رغم فترة حكمها القصيرة.. هكذا تسببت ليز تراس في واحدة من أسوأ أزمات الاقتصاد البريطاني
لندن– رغم أنها لم تقض سوى 44 يوما رئيسة للوزراء، فإن ليز تراس تسببت في خسائر لاقتصاد بلادها قد تتطلب سنوات من أجل إصلاحها، وذلك بسبب تخبط سياساتها الاقتصادية، التي جاءت في التوقيت الخطأ، حيث كان الاقتصاد البريطاني في أسوأ ظروفه ولا يتحمل أي صدمات. ويمكن القول إن الاقتصاد هو من أسقط ليز تراس.
وقبل مغادرتها لمنصبها تركت ليز تراس إرثا ثقيلا لمن سيخلفها، بعد أن فقدت الأسواق الاقتصادية ثقتها في الإجراءات الحكومية، وسط حالة من الترقب في أوساط المستثمرين والمؤسسات المالية.
ولم يكن أكثر المتشائمين يتوقعون أن تراس ستخلف كل هذا “الدمار” الاقتصادي في أيام معدودة.
فكيف وصلت المملكة المتحدة إلى أسوأ أزمة اقتصادية تمر بها منذ حوالي نصف قرن؟
كيف كان الاقتصاد البريطاني قبل وصول ليز تراس؟
كانت ليز تراس وهي تترشح لرئاسة الوزراء تعلم أن اقتصاد بلادها يعيش مرحلة عصيبة، ذلك أن نسبة التضخم بلغت 10% وهو الأعلى منذ 40 سنة، مع توقعات بنك “غولد مان ساكس” أن يصل التضخم إلى 11% بحلول أبريل/نيسان المقبل، كما حقق الاقتصاد البريطاني نسبة نمو ضعيفة في حدود 0.8% فقط.
يضاف إلى ذلك توقعات “البنك المركزي البريطاني” (Bank of England)، بأن يدخل اقتصاد البلاد في حالة ركود تستمر إلى نهاية سنة 2023، وتأكيد نفس المؤسسة أنها ستواصل رفع معدل الفائدة للتحكم في التضخم.
كما أن أزمة الطاقة التي تعيشها البلاد، وارتفاع فواتير الكهرباء والغاز إلى مستويات قياسية، وضعت نحو 11 مليون أسرة بريطانية في خانة الفقر الطاقي (وهي الخانة التي توضع فيها الأسر التي تخصص 10% من مصاريفها لأداء فواتير الطاقة).
ماذا كانت خطة ليز تراس لإنقاذ الاقتصاد؟
عندما وصلت ليز تراس لرئاسة الوزراء، أعلنت عن “الميزانية المصغرة” وهي خطة اقتصادية للتعامل مع الوضع الحالي، تقوم على إعفاءات ضريبية بقيمة 45 مليار جنيه إسترليني، وسيكون أكبر مستفيد منها هو الطبقة الغنية.
وكانت حجة تراس في هذه الخطة، أن الإعفاءات الضريبية سوف تشجع الأغنياء على الاستهلاك والاستثمار أكثر، وهو ما يعني زيادة النمو الاقتصادي الذي ستستفيد منه البلاد.
ما الذي حدث بعدها؟
مباشرة بعد إعلان هذه الخطة، حدثت هزة عنيفة في الأسواق، بدأت بتهاوي قيمة الجنيه الإسترليني، حيث وصل إلى 1.02 دولار، وهو أدنى مستوى للجنيه الإسترليني في تاريخه، كما فقدت أسواق المال حوالي 500 مليار دولار.
وكان السبب في هذه الانتكاسة الاقتصادية، هو خوف المستثمرين من خطة ليز تراس، ذلك أن “الميزانية المصغرة” لا تحدد بالضبط من أين ستحصل على 45 مليار جنيه إسترليني التي ستفقدها الحكومة من المداخيل الضريبية، خاصة بعد اللجوء إلى الاقتراض، حيث بلغ مجموع ما استدانته الحكومة في شهر سبتمبر/أيلول الماضي حوالي 20 مليار جنيه إسترليني، وهو أعلى بأكثر من 3 مليارات جنيه إسترليني عن توقعات الحكومة.
وحذر مكتب الميزانية في وزارة الخزانة من أن الاستمرار في الاقتراض سيؤدي إلى ارتفاع مديونة الدولة إلى 320% من الناتج الداخلي الخام خلال الـ50 سنة المقبلة وهو ما يعادل زيادة 2.4 تريليون جنيه إسترليني عن المستوى الحالي.
وأشارت دراسة لمؤسسة “ريزوليوشن” (Resolution) البريطانية إلى أن خطة ليز تراس ستجعل الاقتصاد البريطاني يخسر 146 مليار جنيه إسترليني خلال السنوات الخمس المقبلة، وهو ما يعادل 1% من الناتج الداخلي الخام.
لماذا تراجعت تراس عن الموازنة المصغرة؟
كان السبب الرئيسي في تراجع ليز تراس عن خطتها الاقتصادية، هو التدخل القوي للبنك المركزي، بداية من إصدار بلاغ أول يحذر فيه من أن خطة تراس سوف تساهم في زيادة نسبة التضخم، وبأن البنك سوف يستمر في رفع معدل الفائدة للتحكم في التضخم.
بعد ذلك سينزل البنك المركزي بكل ثقله معلنا شراء السندات الحكومية بقيمة 65 مليار جنيه إسترليني من أجل تهدئة الأسواق.
كما انتقد صندوق النقد الدولي خطة ليز تراس، معتبرا أنها ستدفع الحكومة للاقتراض بنسبة فائدة عالية، وهي مخاطرة كبيرة خصوصا في ظل ظرف تعاني فيه اقتصادات الدول الكبرى من حالة ركود عام.
كيف ردت الحكومة البريطانية على هذه العاصفة؟
اضطرت رئيسة الوزراء ليز تراس إلى التراجع عن كل خطتها وإقالة وزير الخزانة السابق كوازي كوارتينغ وتعيين جيرمي هانت، الذي جاء بخطة مناقضة للخطة السابقة، وتقوم خطته على الزيادة التدريجية من الضرائب وخطة تقشف تقوم على تقليص الإنفاق الحكومي بحوالي 35 مليار جنيه إسترليني.
وهو ما يعني تقليص الإنفاق الحكومي على القطاعات الاجتماعية ودعم الفئات الفقيرة، الأمر الذي يهدد باضطرابات اجتماعية في ظل أزمة التضخم الراهنة.
وما يزيد الطين بلة، هو أن الشركات والأسر التي حصلت على قروض بنسب فائدة منخفضة جدا خلال سنة 2020، ستجد نفسها أمام معدلات فائدة عالية جدا.
ووفق مؤسسة “ريزوليوشن” فإن 5 ملايين أسرة بريطانية قد تواجه زيادة في قروضها بحوالي 5 آلاف دولار إلى غاية سنة 2024، ما يعني أن الملايين من الأسر ستكون عاجزة عن أداء ما عليها من ديون، وهنا قد تدخل البلاد في أزمة شبيهة بالأزمة الاقتصادية لسنة 2008.