تاريخ حافل من المواجهة مع السلطة.. هذه أبرز محطات نادي قضاة مصر بين يدي انتخاباته
القاهرة- يتجه قضاة مصر للمشاركة في انتخابات التجديد لناديهم في ديسمبر/كانون الأول المقبل، التي كانت تعد من أبرز المعارك الانتخابية في مصر، بحكم تاريخ النادي في الاشتباك مع الحياة السياسية والتدافع المستمر باتجاه استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية.
وحسب مصادر قضائية وحقوقية تحدثت للجزيرة نت، فإن أبرز المجالس التي صنعت تاريخ النادي واستقلاله هي المجالس التي ترأسها قضاة محسوبون على “تيار الاستقلال”، مثل المستشارين الراحلين وجدي عبد الصمد ويحيى الرفاعي، بالإضافة إلى المستشار زكريا عبد العزيز، الذين تبنوا مطالب إقرار استقلال القضاء وسيادة القانون وإعلاء الحريات العامة.
كما تعد دورة المجلس التي ترأسها القاضي أحمد الزند -تولى منصب وزارة العدل في ما بعد- واحدة من أبرز دورات النادي، إذ أثارت ولاية الزند -إضافة إلى حضوره القوي- جدلا واسعا في أوساط القضاة والفضاء الإعلامي وحتى السياسي بين مؤيد ومعارض.
وتعلن الدولة عادة الوقوف على الحياد في انتخابات نادي القضاة، كما أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في مناسبات عدة أن الدستور المصري يحافظ على استقلال السلطة القضائية.
نادٍ ذات تاريخ وثقل
يقع نادي القضاة في موقع إستراتيجي في قلب مدينة القاهرة، بجوار نقابتي الصحفيين والمحامين ودار القضاء العالي، ويتبعه 25 ناديا في محافظات مصر، أبرزها نادي الإسكندرية (شمالي البلاد).
وافتتح النادي عام 1950 بعد اجتماع عشرات من القضاة وأعضاء النيابة العامة في فبراير/شباط 1939 لتأسيس النادي، بهدف العمل على استقلال القضاء، وأثمرت الجهود إصدار أول قانون لاستقلال القضاء عام 1949.
ويتألف مجلس إدارة النادي -وفقا للائحته الداخلية- من 15 عضوا؛ 5 عن قضاة النقض والاستئناف، ومنهم الرئيس، و5 عن رؤساء وقضاة المحاكم الابتدائية، و5 عن أعضاء النيابة العامة، وجميعهم منتخبون من الجمعية العامة لمدة 3 سنوات، مع تجديد الثلث كل سنة.
وتقدم رئيس مجلس إدارة النادي المنتهية ولايته القاضي محمد عبد المحسن في 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي لخوض الانتخابات للمرة الثالثة، بقائمة كاملة على جميع مقاعد مجلس إدارة النادي.
في المقابل، ينافسه على منصب الرئيس قاضيان بارزان بلا قوائم حتى وقت إعداد المادة، هما: الرئيسان بمحكمة الاستئناف محمد الذهبي ومصطفى بدير، إلى جانب 37 مرشحا على باقي المقاعد. في حين يغيب عن الانتخابات مرشحو تيار استقلال القضاء، بسبب حساسية الأوضاع السياسية التي تعرضوا لها في السنوات الماضية، وفقا لمصادر قضائية تحدثت للجزيرة نت.
وشارك في الانتخابات الأخيرة عام 2019 نحو 5 آلاف قاض، من إجمالي 15 ألف قاض وعضو بالنيابة العامة، وفق تقديرات غير رسمية.
وتحظر السلطات القضائية في مصر رسميا منذ أوائل أكتوبر/تشرين الأول الماضي على القضاة الإدلاء بتصريحات صحفية في أي شأن يخص القضاة.
تفكيك التكتلات
في تصريحات صحفية سابقة، أكد المستشار محمد عبد المحسن أن فترته الماضية شهدت بعض الإنجازات في مجال الخدمات الاجتماعية والمعيشية للقضاة، والتزم فيها بإبعاد النادي عن السياسة، مع استمرار الدفاع عن استقلال القضاء. ويرفض عبد المحسن اعتباره ومجلسه محسوبين على التيار المقرب من الحكومة.
وحسب تقدير مراقب حقوقي تحدث للجزيرة نت، فإن الواقع الحالي لا يشير إلى حدوث تغيير في الانتخابات، إلا إذا حدثت مفاجآت غير متوقعة، مبينا أن الوضع الحالي للنادي لا يعبر عن المزاج العام للقضاة، ولكن يعبر عن حرص القضاة على القرب من السلطة التنفيذية بسبب الضغوط المفروضة عليهم، وفق تعبيره.
ويوضح الحقوقي المصري -الذي طلب عدم الإفصاح عن اسمه- أن ما حدث في السنوات الماضية لنادي القضاة هو “تأكيد على نجاح الدولة في خطتها بعد 2013، في تفكيك التكتلات القائمة ومنع ظهور أي تكتلات جديدة في المشهد العام، ومن بينها نادي القضاة”، حسب وصفه.
قوة النادي من استقلال القضاة
في هذا السياق، يرى رئيس محكمة الاستئناف السابق وأحد قيادات تيار الاستقلال القضائي المستشار محمد سليمان أن مجالس إدارة نادي القضاة يكون لها حضور قوي عندما يكون للقضاة ناد له كلمته المسموعة لدى السلطة ولدى الرأي العام، حيث إن قطاعا عريضا من الشعب ينتظر قيام القضاة بدورهم في الدفاع عن سيادة القانون واستقلال القضاء.
وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح سليمان أن من أبرز مجالس النادي في العصر الحديث كان مجلس القاضي زكريا عبد العزيز، حيث كانت مواقفه واضحة في محاربة محاولات تزوير انتخابات مجلس الشعب 2005 والدفاع عن استقلال القضاء.
وانتقد سليمان مجلس إدارة نادي القضاة في عهد المستشار أحمد الزند، إذ رأى أن “الزند قتل منظومة العدالة بأسرها، وأدخل القضاة في معترك السياسة، فأفسد العدالة ووقف في وجه الشرعية الدستورية”، وهي الاتهامات التي نفاها الزند عن نفسه.
ويشير سليمان إلى أن فترات هدوء النادي مرتبطة بغياب دوره في الدفاع عن القضاة واستقلالهم، وتحوله كما يريد له البعض ليكون مقرا لناد اجتماعي يقدم “الشاي والقهوة ورحلات الصيف”، حسب وصفه.
قبلة القضاة
من جانبه، يرى المتحدث الرسمي السابق لنادي قضاة مصر القاضي رضا محمود أن النادي “بيت القضاة وقبلتهم وملاذهم في كل أمورهم، ويقف مدافعا عن مصالحهم بكل وقار والتزام مستمسكا بقيم قضائية تليدة رسخها شيوخ القضاة”.
وفي بيان سابق، رأى محمود أن النادي منذ نشأته كانت له مواقفه المشرفة على مدار تاريخه، حيث توالت على رئاسته وعضويته قامات من رجال القضاء العظام الذين سجلوا بأحرف من نور العديد من المواقف الخالدة دفاعا عن استقلال القضاء.
القاضي وجدي عبد الصمد
تاريخيا، يعد القاضي الراحل وجدي عبد الصمد (1928-2010) أحد أبرز رؤساء النادي المؤسسين لمدرسة الاستقلال القضائي بمصر، ولذلك كان مجلسه صاحب حضور مؤثر في عهدي الرئيسين الراحلين محمد أنور السادات ومحمد حسني مبارك، وفق تعبير مصدر قضائي تحدث للجزيرة نت.
وانتخب عبد الصمد رئيسا لنادي القضاة دورتين متتاليتين منذ عام 1980 وحتى 1985، رغم المحاولات الحكومية لإقصائه، ثم اختاره القضاة رئيسا شرفيا للنادي مدى الحياة.
وطالب عبد الصمد من الرئيس السادات -في خطاب شهير- احترام السلطة القضائية، مؤكدا أن “القضاء ولاية وليس وظيفة ولن يكون”، وقاد مواجهة مع الرئيس الراحل عام 1980 ضد إنشاء الأخير محاكم استثنائية مثل محكمة “القيم”، وإصدار قانون حماية القيم من العيب، وتقييد الحريات العامة.
وحصد عبد الصمد ومجلسه نجاحا تاريخيا بعد إقرار البرلمان القانون رقم 35 لسنة 1984، وهو القانون الذي نظم تشكيل مجلس القضاء الأعلى واختصاصاته، ومد الحصانة إلى رجال النيابة العامة.
القاضي يحيي الرفاعي
برز دور نادي القضاة بشكل كبير في وجود القاضي الراحل يحيي الرفاعي (1931-2010)، الذي يعد -حسب وصف مصدر حقوقي تحدث للجزيرة نت- “ناظر مدرسة استقلال القضاء بمصر”، التي انتسب لها رموز كثيرون بسببه، ومنهم رؤساء للنادي، واختاروه رئيسا شرفيا مدى الحياة للنادي.
وفي عام 1952 انتخب الرفاعي عضوا بمجلس إدارة النادي، ثم شغل منصب سكرتير عام النادي في عهد رئيسه القاضي الراحل ممتاز نصار (1912-1987).
كما برز دوره في الجمعية العمومية للنادي التي عقدها بعد حرب 1967، فشارك في صياغة بيان مارس/آذار الشهير الذي استنكر فيه القضاة الهجوم على القضاء، وهو البيان الذي كان أحد الأسباب المباشرة لفصله ضمن ما عُرف بمذبحة القضاة الأولى في مصر في سبتمبر/أيلول 1969، التي ارتبطت بفصل العشرات من القضاة تعسفيا.
في هذه الفترة تصاعد الخلاف بين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ونادي القضاة، وجرت انتخابات النادي عام 1969 بين قائمتين إحداهما محسوبة على الرئيس والأخرى سميت “الأحرار”، وكانت محسوبة على تيار الرفاعي، وانتهت بفوز ساحق لتيار استقلال القضاء تحت قيادة “ممتاز نصار”، قبل أن تطيح به قرارات المذبحة القضائية الشهيرة.
وعاد الرفاعي لمنصة القضاة بحكم قضائي عام 1972، وانتخب بعدها عضوا بمجلس نادي القضاة، وأسهم في نشاط النادي المطالب باستقلال القضاء.
في حقبة الرئيس الراحل حسني مبارك، قاد الرفاعي إبان رئاسته نادي القضاة عقد “مؤتمر العدالة الأول” في مصر عام 1986، وكان المؤتمر الأخير فلم يعقد إلى الآن.
وفي هذا المؤتمر، قاد الرفاعي مواجهة القضاة ضد سياسات مبارك، مطالبا بضرورة إلغاء قانون الطوارئ وإعلاء سيادة القانون.
القاضي زكريا عبد العزيز
وفق تقديرات مراقب حقوقي تحدث للجزيرة نت، فإن من أبرز مجالس نادي قضاة مصر المجلس الذي ترأسه القاضي زكريا عبد العزيز عام 2005، الذي قاد -بمساعدة العديد من شيوخ القضاة- ما سمي انتفاضة القضاة عام 2006 للمطالبة باستقلال القضاء.
وصعد تيار الاستقلال القضائي منذ عام 2001، بقيادة عبد العزيز في انتخابات نادي القضاة، ملحقا الهزيمة بالقوائم المحسوبة على الحكومة، حيث فاز عبد العزيز في انتخابات عام 2001 بمنصب الرئيس، ليحصد أغلبية مطلقة بالمجلس في الانتخابات المبكرة عام 2002 بعد الفوز بكل مقاعد مجلس الإدارة.
وفي مايو/أيار 2005، قررت الجمعية العمومية لنادي القضاة برئاسة عبد العزيز الامتناع عن الإشراف على الانتخابات البرلمانية التي كان مزمعا عقدها في نهاية العام، إذا لم يتم تنفيذ مطالب القضاة في إقرار قانونهم الخاص بالسلطة القضائية ومنحهم سلطة الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات.
وفي منتصف عام 2006، تحرك عبد العزيز في مواجهة قرار الحكومة بإحالة القاضيين هشام البسطويسي ومحمود مكي إلى محاكمة تأديبية بسبب حديثهما عن تزوير الانتخابات، وأعلن عبد العزيز ومجلسه الاعتصام، وسط تضامن حزبي وشعبي واسع، مما أدى إلى الاكتفاء بتوجيه اللوم إلى القاضيين.
القاضي أحمد الزند
من أكثر مجالس نادي قضاة مصر إثارة للجدل المجلس الذي ترأسه القاضي أحمد الزند عام 2009، وإعادة انتخابه مرة أخرى عام 2012، لمدة 3 سنوات، قبل أن يتولى منصب وزير العدل في البلاد في مايو/أيار 2015 لمدة عام فقط، قبل إقالته إثر تصريحات اعتبرت مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وأعلن الزند تجميد كافة الأنشطة العامة والاكتفاء بالدور الخدمي للنادي فقط قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، لكن سرعان ما شهد النادي بعد الثورة نشاطا معارضا واسعا في مواجهة الرئيس الراحل محمد مرسي، قبل إعلان الزند مشاركة النادي في مظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013.