يتوقعون “إعادة إنتاج التطرّف”.. كيف يتعامل الفلسطينيون مع المشهد الإسرائيلي المأزوم عشية انتخابات الكنيست؟
رام الله- لم يكن توجّه إسرائيل لعقد خامس انتخابات للكنيست في غضون 4 أعوام ترفا سياسيا، بقدر ما يعكس أزمة داخلية وانقساما إسرائيليا يلقي بظلاله على الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وفي المشهد الإسرائيلي الذي يتنافس فيه اليمين واليمين المتطرف، باتت حقوق الفلسطينيين في المزاد الانتخابي من خلال برامج حزبية تتسابق لإنكار هذه الحقوق وتعزيز الاستيطان.
ووقّع 55 من أعضاء ومرشحي الكنيست، بقيادة زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو، على خطاب تعهدوا فيه بتعزيز البناء الاستيطاني على نطاق واسع في الضفة الغربية بعد الانتخابات، وفق ما نشرته صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
معركة بدون حسم
وأظهرت نتائج استطلاع نشرتها صحيفة “معاريف” العبرية في 30 سبتمبر/أيلول الماضي عدم وجود حسم في الانتخابات المزمعة في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، إذ لم يحصل أي من المعسكرين المتنافسين على أغلبية 61 عضو كنيست لضمان تشكيل الحكومة.
ووفق الاستطلاع، حصل معسكر أحزاب اليمين في المعارضة بقيادة رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو على 59 مقعدا، وفي المقابل، حصل معسكر الأحزاب التي تشكل الائتلاف بقيادة يائير لبيد رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية وحزب “ييش عتيد” على 57 مقعدا.
عقيدة الإنكار
يكاد المستوى الفلسطيني السياسي يتفق على أن اليمين الإسرائيلي سيعيد إنتاج ذاته في الانتخابات القادمة منكرا الحقوق الفلسطينية، ما يعني غياب أي أفق سياسي مع الحكومة المقبلة، بل مزيدا من التصعيد ميدانيا.
ويربط عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف بين التصعيد الإسرائيلي في الضفة حاليا والسباق الانتخابي في إسرائيل.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت “واضح تماما أن اليمين واليمين المتطرف هو الذي يجتاح الأصوات من خلال المواقف المتطرفة والدم الفلسطيني النازف”.
ولا يرى السياسي الفلسطيني فرقا بين الأحزاب الإسرائيلية، فهناك قاسم مشترك يحكم العمل السياسي في دولة الاحتلال “وهو التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني وخاصة فيما يتعلق بإقامة دولة مستقلة متواصلة، وحق اللاجئين في العودة”.
توافق حزبي قضائي
وتوافق رؤية حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مع عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حول تغلغل “الإنكار” لدى الأحزاب الإسرائيلية.
وترى الحركة أن “المنظومة القائمة لدى دولة الاحتلال تُجمع بالأساس على إنكار الحقوق الأساسية لشعبنا الفلسطيني” وفق ما صرح به للجزيرة نت الناطق باسم الحركة حازم قاسم.
وتلك المنظومة، تتفق أيضا على “إبقاء الاحتلال بالقوة العسكرية الغاشمة” وفق قاسم، الذي أشار إلى إسناد تلك المنظومة “بالموقف السياسي من مجموع الأحزاب الصهيونية وحتى من الجهات القضائية”.
وباستعراض برنامج الأحزاب الإسرائيلية المتنافسة على انتخابات الكنيست، يشير الناطق باسم حماس إلى أنها ترفض بوضوح إعطاء الشعب الفلسطيني الحد الأدنى من الحقوق.
العدوان ثابت ومتكرر
وتابع قاسم أن “الحكومات المختلفة اليمينية واليسارية والوسط كررت العدوان على شعبنا الفلسطيني مع إبقاء الحصار عليه”.
وعليه ترى حماس أن الانتخابات الإسرائيلية “مجرد وسيلة لإدارة كيان قائم بطريقة غير شرعية” على أرض الشعب الفلسطيني.
وتابع قاسم “شهدنا 5 انتخابات في 4 سنوات، ولكننا لم نرَ إلا تصعيد العدوان على شعبنا الفلسطيني ومقدساته”.
وخلص إلى أن “العدوان على الفلسطينيين هو ثابت في السياسة الإسرائيلية، لأن هذا الكيان قائم بالأساس على العدوان المستمر حتى يضمن بقاءه، وقام بمجازر قبل الانتخابات وبعدها”.
وتابع “صحيح أن الدم الفلسطيني يستخدم في المزاودات الداخلية وحشد الصوت الانتخابي اليهودي، إلا أن العدوان ثابت ومتكرر”.
هل من خطة فلسطينية؟
وفي ظل مشهد إسرائيلي متأزم، تتباين تقديرات المحللين إزاء وجود خطة أو رؤية فلسطينية للتعامل مع واقع إعادة إنتاج التطرف الذي ستفرزه انتخابات الكنيست.
فأستاذ الدراسات الإسرائيلية والمحاضر بجامعة القدس المفتوحة نعمان عمرو، لا يتوقع أي “مفاجآت” في الانتخابات الإسرائيلية القادمة، أو أي تغير في موازين القوى بين معسكري اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل.
وفلسطينيا، يرى عمر في حديثه للجزيرة نت، وجود “ملامح وإرهاصات خطة فلسطينية، لم يتم التصريح عنها من الجهات الرسمية، أساسها تغيير الواقع الحالي”.
ويعتقد عمرو أن المستوى السياسي الفلسطيني “وصل نهاية الطريق في قناعاته بإمكانية استمرار العملية السياسية مع اليمين واليمن المتطرف”.
وعليه، يرجح الأكاديمي إمكانية “للرجوع خطوتين إلى الخلف”، لكنه يقول إن ذلك مرتبط بنتائج الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها على النظام العالمي بشكل عام، “فما يجري في العالم سيكون له آثار مباشرة على ما يجري في فلسطين”.
حلول لا مرحلية
يضيف الأكاديمي الفلسطيني أن الاعتماد على البعد الدولي والإقليمي “مبالغ فيه”، وعليه يجب أن يعتمد الفلسطينيون على أنفسهم من خلال خطة “في مقدمتها المحافظة على فلسطين التاريخية والعودة إلى حركة تحرر وطني تقاوم الاحتلال وتريد الحرية، وعدم القبول بالحلول المرحلية”.
وفيما إذا كانت السلطة الفلسطينية قادرة على تنفيذ قرارات المجلس المركزي ومنها سحب الاعتراف باتفاق أوسلو الذي أوجدها، توقع عمرو “متغيرات ستتجاوز هذه القرارات بطريقة أو بأخرى”.
خيارات شعبية
رغم تفاؤل عمرو بوجود “خطة” فلسطينية لمرحلة ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، يستبعد مدير مركز القدس للدراسات أحمد رفيق عوض ذلك، ويقول إن “الذي يضع خطة يجب أن يمتلك بدائل، ومن يضع بدائل يجب أن يكون لديه قوة لتنفيذها”.
وعلى المستوى الشعبي الفلسطيني، يرى عوض خيارات “تتراوح بين الانتفاضات وأدواتها المتعددة والرفض للواقع”.
ويشير إلى تعدد واختلاف المواقف داخليا؛ فمقابل موقف رسمي فلسطيني ما زال يتمسك بالتفاوض والوسطاء والهيئات الدولية ومحاولة التأثير على الناخب الإسرائيلي كخيار للتعامل مع الاحتلال، هناك في غزة من يتخذ من القوة بغض النظر عن حجمها، وسيلة في التعامل مع إسرائيل.
أهون الشرور
وعن “حل السلطة” كخيار لمواجهة انغلاق الأفق السياسي، يرى عوض أنه “ليس من المجدي التخلي عن المسؤوليات والانتقال إلى الفراغ وكأن هناك بدائل أو قوة أخرى”.
وأضاف “السلطة جزء من النظام العربي العاجز الضعيف، والترتيب الإقليمي المُطبّع والدولي الداعم لإسرائيل بكل أخطائها وخطاياها”.
ويرى مدير مركز القدس أن “السلطة لا تستطيع الذهاب لأية خيارات، ولا تمتلك ترجمتها أو حمايتها، وفي اللحظة التي يعلن فيها انتهاء اتفاق أوسلو، سندخل مرحلة أخرى مختلفة تماما في التاريخ”.
في المقابل، يضيف عوض أن لدى إسرائيل سيناريوهات جاهزة للتصرف مع الفلسطينيين بغض النظر عمن يفوز، ولديها خطط في حال حلّت السلطة نفسها أو سقطت”.
وبالتالي، يرى أن السلطة الفلسطينية تعتبر نفسها أهون الشرور، وبدونها ستكون هناك الفوضى والتفكك، واحتلالات متعددة.