رُبع العراقيين فقراء.. هكذا ألقت الحروب والفساد والانسداد السياسي بثقلها على أحد أغنى البلدان بالنفط
بغداد- لم يعد من الصعب توثيق مشاهد لأطفال وسيدات يبحثون في حاويات القمامة عن أي شيء قابل للبيع لمساعدة عائلاتهم الفقيرة في مناطق عراقية عدة. على الرغم من تصنيف العراق من بين البلدان الغنية بالموارد الطبيعية الهائلة وفي مقدمتها النفط.
وبينما تسجل نسبة الفقر في العراق مستويات مرتفعة قياسا بالدول المحيطة، يشير المراقبون إلى الفساد الإداري والمالي، وغياب التخطيط، والخلافات السياسية، التي انعكست بشكل كبير على الواقع المعيشي للفئات الهشة.
11 مليون فقير
وفيما يحتفي العالم في 7 أكتوبر/تشرين الأول من كل عام باليوم العالمي للقضاء على الفقر، شهد العراق ارتفاعا ملحوظا بمعدلاته نتيجة الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعصف بالبلاد.
ووصل الفقر إلى نحو 25% من السكان، فيما تُقدر أعداد الفقراء في البلاد بنحو 11 مليونا من بين 42 مليونا هم عدد سكان العراق.
وتفيد البيانات الرسمية بأن قرابة 3 ملايين عراقي يتلقون منحا مالية شهرية من الحكومة. وهم من أصل 9 ملايين يستحقون المساعدة ولا تستطيع الحكومة تقديمها لجميعهم بسبب ضعف المخصصات وعدم إقرار الموازنة العامة.
الفقر في المحافظات
وفي هذا الصدد، يقول الناطق الرسمي باسم وزارة التخطيط العراقية عبد الزهرة الهنداوي، إن وزارته تستعد لإجراء المسح الاقتصادي الاجتماعي في العراق، والمدعوم من البنك الدولي.
ومن شأن هذا المسح، حسب الهنداوي، أن يوفر البيانات والمؤشرات الخاصة بواقع الفقر في جميع محافظات البلاد. كما أن مخرجاته ستكون مهمة لإستراتيجية خفض الفقر للسنوات الخمس المقبلة.
واستنادا إلى آخر بيانات وزارته، يقول الهنداوي للجزيرة نت إن نسبة الفقر في العراق تتراوح بين 22-25%. وتتصدر محافظة المثنى (جنوب غرب) المحافظات الأشد فقرا بنسبة 52%، تليها محافظتا الديوانية وذي قار جنوبا بنسبة 49%.
وأشار المسؤول العراقي إلى أن نسبة الفقر في المحافظات “المحررة من تنظيم الدولة الإسلامية” وصلت إلى 41% كما في محافظة نينوى (شمالا). أما في الوسط فتتراوح نسبة الفقر بين 15-17%، في الوقت الذي تجاوزت فيه العاصمة بغداد نسبة 12% وهو ما ينطبق على مدن إقليم كردستان، بحسب الهنداوي.
فقر متجذّر
يقول الهنداوي إن “الفقر ليس وليد اليوم، وإنما متجذر في العراق ويمتد لعقود طويلة، وهنا نقصد الفقر متعدد الأبعاد الذي لا يرتبط بالدخل فقط وإنما بالصحة والتعليم والسكن وتمكين المرأة، وكل هذه الأبعاد تجتمع معا لتضع المواطن تحت خط الفقر”.
ويمثل خط الفقر الحد الأدنى من الدخل الذي يتحصل عليه الفرد لتوفير متطلبات الحياة الأساسية.
ويوضّح الناطق باسم وزارة التخطيط أن أهم أسباب ارتفاع نسبة الفقر تتعلق بتردي القطاعات الخدمية المختلفة مثل الصحة والتعليم والسكن، منبهًا إلى أن الفقر في العراق يختلف عن نظيره في الدول الأخرى.
الفساد وسوء التخطيط
من جهة أخرى، يعزو مدير “مركز ذر للتنمية” ماجد أبو كلل، أسباب ارتفاع نسبة الفقر في البلاد إلى سوء التخطيط الاقتصادي، والفساد المالي والإداري الذي ضرب أركان الدولة واستشرى في جميع مفاصلها دون وجود عمل حقيقي يحد أو يقضي على ظاهرة الفساد، بحسب تعبيره.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول أبو كلل، وهو من سكان محافظة المثنى، إنها تُعدُّ الأكثر فقرا بسبب عدم وجود مصادر دخل للمواطنين مقارنة بالمحافظات الأخرى، حيث لم تفلح الحكومة الاتحادية أو الحكومة المحلية في إيجاد حلول ناجعة للفقر فيها.
الانسداد السياسي
من جانب آخر، يرى المحلل السياسي إبراهيم السراج أن الانسداد السياسي الذي استمر عاما كاملا وخيّم على العملية السياسية في العراق ونتج عنه حكومة تصريف أعمال منقوصة الصلاحيات، بالإضافة إلى تعطيل أعمال مجلس النواب، أسهم في منح الفساد فرصة كبيرة للتمدد ونهب المال العام وتعطيل مئات المشاريع والقرارات التي تصب في مصلحة المواطن.
ووفق السراج في حديثه للجزيرة نت، فإن “المواطن هو المتضرر الأكبر من الخلافات السياسية التي أدت إلى تسجيل معدلات قياسية في نسب الفقر، خاصة أن حكومة تصريف الأعمال كانت محكومة ببرنامج لا يحتوى على مشاريع تنموية تسهم في تحسين الوضع المعيشي للمواطنين”.
وأضاف أن “الخلافات والعناد السياسي أسهم في تعطيل انبثاق حكومة خدمية”، لافتا إلى أن رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني سيواجه في حال تمكنه من تشكيل الحكومة “تركة ثقيلة من الأزمات العالقة”.
آفة اجتماعية
في غضون ذلك، يرى الناشط في القضايا الإنسانية سعيد ياسين موسى، أن الفقر في العراق تحول إلى آفة اجتماعية، خاصة أن نحو ربع سكان البلاد باتوا يعانون من الفقر بسبب غياب السياسات التنموية وفقدان العدالة الاجتماعية التي أدت إلى ارتفاع نسبة البطالة.
ويقول موسى إن الحروب المتتالية التي شهدتها البلاد منذ 4 عقود تسببت في ارتفاع الفقر. كما أن منظومة إدارة الحكم لم تتمكن حتى الآن من مراجعة آثار تلك الحروب ومعالجتها، وهو ما أدى إلى نتائج سلبية على المجتمع منها العنف وانتشار المخدرات والتراجع الأمني والاقتصادي.
ويربط الناشط المجتمعي بين ارتفاع نسبة الفقر في المجتمع العراقي واتساع آفة الفساد والجريمة المنظمة والمخدرات، “إذ يتم استغلال الفئات الهشة والفقيرة في ترويجها”، مطالبا بضرورة فرض القانون واعتماد السياسات التنموية ضمن برامج كبيرة وواقعية توفر الحياة الكريمة للعراقيين.