الاخبار العاجلةسياسة

“أسراب” الزوجات وجلود النمور ورقصات الموت.. الزولو قصة الشعب المحارب الذي هزم بريطانيا

لم يكن “شاغا” زعيم قبائل الزولو ومؤسس مملكتهم الأولى أكثر من طفل بائس ولد من علاقة غير شرعية مع امرأة تُدعى ناندي، ولأن التقاليد السائدة ترفض الاعتراف بمولود لأم من خارج العشيرة فقد عاش الولد منبوذا، لكن أسنة الرماح المذربة قضت له بعد ذلك بأن يكون الزعيم المؤسس لمملكة وسلطان قبائل الزولو، وأن يتدرج من نسله ونسل حلفائه ملوك هذه القبيلة التي تعد أهم وأكبر قبائل أفريقيا وأكثرها سطوة وحضورا في التاريخ السياسي والحاضر الإعلامي في جنوب أفريقيا، بل في القارة السمراء كلها.

وغطت شهرة “شاغا” الآفاق بعد أن استطاع رجاله البواسل الحفاة هزيمة الجيش البريطاني، وكلفوه في يوم واحد أكثر من 1300 من القتلى البيض الذين سقطوا تحت الرماح والسهام التي أطلقها رجال الزولو أشباه الحفاة وأشباه العراة.

لم تطل حياة “شاغا” فقد امتدت بين 1787 و1828م، لكنها كانت الحدث الأهم في تاريخ الزول، الذين انتقلوا من قبيلة مشتتة في حدود الألفي محارب إلى قومية فعلية تضم 11 مليونا، ولها كيان سياسي وتقاليد دينية وثقافية، ودور مؤثر في حاضر ومستقبل بلاد الزولو (جنوب أفريقيا)، ولهم امتدادات في دول أفريقية مجاورة.

ويحتفي الزولو كل سنة بذكرى “شاغا” الذي تحول إلى بطل أسطوري، حيث يلتقي الزعماء عند قبره في ذكرى وفاته، ليلقي الملك خطاب التكريم، ويتبارى الزعماء في الزهو والفخر بانتمائهم إلى قبائل الزولو.

واستطاع شاغا تأسيس مملكة كبيرة مترامية الأطراف تمتد على طول ساحل المحيط الهندي، وتحديدا من نهر توجيلا في الجنوب إلى نهر بونغولا في شمال جنوب أفريقيا.

يمتاز مجتمع الزولو ببنية هرمية تسمح لكل مجموعة ضيقة أو أسرة كبيرة باختيار زعيمها الخاص والمحلي، ويتيح هذا التنظيم وجود عدد كبير من الأمراء والسلاطين الصغار الذين يتبعون الملك العام للزولو.

وخلال الأسابيع المنصرمة، تم تنصيب الزعيم ميسوزولو كا زويليثيني خلفا لوالده الذي ترك 28 ولدا غير مجمعين على أحقية الملك المتوج أخيرا بالحكم، بالإضافة إلى خلافات أخرى حول الثروة الطائلة التي خلفها الملك الراحل غودويل زويليثيني الذي غادر الحياة عن 72 سنة، منها 50 سنة قضاها في الحكم.

King of Amazulu nation Misuzulu kaZwelithini (C) holds a spear as he sings with Amabutho (Zulu regiments) during his coronation at the KwaKhangelamankengane Royal Palace in Kwa-Nongoma 300km north of Durban on August 20, 2022. - Thousands of people gathered at the Zulu royal palace in South Africa on August 20, 2022, for the coronation of the new king in the country's richest and most influential traditional monarchy. Misuzulu Zulu, 47, is set to succeed his father, Goodwill Zwelithini, who died in March last year after 50 years in charge but a bitter succession dispute threatens to overshadow the ceremony. (Photo by Phill Magakoe / AFP)
ملك الزولو الجديد يغني ويحمل رمحا خلال احتفالية تتويجه ملكا (الفرنسية)

يحمل الملك الجديد مسؤولية الحفاظ على تقاليد وقيم الزولو، وتوطيد أدوارهم السياسية والثقافية في جنوب أفريقيا، وليست المهمة سهلة جدا؛ فتسارع الحداثة استطاع القضاء على كثير من الثوابت التقليدية للزولو، كما أن انتشار المسيحية حوّل الملايين من الزولو من عقيدتهم الوثنية إما إلى المسيحية أو الإسلام، ومع ذلك ما زال لبعضهم ارتباط بشخصية ومكانة “الإله أونكلو نكولو” الذي يعدّونه الأب الفعلي لهم، والذي علمهم الصيد وإشعال النار، وترك كلمته باقية في أرواح الأسلاف الذين يملكون تأثيرا قويا على الأحياء خيرا أو شرا، وفق العقائد التي سادت فترة من الزمن في مجتمع الزولو.

إيماكوسيني المقدسة.. قرون الحيوانات التي تؤرخ للزعماء

تحظى منطقة إيماكوسيني بتقدير خاص لدى قبائل الزولو، وتوجد بهذه المنطقة تلة ذات رمزية كبيرة، حيث دفن فيها 7 من ملوك هذه القبيلة، وهم: زولو كامالانديلا، وجواسينكولو، وبونغا، وماكبيبا، ودابا، وجاما، وسانزنكاكونا. ويقام فيها احتفال سنوي يتوافد إليه القادة والرموز.

وبنيت على هذه التلة منصة تحتوي على كثير من “الرموز”، منها 7 قرون تؤرخ للعلاقة بين شعب الزولو والحيوانات البرية، كما يرمز كل منها إلى واحد من الملوك السبعة، وهذه القرون هي: قرن ظبي الجبل المعروف في لغة الزولو “بإينمالا”، وقرن البقرة الوحشية (إنغويا مانغوني)، وقرن ظبي العَلنّد (إينبوفو)، وناب الفيل (دوفو)، وقرن الكَوْد (أونكاتا)، وقرن حيوان البُنغو، وقرن وعل الأدغال (أونكونكا).

سرب من الزوجات ورقصات الموت.. تقاليد غريبة لمجتمع الزولو

ويمتاز الزولو بمجموعة من العادات الغريبة في مختلف طقوس الحياة، خاصة الملابس التقليدية التي تتشكل من تنورات قصيرة معدة من جلود النمور أو الثيران، وتنتهي مهمتها في الغالب بما يضمن تغطية العورة، ويمتاز زي الرجل أيضا بعنصر مهم وهو الرمح المسنن، أو السهام التي براها من أشجار مختارة لهذا الغرض، ويقوم مجتمع الزولو على مجموعة من التقاليد تتضمن احترام الأكبر وتقدير الزعماء والخضوع لسلطة السحرة والحكماء.

ويتولى الرجال رعاية المواشي التي تُعفى المرأة من خدمتها، لكنها تقوم بأعمال الزراعة ومهام الطبخ وسائر أعمال البيت.

اقرأ ايضاً
الدفاع السعودية: سقوط مقاتلة بسبب خلل فني ونجاة طاقمها

وتخضع المرأة “الزولية” الريفية لسلسلة من التقاليد تفرض عليها المبالغة في تقدير زوجها، حيث ينبغي أن تركع عند دخول كوخهما وأن تجلس إلى يسار زوجها، على الأرض أو على الحصير، ولكن لا يمكن أن تجلس على كرسي مثله.

ويفترض في المرأة المتزوجة أن تلبس تنورة أطول مما تلبسه غيرها، وأن تضع قبعة على رأسها، أما العازبات فيتخففن غالبا من الثياب، ومن المعيب أن تنظر المتزوجة إلى عيني زوجها مباشرة، مما يدفعها دائما عند الحديث معه إلى مشاغلة نفسها بأعمال أخرى تتطلب التركيز بدل “جاذبية عيون الزوج”.

وعند بلوغ البنت 21 سنة، فإنها تحظى باحتفال خاص، حيث يتم إخفاؤها أسبوعا داخل كوخ من دون أن تتمكن من لقاء الشباب، وبعد انتهاء أسبوع “الحجر المنزلي” تضج القرية بالرقص والاحتفال، قبل أن يتقدم إليها والدها شاكرا لأنها حافظت على عذريتها إلى هذه السنة، وينتهي هذا الاحتفال المعروف باسم “مور مي” بحفلة خاصة، يوضع خلالها رداء على جسد الفتاة، ويتم وضع الهدايا على هذا الرداء، ومن ثم تصبح للفتاة حرية اختيار مستقبلها مع زوج أو صديق.

مهر من الأبقار ومظلة وسكين.. طقوس الزواج الغريبة

يمثل الزواج هو الآخر ميدانا لطقوس الزولو، ويكون المهر غالبا بين 11 و24 بقرة فأكثر حسب الظروف والقدرة المادية للعريس، ويمنع على العروس ارتداء كثير من الملابس حين دخول الضيوف إلى منزل العرس، بل تكتفي بقبعة وغطاء يستر الجسد، ولكن عليها أن تغطي وجهها “بنقاب” خفيف معد من الخرز يحمل اسم “إنفاغازي”، وتحمل العروس مظلة وسكينا، وذلك لتأكيد تقلبات الحياة وصعوبتها.

وفي مجتمع الزولو يشيع تعدد الزوجات والعشيقات، بل قد تصل زوجات الرجل إلى أكثر من 40 سيدة مع سرب آخر من الصديقات والعشيقات.

ورغم التحولات الاجتماعية الكثيرة التي تعصف بكثير من العادات، فإن مجتمع الزولو ما زال يحافظ على تلك العادة التي تثير في الغالب لغطا واسعا في مجتمعات أخرى.

رقصات الموت.. حفلات لتوديع الجنائز

يمثل الرقص عنصرا أساسيا في حياة الزولو، وبإيقاع فريد يقفز الجميع إلى الأعلى ويركزون رماحهم أو عصيهم الطويلة في الأرض، ويأتي الرقص عندهم تعبيرا عن الفرح والحزن، أو استعدادا للحرب والسلم، أو احتفاء بالعريس، أو توديعا للميت.

ومن بين طقوس توديع الموتى أيضا الاحتفاظ بالجنازة 6 أيام، حتى يتم إبلاغ كل أقاربه برحيله، وعند حفر القبر يتولى أحد الكهنة تلاوة الصلوات عليه لمباركة القبر، قبل أن يتم إنزال التابوت الملفوف ببطانية جديدة، ورفعه على مجموعة من العصي داخل القبر، وطيلة هذه الأعمال يتم إبلاغ الميت ومخاطبته بما يجري حوله، وذلك لتطييب خاطره، كما تنظم على جوانب القبر رقصات الوداع وتصاحبها أهازيج الغناء حتى يكون الميت سعيدا في ما هو مقبل عليه من عالم آخر.

زعماء الزولو.. رواتب ضخمة لملوك شرفيين

يصل عدد الملوك الكبار في جنوب أفريقيا إلى نحو 10 أشخاص متوجين، أما الزعماء القبليون فيصلون إلى نحو 6 آلاف شخص، ورغم أن جميع هؤلاء لا يتمتعون بصفة تنفيذية رسمية، فإن السلطات المتعاقبة تعاملهم بوصفهم جزءا أساسيا من الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد.

Zulu King Goodwill Zwelithini ka Bhekuzulu (2ndL) and senior Prince of the Zulu Nation and former leader of the Inkatha Freedom Party ( IFP ) Prince Mangosuthu Buthelezi (R) join thousands of people to commemorate King Shaka's Day Celebration near the grave of the great Zulu King Shaka at Kwadukuza, some 98 kilometres north of Durban, on September 24, 2019. - The celebration was also to commemorate national Heritage day. (Photo by RAJESH JANTILAL / AFP)
ملك الزولو الراحل زويليثيني (وسط) (الفرنسية)

وتقضي الأعراف المستقرة في البلد بأنه لا يمكن تجاوز هؤلاء الملوك والزعماء في التعامل مع الأزمات أو في مساعي توطيد السلم، ويكلف هؤلاء الملوك خزينة الدولة رواتب وامتيازات تصل إلى 66 مليون دولار سنويا، إضافة إلى إكراميات متعددة، وفرص أخرى لا تتوفر لغير الملوك.

وعلى سبيل المثال، فإن ملك الزولو الراحل زويليثيني يعد من أثرياء البلاد، واشتهر بأسلوب حياته الباذخ، ويتلقى نحو 75 ألف يورو من الدولة سنويا لاستخدامه الشخصي، وميزانية قدرها 4.2 ملايين يورو لتشغيل المملكة، حسب المنشور في الجريدة الرسمية.

وهو إلى جانب ذلك، يملك أراضي يديرها صندوق يقوده وحده، وتبلغ مساحة هذه الأراضي نحو 30 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل مساحة بلجيكا، كما يملك نحو 1500 عقار يمكن أن يجني منها عوائد إيجارية هائلة.

وتبعا لذلك فإنه يناط بالملك السهر على رفاهية رعاياه وتنمية مجتمعه، وفي إحدى المرات أهدى لزوجته السادسة قصرا بقيمة مليوني دولار، وحين رحل خلف وراءه 6 زوجات و28 ابنا على الأقل.

وينتمي إلى الزولو عدد كبير من الشخصيات المهمة، من بنيها رئيس جنوب أفريقيا السابق جاكوب زوما، ومفوضة الاتحاد الأفريقي السابقة، كما يعد حزب الحرية إنكاتا الصوت السياسي لقبائل الزولو واللسان الإعلامي لهذه القبيلة ذات التاريخ والتأثير المعروف.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى