الاخبار العاجلةسياسة

ميديا بارت: أسرار العملية العسكرية التي استخدمت فيها إسرائيل الأسلحة البيولوجية عام 1948

بعد 3 أرباع قرن لا تزال دولة إسرائيل مستمرة في إخفاء ذلك السر الرهيب عندما استخدم الهاغاناه (سلف الجيش الإسرائيلي) الأسلحة البيولوجية عام 1948 أثناء ما تسميها حرب الاستقلال لتسميم الآبار في القرى الفلسطينية، حسب اثنين من مؤرخي إسرائيل التي لم توقع حتى الآن على الاتفاقية الدولية التي تحظر ذلك النوع من الأسلحة.

يقول موقع “ميديا بارت” (Mediapart) الفرنسي إن القادة الإسرائيليين مدنيين وعسكريين واجهوا على مدى عقود بنفي قاطع وساخط بل وبالاتهام بمعاداة السامية أحيانا كل من يشكك ويطرح السؤال المتعلق باستخدام مقاتلي الهاغاناه الأسلحة البيولوجية عام 1948 لتسميم آبار القرى الفلسطينية، لإرغام سكانها على الفرار وثنيهم عن العودة، ولمنع استخدام التجمعات الفلسطينية المهجورة قواعد للجيوش العربية التي تعارض تقسيم فلسطين وإنشاء دولة إسرائيل.

وأوضح الموقع -في تقرير بقلم رينيه باكمان- أن المؤرخين والصحفيين الذين رفضوا الاكتفاء بهذا الإنكار لم تكن مهمتهم في البحث عن الحقيقة سهلة، لأن الأجهزة الحكومية أزالت المعلومات المتعلقة بالترسانة الإسرائيلية البيولوجية في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي من الأرشيف العام.

وحتى يوميات ديفيد بن غوريون التي نشرتها وزارة الدفاع عام 1982 فقد حذفت منها بعض المقاطع الحساسة، لكن تأكيدات هذه الشكوك والحجج الداعمة لهذه الاتهامات قد اخترقت أخيرا السرية التي غطت هذه الحلقة مع مر السنين، حسب الموقع.

في ذكرى النكبة الفلسطينية.. أفلام ننصحك بمشاهدتها
إحدى صور النكبة (مواقع تواصل اجتماعي)

الكشف الأول عام 1993

في أغسطس/آب 1993 ظهر مقال للصحفية الاستقصائية سارة ليبوفيتز-دار بصحيفة حداشوت ​​اليومية تحت عنوان “ميكروبات في خدمة الدولة” جمعت فيه أسرار المؤرخ العسكري أوري ميلشتاين وشهادة الرئيس السابق لوحدة الهاغاناه “العلمية” العقيد شلومو غور.

وكشفت المقالة عن تسمم موارد مياه الشرب في سان جان داكر شمال البلاد وغزة في الجنوب عام 1948، مما تسبب في وباء التيفوئيد، كما كشفت لأول مرة عن أسماء ضباط الهاغاناه المسؤولين عن هذه “الجرائم البيولوجية”، بل إنها عثرت على الضابط المسؤول عن تسميم سان جان داكر، وسألها “لماذا أنت مهتمة بمشاكل عمرها 45 عاما؟ وماذا تستفيدين منها؟” لتستنتج أن “ما تم إنجازه بحماس وقناعة آنذاك أصبح الآن عارا مخفيا”.

واستعرض الموقع ما قدمه سيث كاروس الأكاديمي الأميركي المتخصص في الأسلحة البيولوجية في كتاب له تحدث فيه تحت عنوان “الإرهابيون الصهاينة” عن اتهامات بتسميم آبار في سان جان داكر، وتكهنات تتعلق بسبب انتشار وباء الكوليرا في سوريا ومصر عامي 1947 و1948.

ونشر الباحث الفلسطيني المختص بتاريخ النكبة سلمان أبو ستة -حسب الموقع- مقالا طويلا أكد فيه استخدام مقاتلي الهاغاناه جراثيم التيفوئيد في سان جان داكر وغزة، واستعرض فيه بعض ما دار في اجتماع حضره ضباط بريطانيون ومندوبو اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومراقبو الأمم المتحدة يوم السادس من مايو/أيار 1948، إذ أفاد أحد المشاركين بأن مقاتلي الهاغاناه تجولوا في أنحاء المدينة في شاحنات مزودة بمكبرات صوت وصرخوا “استسلم أو اقتل نفسك، سوف ندمرك حتى النهاية”.

وأشار أحد مراقبي الأمم المتحدة إلى أن المقاتلين شاركوا في نهب ممنهج للمنازل المهجورة “لقد أخذوا الأثاث والملابس وكل ما يمكن أن يكون مفيدا للمهاجرين اليهود الجدد، من الواضح أن هناك خطة لثني اللاجئين عن العودة”.

وكشف مقال أبو ستة عن الدور المركزي لديفيد بن غوريون والعديد من الشخصيات البارزة في إنشاء وحدة الهاغاناه “العلمية” المسؤولة عن تصميم أو شراء أسلحة بيولوجية، ووصفه بأنه المخطط الإستراتيجي والقائد العام لحملة تسميم المياه، لأنه هو الذي حدد الأهداف واختار المنفذين وأصدر الأوامر وتلقى تقارير العمليات، مما كان ينبغي أن يثير على الأقل نقاشا في إسرائيل.

اقرأ ايضاً
السعودية تعلن إصابة طفلين وتضرر منازل بقصف للحوثيين

لا مجال للشك

وإذا كان من السهل تجاهل رواية الكاتب الفلسطيني فسيكون من الصعب تجاهل ما ورد في المجلة التاريخية الأكاديمية البريطانية “ميدل إيسترن ستاديز” (Middle Eastern Studies)، إذ نشر اثنان من أشهر المؤرخين الإسرائيليين -هما بيني موريس (74 عاما) وبنيامين كيدار (84 عاما)، وكلاهما صهيونيان- مقالا طويلا لا يدع مجالا للشك.

فقد أوضح المؤلفان أن الهاغاناه انخرطت في عملية سرية واسعة النطاق تهدف إلى تسميم مياه عدة قرى فلسطينية، وقالا “أعدنا بناء مسار العملية وعرفنا من أذن بها ونظمها وسيطر عليها، وكيف حدثت في عدة مناطق، وبفضل معرفة اسمها الرمزي “ارمِ خبزك” الذي زودنا به المؤرخ أوري ميلشتاين تمكنا من الاطلاع على مئات الملفات من الجيش ووزارة الدفاع”.

ويلخص المؤرخان -اللذان قابلا الرئيس السابق إفرايم كاتسير الذي كان مسؤولا عن وحدة علوم الهاغاناه- وضابطة مخابرات سابقة بالجيش، وحصلا على مذكرات مكتوبة ووثائق عديدة، من ضمنها رسالة من بن غوريون- ما توصلا إليه قائليْن “كشفت لنا هذه الوثائق أن عمليات سان جان داكر وغزة لم تكن سوى الجزء الظاهر والمرئي من حملة مطولة تم تصورها في الأصل لمنع المليشيات العربية من العودة إلى قراها ولصد الجيوش العربية”.

وحسب المؤرخيْن، اتخذ قرار إطلاق عملية “ارمِ خبزك” في ليلة 31 مارس/آذار 1948 في اجتماع طارئ عقده بن غوريون مع رئيس يشوف (الجالية اليهودية في فلسطين) بعد أن لم تؤت طريقة هدم المنازل بالجرافات وتدمير الآبار التي كانت متبعة آنذاك أكلها، فكان الحل هو تسميم الآبار والأنابيب وخزانات المياه في القرى الفلسطينية المحاصرة أو المحتلة.

Man_see_school_nakba
أحد المخيمات الفلسطينية بعد النكبة (مواقع التواصل الاجتماعي)

وانطلقت العملية الأولى لحملة “ارمِ خبزك” -حسب المؤرخين- في الأيام الأولى من أبريل/نيسان 1948 بأوامر من يغائيل يادين و”بلا شك بإذن من بن غوريون”، وقد سبقتها محاولة قام بها زعيم عصابات الهاغاناه أبا كوفنر في صيف عام 1945 عندما ذهب إلى ألمانيا لتسميم شبكات المياه الجارية في العديد من المدن أو الطعام المخصص للضباط من أسرى الحرب، وحصل على السم من اثنين من العلماء الشباب في مختبر الكيمياء العضوية بالجامعة العبرية في القدس، هما الأخوان أهارون وإفرايم كاتشالسكي اللذان غيرا اسميهما لاحقا إلى كاتسير، وأصبح أحدهما مديرا للفرع العلمي للهاغاناه.

تم تجهيز الأسلحة البيولوجية التي تم إنتاجها أو شراؤها في الخارج من قبل فريق ألكسندر كينان وتعبئتها في أقصى درجات السرية، واحتوى معظمها على عصيات التيفوئيد أو أشكال مختلفة من الزحار المعدي حسب تقرير الموقع، وكانت أهدافها الأولى تلك القرى القريبة من طريق تل أبيب القدس، ومن أهم ضباطها وزير الدفاع ثم الشؤون الخارجية السابق موشيه ديان.

وها نحن بعد 3 أرباع قرن من العملية السرية “ارمِ خبزك” لا نعلم سوى أن وحدة الهاغاناه “العلمية” أصبحت في عام 1952 المعهد الإسرائيلي للبحوث البيولوجية الذي لا يزال واحدا من أكثر الأماكن سرية في البلاد، وأن إسرائيل لم توقع حتى الآن على الاتفاقية الدولية لعام 1972 بشأن حظر الأسلحة البيولوجية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى