتبة، لكنها أقل بكثير في العصر الرقمي، الذي تسببت ابتكاراته في تأجيج غضب شعبوي أدى إلى صعود دونالد ترامب، بحسب المقال.

3 سيناريوهات للوضع العالمي

وبسبب تلك التحولات، يرسم كابلان 3 سيناريوهات -أو احتمالات- يرجح أنها قد تتمخض عنها قوة عالمية جديدة. الاحتمال الأول أن تضمحل قوة روسيا سريعا بسبب حربها غير المشروعة، وتكتشف الصين أنه من الصعب عليها بمكان امتلاك قوة اقتصادية وتكنولوجية مستدامة في ظل نظام حزب شيوعي يعود يوما بعد يوم لتبني نهج لينيني “متشدد”، في حين تتغلب الولايات المتحدة على اضطراباتها الداخلية وتعاود الظهور كقوة كما فعلت عقب الحرب الباردة مباشرة.

والاحتمال الآخر أن ينشأ عالم ثنائي القطب حقيقي تحافظ فيه الصين على ديناميكيتها الاقتصادية حتى عندما تصبح أكثر استبدادا.  وثالث تلك الاحتمالات أن تشهد القوى الثلاث تراجعا تدريجيا يفضي إلى حالة أكبر من الفوضى في النظام العالمي، مع وجود قوى متوسطة المستوى، لا سيما في الشرق الأوسط وجنوب آسيا -وهما منطقتان تبدوان أقل تحفظا مما هما عليه بالفعل- ودول أوروبية غير قادرة على الاتفاق على كثير من الأمور في غياب قيادة أميركية قوية، حتى في الوقت الذي أصبحت فيه القارة مهددة من قبل روسيا “فوضوية” على حدودها.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى