يوم الغذاء العالمي.. لماذا أفريقيا قارة غنية وأهلها جائعون؟
تتفوّق قارة أفريقيا في المساحة على الولايات المتحدة والصين واليابان والهند وكل أوروبا مجتمعة، وتتوافر على إمكانات هائلة في المجال الزراعي حيث الأراضي الواسعة والمياه الوفيرة في أغلب أقاليمها، إلا أنها أصبحت قارة مستهلِكة ويعاني سكانها من الجوع وأزمات الغذاء المتتالية.
الزراعة في أفريقيا
تُعد الزراعة أحد أهم الأنشطة الاقتصادية في أفريقيا، حيث توفر العمل لنحو ثلثي القوة العاملة، كما تشكّل ما نسبته 30 إلى 60% من الناتج الإجمالي المحلي في البلدان الأفريقية، ونحو 30% من قيمة الصادرات.
وما تزال الزراعة تمارَس بالأساليب التقليدية ما عدا في جنوب أفريقيا وكينيا وزيمبابوي، كما تعد محاصيل الذرة والقمح والأرز الحبوب الرئيسية من حيث الإنتاج، وتُزرع في جميع مناطق القارة.
إمكانات أفريقيا الزراعية
تبلغ مساحة الأراضي الزراعية 630 مليون هكتار، وهو ما يساوي 21% من مساحة القارة، و25% من الأراضي الزراعية في العالم، ولكنها تنتج 10% فقط من الغذاء العالمي، ويعتمد 50% من سكانها على النشاط الزراعي الذي يشكّل 30% من الناتج المحلي.
وتمتلك أفريقيا 60% من الأراضي غير المزروعة في العالم، ولم يُستغل منها حتى الآن سوى 6% فقط، ويبلغ متوسط سقوط الأمطار فيها سنويا 738 مم، وبإجمالي 22.3 ألف كيلومتر مكعب، مع معدلات تبخر عالية تصل إلى 80%.
وتشكل الموارد المائية المتجددة نحو 20% فقط من إجمالي كمية الأمطار (تتركز 71% من المياه الأفريقية وسط القارة وغربها)، وتبلغ كمية المياه السطحية المتجددة 4050 مليار متر مكعب، وهو ما يساوي 90% من المياه السطحية العالمية.
انعدام الأمن الغذائي
تُقدّر اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن نحو 346 مليون شخص في أفريقيا يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهو ما يعني أن ربع سكان القارة ليس لديهم ما يكفي من الطعام، وأن 27 مليون شخص يعانون من الجوع، وسيصل عددهم إلى 38 مليونا قبل نهاية العام الجاري.
وتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية في جنوب الصحراء الأفريقية بنسبة 12.2% هذا العام، ويعد هذا المعدل الأعلى منذ نحو عقدين من الزمان.
وارتفعت أسعار المواد في بعض البلدان الأفريقية بنسبة 40% كإثيوبيا، وفي بعضها 50% مثل كينيا، وزادت أسعار القمح بنسبة 63%، وتراجعت القوة الشرائية بنسبة 40%، مما ترك القطاعات الفقيرة في أوضاع حرجة جدا تهدد القارة الأفريقية برمتها.
ما أسباب أزمة الغذاء في أفريقيا؟
الأسباب المؤدية إلى الأزمة الغذائية في أفريقيا كثيرة، ومنها العوامل المحلية والخارجية وأخرى ذات علاقة بالتحولات المناخية؛ إذ كشفت دراسة أميركية -نشرتها مجلة “مستقبل الأرض”- عن أن الحرارة في أفريقيا ارتفعت بمقدار 3 درجات مئوية؛ مما سيؤدي إلى عدم قدرة دولها على المواءمة بين متطلبات السكان وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
ولفتت الدراسة إلى أنه بحلول عام 2075، فإن الإنتاج الغذائي في أفريقيا سيصبح كافيا لإطعام 1.35 مليار نسمة فقط من بين 3.5 مليارات؛ وهو تعداد سكان القارة المتوقع في ذلك التاريخ، وذلك لعدة أسباب:
- تدهور الأراضي الزراعية بسبب التعرية الشديدة وزيادة ملوحة الأرض وضعف البنية التحتية كالطرق والطاقة، وسوء وسائل تخزين المحاصيل التي تُفقد أفريقيا 50% من محاصيلها، إضافة إلى ضعف التسويق والاتصالات وانتشار الأمراض.
- الصراعات والنزاعات؛ حيث يعيش 60% من جياع العالم في مناطق النزاع، وأغلبهم في أفريقيا؛ إضافة إلى الحرب المستعرة بين روسيا وأوكرانيا.
- التحولات المناخية تؤثر على المحاصيل وتدمّر سبل العيش وتقوّض فرص توفير الغذاء؛ إذ تفيد الأبحاث بأن تغير المناخ سيخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 15% بحلول 2030؛ وهو ما يعني أن 100 مليون شخص إضافي سيواجهون الفقر بحلول نهاية هذا العقد.
- جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية زادت حدة الجوع إلى مستويات غير مسبوقة.
- ترك الدول الأفريقية المحاصيل الأساسية المحلية التي كانت تعتمد عليها في الماضي، وتوجهت نحو استهلاك القمح بدل الاعتماد على مصادرها المحلية.
- سوء التخطيط الاقتصادي والاهتمام بالمحاصيل النقدية على حساب المحاصيل الغذائية.
- تتعرض منطقة شرق أفريقيا إلى موجة جفاف لم تشهدها منذ 50 عاما، وتهدد ما يزيد على 15 مليون شخص بالمجاعة.
آثار الحرب الروسية الأوكرانية
ربما لم يدر بخلد كثيرين أن الحرب الروسية في أوكرانيا ستكون لها آثار كارثية على قارة مثل أفريقيا، إلا أن حجم التأثير كبير وفاق كل التوقعات:
- تستورد أفريقيا نحو 50% من واردات قمحها من روسيا وأوكرانيا، وتمثل هذه نصف تجارة أفريقيا مع أوكرانيا والبالغة 4.5 مليارات دولار، ونحو 90% من تجارتها مع روسيا والبالغة 4 مليارات دولار، وفق إحصاءات بنك التنمية الأفريقي.
- بعد أسبوع من بداية الحرب، ارتفعت أسعار القمح في مصر بواقع 55 دولارا للطن، وارتفعت أسعار الحبوب في أغلب الدول الأفريقية بنسبة 25% في غضون أسابيع من اندلاع الحرب.
- بعد الحرب الروسية الأوكرانية ارتفعت أسعار الأسمدة بنسبة 300%، مما صعّب وبشكل متزايد زراعة ما يكفي من القمح والذرة والأرز والمحاصيل الأخرى.
- يتوقع الخبراء وكنتيجة لتأثير الحرب أن تضرب أفريقيا موجات ارتفاع في معدلات التضخم وأسعار المواد الغذائية قبل نهاية العام الحالي، إذ يتم حظر سلاسل التوريد والواردات الزراعية وارتفاع أسعار الأسمدة والسلع.
- أصدرت 11 منظمة دولية تصريحا تحذر فيه من أزمة غذاء غير مسبوقة في غرب أفريقيا بسبب الصراعات الداخلية والتغيّر المناخي عمّقتها الحرب الروسية الأوكرانية.
الجهود المبذولة لتخفيف الأزمة
تستهلك أفريقيا سنويا ما يقرب من 950 مليون طن من الذرة، ونحو 700 مليون طن من القمح؛ فما الجهود المبذولة أفريقيّا وعالميا للتخفيف من حدة الأزمة الغذائية:
- يعمل بنك التنمية الأفريقي على جمع تمويل يهدف إلى تفادي أزمة العجز الغذائي الناجم عن الحرب الروسية الأوكرانية بوضع خطة تبلغ قيمتها مليار دولار لتسريع تعزيزات إنتاج القمح، وتفادي أزمة الغذاء المحتملة، بمساعدة 40 مليون مزارع في أفريقيا، وبالاستفادة من التقنيات المقاومة للتغيرات المناخية، وزيادة المحصول من الحبوب الغذائية المختلفة التي تتحمل التغيرات المناخية.
- أعلن التحالف من أجل ثورة خضراء -المعروف بـ”أغرا”، والمدعوم من مؤسسة “بيل غيتس وميليندا غيتس” ومؤسسة “روكفلر”- عن صندوق تحفيزي بقيمة 550 مليون دولار لتعزيز الأمن الغذائي في القارة، باستهداف 28 مليون مزارع في 15 بلدا أفريقيا لتعزيز الإنتاجية الزراعية والدخل.