اقتصاد

دعوة السيسي للشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص في الصحة.. هل تنجح على غرار التعليم؟

القاهرة- جدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال مؤتمر اقتصادي مؤخرا، التأكيد على أهمية الشراكة مع القطاع الخاص في قطاعي التعليم والصحة.

ورغم التقدم الحاصل في ملف الشراكة في مجال التعليم، فإن الأمر يبدو مختلفا على صعيد الصحة.

تلك المفارقة دفعت السيسي للتصريح بأنه “لم يتقدم أحد من المستثمرين للشراكة مع الحكومة في المستشفيات المطروحة للشراكة، رغم أن الدولة ستدفع للمستثمر نفس ما تنفقه على المستشفى، لتأخذ مقابله خدمات علاجية للمرضى، على أن يكون المستثمر بالتطوير والحوكمة” مشيدا بقدرات القطاع الخاص في التطوير.

وكان ضمن توصيات المؤتمر الاقتصادي تسهيل إجراءات الشراكة مع الدولة في المستشفيات القائمة والجديدة، بإدارة القطاع الخاص للمنشآت الصحية بنظام حق الامتياز.

ويمر عام كامل على موافقة البرلمان على قانون ينظم الشراكة مع القطاع الخاص في البنية التحتية والرعاية الصحية والتعليم، وإدخال آليات تنظيمية جديدة وبسيطة، تطبيقاً لالتزامات مصر مع صندوق النقد الدولي لتخارج الحكومة من السوق، ويحدد القانون قيمة موحدة للخدمة في جميع المستشفيات والمراكز الصحية.

من جانبه، ثمن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في كلمته أمام المؤتمر الاقتصادي استمرار الحكومة في تقديم “المحفزات المطلوبة” للشراكة مع القطاع الخاص.

وزادت المنشآت الصحية من عام 2009 حتى 2019 بنسبة 11%، كما ارتفع عدد الأسرّة في المستشفيات الخاصة بنسبة 68%، واستحوذ نصيب القطاع الخاص على 28% من إجمالي عدد الأسرَّة، وفق بيانات رسمية، في حين يبلغ عدد المستشفيات نحو ألفين و700 مستشفى، يعمل بها 120 ألفاً و606 أطباء، فضلا عن أطقم التمريض.

وبحسب وزير الصحة والسكان خالد عبد الغفار، يحتاج القطاع لتوفير 4 آلاف سرير سنويا حتى عام 2030، تحتاج نحو 60 مليار جنيه (2.5 مليار دولار) سنويا لمواكبة معدلات الزيادة السنوية للسكان البالغة نحو 2.5 مليون نسمة، مما يمثل فرصة أمام القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال بتقدير الوزير.

وتشمل الفرص المتاحة أمام القطاع الخاص عقود الخدمة، الإدارة، التأجير التشغيلي والتمويلي، عقود الامتياز والبناء، التشغيل، نقل الملكية.

وفي حديثه للجزيرة نت، أشار العضو المنتدب لمستشفيات دار العيون خالد سمير إلى أن الحكومة طرحت مستشفيات التكامل منذ عدة سنوات أمام القطاع الخاص لإدارتها وتشغيلها، لكن إلى وقت قريب “لم يحدث شيء بعد الطرح، ويبدو أن الأمر لم يعمل بشكل مرض”.

ولفت المتحدث إلى أن الحاصل حاليا هو مشاركة القطاع الخاص في الخدمات غير الطبية بالمستشفيات الحكومية كالأمن والنظافة وربما التغذية.

وأعلنت الحكومة مؤخرا عرض بعض المستشفيات المملوكة للدولة للبيع، وهو ما يعني “تخليها عن فكرة الشراكة، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية واحتياجها للسيولة” بحسب المتحدث.

وطرح سمير “أفكارا غير تقليدية” لإنجاح الشراكة في مجال السياحة العلاجية، عبر استقبال مرضى عرب وأجانب للعلاج، لانخفاض تكلفة العلاج مقارنة بالدول الأخرى، وخاصة في تخصصات الباطنة والتجميل، مؤكدا أن قدرات مصر هائلة في السياحة العلاجية مقارنة بدول أخرى.

وانتقد قيام وسائل إعلام بـ “التشهير بالخدمات الصحية” مما دفع بالبعض إلى “الإحجام” عن الاستثمار فيها.

12 1
إجمالي عدد المدارس الحكومية بمصر نحو 50 ألفا حسب آخر إحصاء رسمي (الجزيرة)

إرادة سياسية

وفي حديثه للجزيرة نت، أرجع رئيس لجنة الصحة السابق بالبرلمان مجدي مرشد إحجام القطاع الخاص عن الشراكة في إدارة المستشفيات والوحدات الصحية إلى “غياب” الإرادة السياسية في السابق لتفعيل الشراكة، إلا أن “الأمر مختلف بعد تبني الرئيس شخصيا للملف بنفسه”.

وأكد مرشد ـوهو أيضا قائم بأعمال رئيس حزب المؤتمرـ أن الشراكة فرصة للاستفادة من مؤسسات صحية راكدة، وتحتاج لفكر جديد متوافر لدى القطاع الخاص، يستفاد منه في إدارة وتطوير الأصول الصحية بشروط واضحة تضمن حقوق الحكومة والمستثمرين معاً، بما يشغل هذه المؤسسات الصحية بكفاءة بدلا من توقفها أو تعثرها.

وهناك 377 مستشفى تكامليا بالمحافظات والريف “متعطشة لخدمة صحية جيدة” بحسب المتحدث، وهذه المستشفيات اليوم “صروح خاوية” تحتاج للتجهيز والتشغيل بـ “إدارة رشيدة” بالشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، لتقديم الخدمة المناسبة من خلال التأمين الصحي الشامل.

وأشار إلى حصول نحو 47 مستشفى تكامليا بريف الصعيد على منحة بقيمة 75 مليون دولار من الحكومة اليابانية، خُصصت لترميمها وتجهيزها لتقديم الخدمات منذ عام 2017، ولكن إلى الآن “لا تؤدي مهامها، وهنا يبرز دور القطاع الخاص للتشغيل”.

اقرأ ايضاً
"ساما": أكثر من 16 ألف عقد سكني جديد للأفراد خلال شهر أغسطس 2022

علاوة على ذلك، هناك نحو 5 آلاف و300 وحدة صحية هي الأخرى “لا تقدم إلا دورا وقائيا محدودا دون دور علاجي ملموس، رغم أنها تمثل البوابة الرئيسية لتقديم الرعاية الأولية الأساسية بالريف، وتمثل فرصة فعالة للشراكة مع قطاع خاص ليجهزها ويطورها لتقديم خدماتها” بحسب مرشد الذي أعرب عن “الأسف” لأن الرعاية الأساسية الأولية نقطة الضعف في المنظومة الصحية “منذ أكثر من عشرين سنة”.

ونفى المتحدث “تقاعس” المستثمرين عن المساهمة والمشاركة في قطاع الصحة، بل هم “يريدون الاطمئنان على استثماراتهم، بموازاة ضرورة إرسال رسائل طمأنة للمواطنين ضد تهمة للتخصيص أصبحت تلاحق كل محاولة تطوير واستفادة من القطاع الخاص”.

واعتبر أن الدعوة الواضحة من القيادة السياسية للقطاع الخاص، للمشاركة في إدارة المؤسسات الصحية، مشجعة على الاستثمار في إدارتها وتطويرها، والاستفادة بكل الخبرات والطاقات الحكومية منها والخاصة “لتجهيز المنظومة الصحية للجمهورية الجديدة”.

بدوره أكد المتحدث باسم وزارة الصحة حسام عبد الغفار أن الدولة لن تتخلى عن دورها في تقديم الخدمات الصحية للمواطنين بأفضل جودة ممكنة، موضحا في تصريحات صحفية أن المشاركة بين الدولة والقطاع الخاص في مجالات الرعاية الصحية تستهدف تعويض أي خلل أو نقص في تلك الخدمات، مع احتفاظ الدولة بدورها في ضبط تقديم الخدمة الصحية.

صورة د مجدي مرشد: تناول الرئيس للملف يشجع على إنجاح الشراكة في مجال الصحة. (الصورة من الصحة الشخصية للدكتور مجدي مرشد ـ رئيس لجنة الصحة السابق بالبرلمان ـ مصر ـ ارشيف)
مجدي مرشد يؤكد آن الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص فرصة للاستفادة من مؤسسات صحية راكدة (الجزيرة)

التعليم مختلف

في ملف الشراكة مع القطاع الخاص بمجال التعليم، يمضي الأمر بشكل أفضل، إذ يعتبر التعليم قطاعا “مستقرا” يسمح بالاستثمارات طويلة الأجل وتقديم تعليم “عالي التأثير وفعال من حيث التكلفة وبأسعار معقولة وجودة عالية” بحسب معنيين بالملف.

وانطلقت الشراكة قبل عام بمشروع الألف مدرسة، لإنشاء مدارس تقدم “خدمة تفوق المستوى التعليمي لطلاب المدارس الحكومية التجريبية، وبأسعار مخفضة تناسب أبناء الشريحة المتوسطة” وفق بيانات صحفية رسمية.

ومن المقرر الانتهاء من تنفيذ المدارس في غضون 9 سنوات، وتقدم للمشروع بالفعل مستثمرون محليون وعرب، وبلغ عدد المدارس التي تم إنشاؤها بالمرحلة الأولى ضمن المشروع نحو 54 مدرسة، دخلت معظمها الخدمة بالفعل، وتعاونت لتنفيذها مع الحكومة 5 شركات، بعد توقيع العقود في فبراير/شباط 2021 بتكلفة استثمارية تناهز 650 مليون جنيه (نحو 27 مليون دولار).

ويبلغ إجمالي عدد المدارس الحكومية نحو 50 ألف مدرسة، بحسب آخر إحصاء رسمي.

وطرحت الحكومة المرحلة الثانية للمشروع فيما يُعرف باسم التأهيل المسبق، حيث يجري نوفمبر/تشرين الثاني الحالي تلقي الطلبات للمشاركة، وتُقدر قيمة الاستثمارات المتوقعة بنحو مليار جنيه (نحو 40 مليون دولار) على أن يجري الافتتاح العام الدراسي 2022/ 2023، ومن المقرر افتتاح 98 مدرسة في المرحلة الثانية.

وينحصر دور القطاع الخاص في الشراكة بالعمل على صيانة وتقديم الخدمة بالمدارس لمدة تصل لنحو 30 سنة، بإشراف مباشر من وزارة التربية والتعليم، وبعد انتهاء تلك المدة تؤول تلك المدارس للتعليم.

وشهد هذا العام زيادة في الشراكات بين القطاعين العام والخاص في منصات كبرى للاستثمار بالتعليم، وهي نموذج مختلف للشراكة عما تطرحه الحكومة فيما يخص عودة المشروعات للحكومة نهاية مدة الشراكة، منها تحالف “سيرا” “والأهلي كابيتال القابضة” ومنصة “لايتهاوس” بين شركة مصر القابضة للتأمين والشركات التابعة لها والصندوق السيادي وبنك مصر وبنك قناة السويس.

وخصص صندوق مصر السيادي مبلغ 250 مليون جنيه لصندوق التعليم بالمجموعة المالية “هيرميس” الذي أُنشئ كشركة مشتركة مناصفة بين المجموعة المالية ومؤسسة جيمس للتعليم للاستثمار في التعليم ما قبل الجامعي.

ومشاركة القطاع العام يطمئن المستثمرين الآخرين بأنه “جرى بذل العناية الواجبة وإتمام الإجراءات اللازمة قبل إطلاق تلك المشروعات” بحسب مستثمرين.

وقال مدير الوحدة المركزية للشراكة بين القطاعين العام والخاص بوزارة المالية عاطر حنورة إن الصندوق السيادي هو إحدى آليات الاستثمار للدولة، مشيراً في تصريحات صحفية إلى “إسهاماته الفعالة” في عملية التنمية من خلال الاستثمار في الأصول المملوكة للدولة.

وتأسس صندوق مصر السيادي عام 2018، بهدف المساهمة الإيجابية في التنمية الاقتصادية، عبر جذب ودعم الاستثمار المشترك بالأصول المملوكة للدولة، بما يحقق الاستغلال الأمثل لها.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى