الكوارث الطبيعية في 2022.. أسوأ فيضان في باكستان منذ 30 عاما وأشد جفاف في العراق منذ 9 عقود
اتسم العام الحالي بكوارث طبيعية متفاوتة الخطورة، أودت بحياة آلاف الأشخاص في مختلف أرجاء العالم، وفي مقدمتها الفيضانات ثم الأعاصير فالزلازل، والملاحظ أن النصف الثاني من العام 2022 شهد كوارث كانت هي الأسوأ منذ عدة سنوات، سواء تعلق الأمر بالفيضانات أو الأعاصير أو الجفاف أو موجات الحرارة.
وقد قضى قرابة 6347 شخصا في العالم جراء الكوارث الطبيعية في النصف الأول من 2022، حسب تقرير مشترك صدر في سبتمبر/أيلول 2022 عن مركز أبحاث الأوبئة والكوارث “سي آر إي دي” (CRED) والوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
ويضيف التقرير نفسه أن العالم سجل في الأشهر الستة الأولى من عام 2022 نحو 187 كارثة في 79 دولة، نتج عنها تضرر أزيد من 50 مليون فرد، مع خسائر فاقت قيمتها 40 مليار دولار.
ويقول تقرير لشركة “ميونيخ آر إي” (Munich Re) للتأمين، نشر في يوليو/تموز 2022، إن النصف الأول من العام سجل كوارث طبيعية أقل مقارنة بالفترة نفسها من العام 2021.
بعض الدول تعاقبت عليها أكثر من كارثة طبيعية خلال هذا العام، ومن بينها باكستان. ففي الصيف الماضي غمرت فيضانات مهولة قرابة ثلث مناطق البلاد، مخلفة مئات القتلى وعشرات ملايين المنكوبين. وجاءت هذه الفيضانات بعد أسابيع من موجة حرارة شملت مناطق في البلاد.
حدة الكوارث
ومن السمات البارزة للكوارث الطبيعية في 2022 أن حدتها كانت غير مسبوقة في عدد من مناطق العالم، فالفيضانات الكارثية التي ضربت باكستان كانت هي الأخطر في العقود الثلاثة الأخيرة، حيث تضرر منها واحد من كل 7 أفراد في البلاد.
وفي العراق، قالت وزارة الموارد المائية إن البلاد تعيش في 2022 أسوأ سنوات جفاف منذ نحو 92 عاما، كما شهدت نيجيريا في الأسابيع الماضية فيضانات هي الأسوأ منذ عقد.
وفي آخر سبتمبر/أيلول الماضي، ضرب الإعصار إيان جنوبي شرقي الولايات المتحدة، وصنف ضمن أحد أعنف الأعاصير في التاريخ الأميركي الحديث، وهطلت على أستراليا في فبراير/شباط 2022 أمطار هي الأكثر غزارة منذ العام 1900، نتجت عنها فيضانات.
الخسائر البشرية
في ظل غياب إحصائيات رسمية جامعة من منظمات أممية أو دولية بشأن إجمالي الوفيات في العالم الناتجة عن مختلف الكوارث الطبيعية في العام الحالي، فإن الجزيرة نت أجرت عملية حسابية للربط بين مختلف الإحصائيات المتوفرة إلى حد كتابة هذه السطور عن الخسائر البشرية للكوارث الطبيعية.
وبلغ عدد قتلى الكوارث الطبيعية منذ بداية العام 7023 شخصا، دون احتساب ضحايا موجة الحرارة التي ضربت أوروبا في فترة الصيف ومناطق أخرى، وعند احتساب ضحايا موجة الحر يرتفع الرقم إلى 9883 شخصا.
هذه الأرقام تبقى أولية وغير شاملة لكل دول العالم، وهي تجميع للمعطيات المتوفرة عن قتلى الفيضانات في كل بلد وقعت فيه خلال العام الحالي، وأيضا قتلى الزلازل والأعاصير والأوبئة (ما عدا كورونا) وموجة الحرارة.
وكانت أكثر الدول التي قضى فيها أشخاص جراء الفيضانات هي الهند (1945 شخصا)، ثم باكستان (1697) فنيجيريا (أكثر من 500)، وبأعداد أقل اليمن (90) وبنغلاديش (74) والسودان (52) وغواتيمالا (42)، فضلا عن بلدان أخرى مثل موريتانيا وسيراليون وتشاد وأفريقيا الوسطى ولاوس وسريلانكا وفنزويلا.
وأما على صعيد الزلازل، فقد سُجلت الحصيلة الأكثر فداحة في أفغانستان بوفاة 1211 شخصا نتيجة أكثر من زلزال ضرب البلاد خلال العام الحالي، تليها إندونيسيا وبابوا غينيا الجديدة (21 لكل منهما)، ثم الفلبين (11) فبولندا (10).
باقي الدول التي ضربتها زلازل كانت حصيلة القتلى في كل منها أقل من 10، وهي: اليابان والمكسيك وقبرص وهايتي والبيرو وروسيا وباكستان وإيران وإكوادور والبوسنة والهرسك وغواتيمالا.
وكانت الحصيلة الأكبر لقتلى الأعاصير والعواصف للعام 2022 في الولايات المتحدة كالعادة بنحو 107 أشخاص، تليها كمبوديا (16) ثم سوريا (10 جراء عاصفة ترابية)، فالسلفادور والدومينيكان (4 لكل منهما).
وفتكت الأوبئة بالعديد من الناس في دول أفريقيا بالخصوص، على رأسها زيمبابوي (698 جراء الحصبة والكوليرا)، ثم أوغندا (164 جراء الإصابة بإيبولا والحصبة).
وأما الوفيات المرتبطة بموجات الحرارة فكان أكثرها في القارة الأوروبية خلال أشهر الصيف الماضي، حيث قضى 1063 شخصا في البرتغال، و1047 في إسبانيا، و733 في إيطاليا، وخارج القارة الأوروبية توفي 17 شخصا في اليابان.
المنكوبون والأضرار
إذا كانت وفيات الكوارث الطبيعية في العالم تعد ببضعة آلاف، فإن أعداد المنكوبين تقدر بعشرات الملايين، فضلا عن تدمير عشرات آلاف المنازل والأراضي الزراعية، وهلاك عشرات آلاف رؤوس الماشية، وأضرار بعشرات مليارات الدولارات في الممتلكات الخاصة والعامة والبنية التحتية.
ففي الصين، قالت السلطات إن ما يفوق 39 مليون شخص تقريبا تأثروا بالكوارث الطبيعية في النصف الأول من العام 2022 وحده، وفي باكستان تضرر بالفيضانات أكثر من 33 مليون شخص، ضمنهم قرابة 8 ملايين جرى إجلاؤهم، وقد تضرر أكثر من مليوني منزل، 767 ألفا منها دمرت بالكامل.
-
الفيضانات
دمرت الفيضانات مليوني منزل في باكستان، ونزح 1.4 مليون نيجيري من منازلهم جراء السيول منذ بدء موسم الأمطار في يونيو/حزيران الماضي.
وفي تشاد، تسببت الفيضانات في تضرر أزيد من مليون شخص، وفي السودان دمرت السيول أكثر من 8900 ألف منزل، وبلغ عدد المنكوبين قرابة 136 ألف شخص، وفي موريتانيا لحقت خسائر الفيضانات بقرابة 29 ألف شخص.
وألحقت الفيضانات في اليمن أضرارا بقرابة 35 ألف أسرة، معظمها من النازحين.
كما كانت الخسائر المادية للفيضانات كبيرة في دول عديدة في أفريقيا (سيراليون وأفريقيا الوسطى)، وفي آسيا (لاوس والهند وبنغلاديش)، وفي أميركا الجنوبية (هندوراس وغواتيمالا وفنزويلا).
-
الجفاف
تسبب الجفاف في النيجر بمعاناة أكثر من 4 ملايين أسرة من تداعيات غياب الأمن الغذائي الناتجة عن شح الأمطار، وفي جيبوتي يواجه 13% من السكان غياب الأمن الغذائي جراء الجفاف المستمر وارتفاع أسعار المواد الأساسية في الأسواق العالمية.
وفي كينيا، يعاني 3.1 ملايين شخص من آثار فقدان الأمن الغذائي، الذي يعد أحد آثار سنوات الجفاف المتعاقبة منذ 2014. وفي مدغشقر، يواجه 1.3 مليون شخص حالة من غياب الأمن الغذائي نتيجة الجفاف.
وأما في العراق، فأدى الجفاف هذا العام إلى نزوح 1200 عائلة من مناطق الأهوار ومناطق زراعية في جنوب البلاد على مدى 6 أشهر بسبب الجفاف ونقص المياه، وقالت الأمم المتحدة إن الانخفاض الحاد في مياه الأهوار أفقد 6 آلاف أسرة ريفية مصدر رزقها الوحيد وهو الجواميس.
وامتد الجفاف إلى دول المحيط الهادي، فقد أعلنت حكومة دولة كيريباتي (عبارة عن جزر) حالة الكارثة جراء حالة الجفاف التي أضرت بـ 40% من السكان.
-
الأوبئة
سجلت آلاف حالات الوفيات والإصابات بالعديد من الأوبئة مثل الكوليرا وإيبولا والحصبة، وكانت أكثر الدول تضررا هي الكونغو الديمقراطية (1294 وفاة بالحصبة و9137 إصابة بالكوليرا) وأيضا ملاوي (67 وفاة و1736 إصابة).
وأصيب 6444 شخصا بالحصبة في زيمبابوي، توفي منهم 698، وسجلت 7 إصابات ووفاة واحدة بمرض إيبولا في أوغندا، ورصدت حالات إصابة ووفيات بالكوليرا في الكاميرون وسوريا ولبنان وجنوب أفريقيا وإثيوبيا وهايتي.
-
الأعاصير
خلفت الأعاصير والعواصف خسائر في المنازل والزراعة ورؤوس الماشية وانقطاعا للتيار الكهربائي والمياه، وإيقاف الرحلات الجوية في دول متعددة، ومنها الولايات المتحدة وتايلند وكمبوديا ولاوس ودول منطقة الكاريبي مثل كوبا وجامايكا.
-
الزلازل
أدت العديد من الزلازل القوية التي ضربت بعض دول آسيا وأميركا الجنوبية إلى انهيار جزئي أو كلي لعشرات آلاف المنازل، وتشريد مئات الآلاف، فضلا عن أضرار بالغة في البنية التحتية.
ومن أشد هذه الزلازل ما وقع في أفغانستان في يوليو/حزيران 2022، حيث دمر 600 منزل في ولاية خوست (جنوب شرق) وحدها، وفي إيران تسبب زلزال في أكتوبر/تشرين الثاني 2022 في دمار جزئي لقرابة 200 منزل، والحصيلة نفسها سجلت في المكسيك بعدما ضربها زلزال في سبتمبر/أيلول الماضي.
الكلفة المالية
قدرت الأضرار جراء فيضانات باكستان بـ30 مليار دولار، وفق تصريحات رسمية، في حين قالت السلطات الأميركية إن إعادة بناء المناطق الساحلية التي دمرها الإعصار إيان في ولاية فلوريدا ستستغرق شهورا، وتكلف 50 مليار دولار وربما أكثر.
وفي الصين، قالت السلطات في يوليو/تموز الماضي إن الخسائر الاقتصادية المباشرة الناجمة عن الكوارث الطبيعية في البلاد بلغت 88.81 مليار يوان (قرابة 13.13 مليار دولار) خلال النصف الأول من عام 2022.
وتقدر شركة “سويس آر إي” (Swiss Re) للتأمين أن العواصف والأمطار الغزيرة في فرنسا تسببت في خسائر بقيمة 4 مليارات يورو (3.9 مليار دولار) في النصف الأول من العام 2022.
وقال البنك الدولي في تقرير صدر له في أغسطس/آب 2022 إن تقديراته تفيد بأن الكوارث، مثل الفيضانات والزلازل ونوبات الجفاف، تتسبب للمغرب في خسارة تفوق 575 مليون دولار كل عام. وفي تونس، تشير بيانات البنك الدولي أيضا إلى أن متوسط الخسارة السنوية الناتجة من الفيضانات وحدها يبلغ 40 مليون دولار.
شركات التأمين
ومن أبرز المؤسسات التي تُعنى بتقييم حجم الخسائر المالية الناتجة عن الكوارث الطبيعية شركات التأمين العالمية، فشركة “ميونيخ آر إي” تقول إن الفيضانات والزلازل والعواصف كبّدت العالم خسائر بقيمة 65 مليار دولار، نصفها في الولايات المتحدة (28 مليار دولار)، وتعزى أساسا إلى العواصف والأعاصير التي شهدتها البلاد.
وفي أستراليا، بلغت قيمة خسائر الفيضانات والأمطار الشديدة 6.6 مليارات دولار، وفي اليابان قدرت خسائر زلزال، بلغت شدته 7.2 درجات على مقياس ريختر وحدث في مارس/آذار الماضي، بنحو 8.8 مليارات دولار.
وحسب شركة التأمين نفسها، فإن منطقة آسيا والهادي تكبدت خسائر جراء الكوارث الطبيعية قيمتها 22 مليار دولار في النصف الأول من العام الجاري، وهي قيمة أكبر من المستويات المعهودة.
وقدرت شركة “ميونيخ آر إي” الخسائر الناتجة عن العواصف الشتوية التي ضربت دول أوروبا في فبراير/شباط الماضي بنحو 5.2 مليارات دولار.
ومن المهم الإشارة هنا إلى ضرورة أخذ تقييمات شركات التأمين العالمية لحجم الخسائر المترتبة عن الكوارث الطبيعية بتحفظ وبنسبية، فتقدير الخسائر التي تقدمها هذه الشركات مرتبط أساسا بالأضرار المؤمّن عليها، وبالتالي فهي لا تعبر عن كافة الخسائر الناتجة عن الكوارث الطبيعية في العالم، بل هي تمثل نسبة ضئيلة فقط منها، إذ يقول جيروم جان هيغيلي كبير الاقتصاديين لدى شركة “سويس آر إي” إن 75% من جميع الكوارث الطبيعية في العالم ليست مشمولة بتغطية تأمينية.