الاخبار العاجلةسياسة

المعارضة وقيس سعيد.. لمن ترجح الكفة؟

يصادف اليوم الثلاثاء 25 يوليو/تموز ذكرى مرور عامين على الإجراءات الاستثنائية التي أقرها الرئيس التونسي قيس سعيد، ومع أن البعض يرى في بقائه في السلطة -رغم كل المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية المتردية- دليلا على ميل موازين القوى لصالحه فإن المعارضة تعتبر أن هناك عوامل موضوعية عدة ومتراكمة “ستسقطه”.

ورغم الحرارة الشديدة وحواجز الأمن المنتشرة في كل مكان بمداخل العاصمة تونس خرج الثلاثاء العشرات من أنصار جبهة الخلاص (أبرز مكون للمعارضة التي تشكل حركة النهضة الإسلامية عنصرا بارزا فيها) للاحتجاج على ما سموه “انقلابا على الديمقراطية” وللمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

وبدت الأجواء في قلب العاصمة باهتة، حيث لم يحتفِ نظام الرئيس قيس سعيد بذكرى عيد الجمهورية المتزامن مع تاريخ 25 يوليو/تموز من كل سنة، وهو التاريخ الذي اختاره قبل عامين لإعلان تدابيره الاستثنائية عبر التلفزيون الرسمي ليحكم بموجبها البلاد بقبضة قوية وصلاحيات واسعة النطاق.

وقبل عامين حل الرئيس سعيّد البرلمان المنتخب الذي كان يرأسه زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، وأسقط حكومة هشام المشيشي، وحلّ المجلس الأعلى للقضاء (أول هيكل قضائي منتخب بعد الثورة)، كما حل هيئة مكافحة الفساد، وألغى الدستور السابق وكتب دستورا وفق توجهاته.

جانب من الوقفة الاحتجاجية اليوم لجبهة الخلاص ضد الرئيس قيس سعيد/العاصمة تونس/يوليو/تموز 2023 (صورة خاصة)
وقفة احتجاجية نظمتها جبهة الخلاص ضد الرئيس قيس سعيد في ذكرى مرور عامين على إجراءاته الاستثنائية (الجزيرة)

إصرار المعارضة

ويحكم الرئيس قيس سعيد بموجب دستور سَنّه وعرضه على الاستفتاء العام الماضي، ويحمل في طياته خصائص النظام الرئاسي المطلق، حيث جعل القضاء وظيفة وأفرغ البرلمان من صلاحياته التشريعية والرقابية، فيما كدس بين يديه صلاحيات قوية، منها عزل القضاة وتعيينهم بجرة قلم، حسب معارضيه.

ورفع المحتجون اليوم شعارات مناهضة للرئيس، مثل “يسقط يسقط الانقلاب”، و”يا مواطن يا مقموع.. زاد الفقر زاد الجوع”، و”مقاومة مقاومة لا صلح ولا مساومة”، و”يا شعب يا جيعان.. الرئيس باعك للطليان (للإيطاليين)”، في إشارة إلى الاتفاق مع إيطاليا والاتحاد الأوروبي بشأن ملف الهجرة غير النظامية.

ويرى القيادي في جبهة الخلاص عجمي الوريمي أن بقاء الرئيس في السلطة بعد الانقلاب الذي دام سنتين لا يعني أن المعارضة فشلت في دورها في استعادة الديمقراطية، مؤكدا أن “المعارضة استطاعت بفعل إصرارها على الدفاع عن الحريات أن تصمد في وجه القمع المسلط عليها”.

ويقول الوريمي للجزيرة نت إن “أكبر مكسب حققته المعارضة في ظل سنتين من الاستبداد هو المحافظة على وجودها رغم حملة التوقيفات التي طالت رموز قوى المعارضة بمختلف مشاربها”، موضحا أن المعارضة لم تعدد مشتتة، بل أصبحت بمثابة جبهة واسعة للدفاع عن الحريات ومتضامنة في ما بينها ضد الرئيس.

وبشأن موازين القوى مع الرئيس، يؤكد الوريمي أن سعيد فقد شعبيته في الشارع ولم يعد له أنصار يتظاهرون للدفاع عنه، وأن بقاءه في السلطة مستمر لكونه مسنودا من “القوى الصلبة”، مشيرا إلى أن الرئيس يعلم أنه معزول ويتغذى من خطابه الشعبوي لتضليل الرأي العام وتعليق فشله على المعارضة.

اقرأ ايضاً
لأول مرة منذ عامين.. مجلس الوزراء السعودي يعقد جلساته حضورياً

وعن سبب ما يراه البعض من عدم التحام الشارع التونسي مع مكونات المعارضة، يقول الوريمي إن التونسيين رغم ما يعانونه من ويلات جراء غلاء المعيشة وارتفاع نسب التضخم وفقدان المواد الأساسية في ظل حكم الرئيس سعيد فإنهم لا يزالون يتدبرون أمرهم ويتكيفون مع تلك المعضلات، لكن الأوضاع “تنبئ بسيناريوهات وخيمة”.

عوامل “ستسقطه”

بدوره، يقول عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة بلقاسم حسن إن “كل قوى المعارضة مستبسلة في غلق قوس الانقلاب والعودة إلى وضع مسار الانتقال الديمقراطي”، مؤكدا للجزيرة نت أن هناك عوامل متراكمة أفقدت الرئيس شعبيته وعزلته سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ودبلوماسيا.

وأضاف “لا يمكن القول إن المعارضة فشلت في تعديل كفة الموازين لأن المنقلِب بقي عامين في السلطة”، مشيرا إلى أن الرئيس “أكبر معارض لنفسه بسبب سياساته الفاشلة وتجويعه الشعب وفقدانه الكفاءة والرؤية ودوسه على قيم الحرية والديمقراطية”، وهي عوامل موضوعية ستسقطه، وفق رأيه.

وتعيش تونس وضعا اقتصاديا واجتماعيا متأزما زاد حدة بسبب اختلال التوازنات المالية للدولة وارتفاع عجز الموازنة وعدم قدرة السلطات على تعبئة موارد الاقتراض بالعملة الصعبة، خاصة مع تعطل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، مما أثر سلبا على عمليات توريد المواد الأساسية كالحبوب والمحروقات والأدوية.

ويرى حسن أن الوقفات الاحتجاجية غير المنقطعة طوال عامين من التدابير الاستثنائية التي أعلنها الرئيس سعيد تثبت أن “المعارضة لا ترضخ للانقلاب مهما كلفها من اعتقالات أو انتهاكات”، وقال إن “الرئيس المخلوع بن علي بقي في السلطة 23 سنة، ولما قال الشعب كلمته سقط في لمح البصر”.

جانب من احتجاجات المعارضة ضد الرئيس قيس سعيد/العاصمة تونس/ديسمبر/كانون الأول 2023 الجزيرة نت
معارضو الرئيس قيس سعيد يتحدثون عن تدهور عام في تونس بعد إجراءاته الاستثنائية (الجزيرة)

“فساد الأحزاب”

في المقابل، يرى أنصار الرئيس قيس سعيد أنه يستمد قوته وبقاءه على رأس الدولة بأريحية من جزء مهم من الشعب الذي عانى بشكل كبير خلال العشرية الماضية “بسبب سوء الإدارة وتفشي الفساد والمحسوبية وانتهازية الأحزاب المتنافرة التي بقيت تتنازع في ما بينها لاقتسام المناصب”، وفق رأيهم.

ويبرر حاتم الورتاني -وهو أحد أنصار الرئيس سعيد- تردي الأوضاع المعيشية وفقدان أبسط المواد الأساسية وانتشار الطوابير بكثافة لشراء الخبز والقهوة والسكر والمحروقات “بسبب الأزمة المالية التي غرقت فيها البلاد نتيجة فساد الأحزاب التي حكمت طوال العشرية الماضية، وعلى رأسها حركة النهضة”.

ويقول إن الرئيس لم ينقلب على السلطة، لأنه وصل إلى الرئاسة في سنة 2019 بعد حصوله على أغلبية الأصوات في انتخابات ديمقراطية، معتبرا أن “المعارضة تسعى لشيطنته بكل الأساليب والحيل من أجل إزاحته من الحكم والعودة من جديد للسلطة والانتفاع بمزايا الحكم واقتسام كعكة المناصب”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى