رياضة

من مثانة الخنازير إلى الاستدامة.. كرة القدم كيف تُصنع؟ ومن ينتجها؟

تستحوذ كرة القدم على النصيب الأكبر من عشاق الألعاب الرياضية، سواء الفردية أو الجماعية، حول العالم حيث اتفقت الغالبية العظمى على وصفها بأنها “اللعبة الشعبية الأولى”.

ويتسمر الملايين من مشجعي كرة القدم خلف شاشات التلفزيون من أجل متابعة المباريات عامة ولقاءات فرقهم المفضلة خاصة، ومنهم من يسافر من بلد لآخر كي يحظى بفرصة التشجيع من على المدرجات.

ومع ذلك فإن كثيرين يجهلون كيف تتم صناعة الكرة والمواد المستخدمة فيها، مع الأخذ في الاعتبار أن شكلها وحجمها وحتى تصميمها يختلف مع تقدم الأيام والسنين.

أصبحت صناعة الكرات تحظى باهتمام كبير من الشركات العالمية الكبرى، إذ تعمل لأشهر من أجل إنتاج كرة بتصميم جميل وخلّاب، مع مراعاة باقي العوامل الأساسية الأخرى.

كيف بدأت صناعة كرة القدم؟

بدأ تصنيع أولى الكرات من مثانة الخنازير المنتفخة، مع تجميع أجزائها بأربطة، لينتج لنا كرة ثقيلة جدا، عانى اللاعبون الأوائل منها، حتى ظهر الأميركي تشارلز جوديير، الذي أوجد طريقة فعّالة لتقوية المطاط، وهو ما مهّد الطريق أمام تصنيع الكرات في العصر الحديث.

بعدها بدأ المصنعون في استخدام رقع الجلد على شكل أوجه سداسية وخماسية، حتى عُرف الشكل الأكثر شيوعا لها باسم كرة بوكي، نسبة إلى المهندس ريتشارد بكمنستر فولر.

يتألف شكل كرة القدم من 20 حلقة سداسية الأضلاع و12 أخرى خماسية، بحيث تكون ذرات الكربون على رؤوس تلك المضلعات، حتى تعطيها الشكل الكروي المطلوب، وتكون هذه الحلقات مصنوعة من الجلد أو البلاستيك الصناعي، ومخيطة معا بإحكام شديد.

ويتعين على المصنعين إنتاج كرات ذات شكل كروي، ولا تقل أبعادها عن 27 بوصة، ولا تزيد عن 28، وألا يقل وزنها عن 392 غراما، ولا يزيد عن 450 غراما.

تتكون الكرة أيضا من طبقات متعددة لضمان متانتها، بالإضافة إلى تقديم تجربة لعب أفضل للاعبين.

وتمنح الطبقة الخارجية المصنوعة من مادة “بولي يوريثين” (polyurethane) الكرة ما يلزم لمقاومة الماء، كما يسهم في حمايتها من الخدوش، في ظروف الطقس المختلفة شديدة الحرارة أو شديدة البرودة.

كما توجد بطانة بين الطبقتين الخارجية والداخلية، تتحكم في ارتداد الكرة، ويتم فيها استخدام مواد مثل البوليستر والقطن، الأول يعزز متانة وسرعة استجابة الكرة، والثاني يمنحها النعومة اللازمة.

أهم جزء في كرة القدم

أما الطبقة الداخلية فتعد من أهم أجزاء الكرة كونها تحمل الهواء، وتستخدم فيها مادتا “البوتيل” و”اللاتكس” بشكل منفصل، وكل مادة لها عيوبها وميزتها فيما يتعلق بالحفاظ على الهواء داخل الكرة وشكلها.

وتُعد مسألة حياكة الكرة أمرا بالغ الأهمية، لأنها الجزء المسؤول عن تثبيت حلقاتها وأشكالها ببعضها بعضا، وكان “البوليستر” هو المادة الأكثر شيوعا في خياطة الكرة نظرا لمتانته وقدرته على عدم امتصاص المياه، ثم دخلت مادة أخرى تُسمى “كيلفر” على الخط، وبدورها عززت متانة الكرة ومقاومتها للماء.

في مونديال جنوب أفريقيا 2010، قامت شركة “أديداس” (Adidas) بإنتاج كرة “جابولاني” (Jabulani) المثيرة للجدل، حيث تم تجميع حلقاتها عبر تقنية التسخين الحراري، مما جعلها أكثر سلاسة من سابقاتها، لكنها تعرضت لانتقادات شديدة من اللاعبين وحراس المرمى.

وفي المجمل، يخضع شكل الكرة وحجمها ووزنها وملمسها إلى معايير محددة، يجب على الشركات المصنعة الالتزام بها.

كرات كأس العالم

في أول نسخة من كأس العالم (أوروغواي 1930)، لُعبت كل مباراة بكرة مختلفة عن الأخرى، كونها صُنعت بأياد بشرية، كما تم استخدام كرتين مختلفتين في النهائي، بحيث لُعب الشوط الأول بالكرة الأرجنتينية “تيينتو” (Tiento)، أما الثاني فأقيم بكرة أوروغواي ذات الأربطة والتي حملت اسم “تي – موديل” (T – Model).

وفي البطولة الثانية (إيطاليا 1934) تم استبدال الأربطة الجلدية في الكرات بأخرى قطنية، الأمر الذي شجّع اللاعبين على ضربها برؤوسهم دون خوف أو قلق، ومع ذلك كانت تُعرض كرتان تحمل اسم “فيديرالي 102” (Federale 102) على قائدي المنتخبين قبل انطلاق المباراة، من أجل اختيار الأنسب بينهما.

وفي فرنسا 1938، كانت شركة “ألين” (Allen) صاحبة السبق في وضع علامتها التجارية على الكرة، التي ظهرت بشكل دائري أفضل من سابقتها، وتوفرت منها نسخ بـ12 إلى 18 رباطا.

اقرأ ايضاً
أول لاعب أردني يحترف في الدوري الفرنسي.. مونبلييه يتعاقد مع موسى التعمري

وفي مونديال 1950 تمت الاستعانة للمرة الأولى بكرة جلدية مغلقة بالكامل دون أربطة، وحملت اسم “دوبلو تي” (Duplo T)، واستخدمت في جميع مباريات البطولة.

وفي سويسرا 1954، اعتمد تصميم الكرات على 18 قسما متداخلا بطريقة متعرجة، وحملت اللون الأصفر، ولم يتغير الحال في مونديال السويد.

أما مونديال تشيلي 1962، فلم تنل كرة “كراك” (Crack) إعجاب المنتخبات الأوروبية لأكثر من اعتبار، منها عشوائية التصميم، فكانت مكونة من 18 جزءا، بعضها سداسي الشكل وأخرى مستطيلة.

وقبل مونديال 1966 بستة أشهر، أرسلت إنجلترا كرة “تشالنغ 4-ستار” (Challenge 4-Star) إلى المنتخبات المشاركة من أجل تجربتها.

أديداس تحتكر إنتاج كرات المونديال

ومنذ مونديال المكسيك 1970 حتى النسخة القادمة 2022، تقوم شركة أديداس بإنتاج الكرات الخاصة بكأس العالم، بعد اتفاق تاريخي مع الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” (FIFA).

وقدمت أديداس في 1970 الكرة “تيلستار” (Telstar) باللونين الأبيض والأسود، ثم أدخلت عليها بعض التعديلات الطفيفة في 1974 من أجل حماية جلدها لضمان مقاومتها للماء، وسُميت “تيلستار دورلاست” (Telstar Durlast).

 

وفي مونديال 1978 لعبت المنتخبات بكرة “تانغو” (Tango) التي تميزت باللون الأبيض مع مثلثات سوداء، تترابط فيما بينها بشكل دائري، قبل أن تدخل أديداس تعديلات عليها في إسبانيا 1982، عززت من قدرتها على مقاومة الماء، في وقت أصبحت فيه الفواصل بين أقسام الكرة مترابطة، مع الإبقاء على الخياطة.

وفي المكسيك 1986 استعانت أديداس بكرة “تانغو”، لكنها كانت الأولى المصنوعة من جلد صناعي وأُطلق عليها اسم “أزتيكا” (Azteca)، وأضيفت عليها بعض التعديلات الخفيفة في مونديال إيطاليا 1990 لتُسمى “إتريسكو” (Etrusco).

وبتصميم مستوحى من السفر عبر الفضاء، قدمت أديداس كرة مونديال أميركا 1994، حيث وُضع على سطحها رغوة البوليستيرين، مما جعلها أكثر نعومة، وساعدت اللاعبين على التحكم فيها رغم سرعتها، وسميت “كويسترا” (Questra).

أول كرة ملونة

وأقيم مونديال فرنسا 1998 بأول كرة ملونة (أزرق، أحمر، أبيض)، أطلق عليها اسم “تريكولور” (Tricolore)، وكانت أكثر سرعة ونعومة من سابقاتها بسبب تطوير طبقة الرغوة الخارجية.

 

في كوريا الجنوبية واليابان 2002 أطلقت أديداس كرة “فيفرنوفا” (Fevernova) التي كانت أخف من سابقاتها، تخلت فيها الشركة عن نموذج “تانغو”.

وفي مونديال ألمانيا 2006 تميزت كرة “تيمغيست” (Teamgeist) بقلة الشقوق بين أقسامها الـ14، وحصلت على أفضل نتائج اختبار مقارنة بسابقاتها، وكانت المرة الأولى التي يتم فيها تخصيص كرات لكل مباراة على حدة، حيث كانت تفاصيل كل مباراة مطبوعة عليها.

وقلصت أديداس أقسام “تيمغيست” من 14 إلى 8، سعيا منها لإنتاج كرة أكثر دائرية ونعومة خلال مونديال 2010 في جنوب أفريقيا، لكنها كانت أسوأ كرة في تاريخ كأس العالم، وتسببت في صعوبات كثيرة لحراس المرمى واللاعبين بسبب سرعتها في الهواء.

تفادت أديداس الأزمة في مونديال 2014، وصنّعت كرة “برازوكا” (Brazuca) قلّصت فيها الشركة أقسام الكرة إلى 6، وأخضعتها لاختبارات عديدة، قبل أن ترسلها إلى المنتخبات المشاركة لتجربتها.

وفي مونديال روسيا 2018 أعادت أديداس إصدار كرة 1970، فأصبحت “تليستار 18” (Telstar 18)، أول كرة تعود للأبيض والأسود منذ مونديال أميركا 1994، ووضعت شعارها وكأس العالم عليها باللون الذهبي.

وتميزت الكرة بوجود أقسام سوداء ذات تأثير فسيفسائي.

ومن أجل المونديال القطري 2022، جهزت أديداس كرة تتمتع بقدرتها على التنقل في الهواء أسرع من أي كرة أخرى، أسمتها “الرحلة”.

راعت أديداس مسألة الاستدامة في تصميم الكرة، في سابقة تاريخية في تاريخ المونديال، حيث صُنعت من الأحبار والمواد اللاصقة القائمة على الماء، بالإضافة إلى جلد صناعي محكم مكون من 20 قطعة، يساعد في تحسين دقتها واستقرارها أثناء الكرات العالية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى