بعد تأسيس تحالف قوى التغيير الديمقراطي في العراق.. ما دلالات تأسيسه وأهدافه؟
بغداد- أعلنت قوى مدنية واحتجاجية السبت الماضي تأسيس تحالف سياسي جديد تحت اسم “قوى التغيير الديمقراطي”، من قلب العاصمة بغداد، وجاء الإعلان عن التحالف بعد أزمة سياسية تعد الأطول في العراق منذ عام 2003، وبعد نحو 3 أعوام على الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت البلاد، واستمرار إفرازاتها على المشهدين السياسي والاجتماعي.
ويأتي الإعلان عن التحالف الجديد في خضم الحديث عن إجراء انتخابات مبكرة، رغم أنه لم يمض على الانتخابات الماضية سوى عام واحد طالب بها المحتجون بهدف الإصلاح السياسي، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
وأكد مراقبون أن الصراع السياسي بات أكثر حدة، وكاد أن يؤدي إلى حرب أهلية، في الوقت الذي جاء فيه الإعلان عن تأسيس التحالف الجديد بعد أيام على انتخاب رئيس جديد للجمهورية عبد اللطيف رشيد وتكليف محمد شياع السوداني بتشكيل حكومة جديدة.
أعضاء التحالف الجديد
وعن التحالف الجديد وأعضائه، يقول رئيس حراك “البيت العراقي” محيي الأنصاري (أحد أعضاء قوى التغيير الديمقراطي) إن التحالف الجديد مظلة سياسية لتوحيد الرؤى وتنسيقها بين الأحزاب والحركات الناشئة المدنية والوطنية لمواجهة ما أسماها “قوى الفساد والدم والمحاصصة”.
وتابع الأنصاري أن التحالف الجديد يضم عدة تحالفات سياسية، مثل حركة “نازل آخذ حقي الديمقراطية”، والحزب الشيوعي العراقي، وحزب البيت الوطني، والتيار الديمقراطي، وتيار الوعد العراقي، وحراك البيت العراقي، وحركة تشرين الديمقراطية، والتيار الاجتماعي الديمقراطي، فضلا عن أعضاء برلمان مستقلين وفعاليات اجتماعية أخرى.
وعن أهداف التحالف، يرى الأمين العام للبيت العراقي حسين الغرابي في حديثه للجزيرة نت أن قوى التغيير تعمل جديا من أجل خلق بديل سياسي وتقديم برنامج متكامل لكل الملفات في العراق سياسيا واجتماعيا وأمنيا واقتصاديا، فضلا عن تمثيل المعارضة الديمقراطية ضد ما وصفها “بقوى الإسلام السياسي” ومبدأ المحاصصة القائم منذ 19 عاما، حسب تعبيره.
على الجانب الآخر، يرى الأكاديمي والناشط السياسي فارس حرّام أن فكرة البديل الناجح بحاجة إلى التأني والفحص الجيد، بدل أخذها بالغموض الذي يتم الحديث عنه، معلقا أنه “يتم الحديث عن البديل في الواقع العراقي بشكل غامض، وكأنما يتمثل بالصعود لمجلس النواب أو مجرد تأسيس حزب، يجب أن يكون البديل ممثلا لنزعة القطيعة مع النظام وهي السائدة الآن في المجتمع العراقي”.
ما الخيار الأنجح للقوى السياسية الناشئة؟
وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح حرّام أن نزعة العراقيين حاليا تتمثل في المقاطعة وليست المشاركة أو الإصلاح من داخل العملية السياسية؛ وبالتالي من يتبنى الطروحات الأخيرة سينتهي بفشل كبير، مبينا أن من يسعى إلى أن يكون بديلا ناجحا عليه أن يتبنى نزعة القطيعة مع السلطة بأكملها، وينطلق من منطلق احتجاجي شامل وتغيير جذري، على ألا يتضمن هذا التغيير الاحتجاجي قلب النظام، حسب تعبيره.
وعن تأسيس الحراك الجديد، أوضح حرّام أن تأسيس قوى التغيير يعد تعبيرا عن مخاض مرت به الحركات الاحتجاجية منذ وقت طويل، ويضيف أنه “لا يمكن عدّه ملبيا لكل نزعات التغيير في المجتمع العراقي، فهنالك نزعات وتطلعات غير ممثلة بالأحزاب الناشئة سواء ذات الطابع الاحتجاجي القديمة، أو التي نشأت بعد احتجاجات أكتوبر/ تشرين الأول 2019 بسبب عزوف وفقدان ثقة أغلب العراقيين في النظام السياسي”.
من جهته، يعتقد المحلل السياسي إحسان الشمري أن قوى التغيير يمكنها أن تكون بديلا ناجحا لكن بعد أن تتجاوز كثيرا من التحديات، ومنها الداخلية، فضلا عن ضرورة إنهاء خلافاتها مع القوى الأخرى وتنقية الأجواء فيما يرتبط بالبيئة السياسية وضرورة امتلاك مشروع متكامل قابل للتطبيق يكون مغايرا لمشاريع القوى التقليدية.
دلالات التأسيس
وفي حديثه للجزيرة نت، يعدد الشمري دلالات هذا التأسيس؛ إذ يرى أنه يأتي في ظل مطالب تنادي بالذهاب نحو انتخابات جديدة؛ بما جعل هذه القوى تتجه لتنظيم نفسها سياسيا. مضيفا أن هذه القوى تريد أن توجه رسالة إلى جمهورها والقوى التقليدية منها بأنها قادرة على لملمة ذاتها بعد أن كانت مشتتة. أما الدلالة الأخيرة فتتمثل في تشكيل قوة ضغط سياسية كبيرة باتجاه الأطراف التقليدية، مع التلويح بالاستعداد لأي خيار يمكن أن تندفع به هذه القوى ومن ستتحالف معه.
وبالعودة إلى الأنصاري، فقد أكد أن إعلان تأسيس قوى التغيير الديمقراطي يهدف إلى الدلالة على وجود بديل سياسي نوعي يعيد الأمل للعراقيين بعدم احتكار المشهد السياسي من قبل طرفي الصراع وأتباعهما، إذ إن قوى التغيير تطرح نفسها بديلا نوعيا مدنيا انبثق من الشارع وعاد إليه. وهو ما يتفق مع طرح الغرابي الذي يشير إلى أن قوى التغيير لم تطرح نفسها بسبب قرب الانتخابات، بل إنها جاءت لتنسيق المواقف السياسية والتهيئة لخلق البديل السياسي في العراق.
تعزيز المقاطعة النيابية
أما في ما يتعلق بدور قوى التغيير في إمكانية تعزيز قوى المعارضة داخل البرلمان العراقي، لا سيما بعد صعود نواب من رحم الاحتجاجات؛ يضيف الأنصاري أنه “بكل تأكيد لم ننفك يوما عن دعم بعضنا البعض، ودعم كل صوت معارض يؤمن بضرورة إصلاح الوضع العام الذي يبدأ بإعادة الثقة في العمل السياسي”.
من جانبه، يشك فارس حرّام في إمكانية التغيير من داخل مجلس النواب، ويقول “من الممكن أن يكون أحد طموح هذا التجمع السياسي التغيير عبر استعمال الوسائل الديمقراطية مثل البرلمان، لكن هذا التحالف إذا اقتصرت رؤيته على التطلع السياسي أو التطلع للمشاركة في السلطة التشريعية أو التنفيذية في المواسم القادمة -في ظروف تشبه التي نمر بها الآن- ربما سيكون أقرب للمثالية منه للواقعية؛ إن الواقعية في العمل السياسي حاليا يجب أن تركز على الاحتجاج”.
في السياق، يرى إحسان الشمري أن قوى التغيير التي تهدف إلى التواجد النيابي لا تمتلك حاليا جذورا نيابية، لافتا إلى أن القوى التي تمثل المعارضة البرلمانية حاليا -مثل حركة “امتداد”- ليس لها ممثل في التحالف الجديد، وأن خيار المعارضة النيابية لهذه التحالف الجديد سيكون ناجحا لو استطاع الصعود للبرلمان.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى السياسي عارف الحمامي -عن ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي- أن هناك إمكانية لتحالف “قوى التغيير الديمقراطي” في تعزيز المعارضة داخل البرلمان العراقي، لكن بشرط أن تكون تلك المعارضة في إطار التنافس السلمي والديمقراطي، مبينا أنه كلما وجدت قوى تتنافس في ما بينها ستتراجع القوى التي تدعو إلى العنف والكراهية، حسب وصفه.