الاخبار العاجلةسياسة

بين الداخل والخارج.. أبرز اللاعبين وشروط انتخاب الرئيس اللبناني

بيروت- يتكرر مشهد إخفاق البرلمان في انتخاب رئيس جديد للبنان، وصارت جلساته تفصيلا في بلد لم يعهد احترام المهل لإنجاز الاستحقاقات الدستورية، مقابل قفز النخبة الحاكمة إلى حلبة المناورات، وعنوانها هذه المرة “الورقة البيضاء” أو ترشيح شخصيات لا حظوظ في وصولها لسدة الرئاسة إلى حين نضوج تسوية بين الداخل وقوى إقليمية مؤثرة في المشهد اللبناني.

وسبق أن عقد برلمان لبنان 46 جلسة قبل انتخاب الرئيس ميشال عون، وسيشهد اليوم الخميس انعقاد سادس جلسة لانتخاب خلفه، ويتوقع ألا تختلف عن سابقاتها في العجز عن تتويج الرئيس الـ14 للجمهورية.

وما زالت الغلبة للأوراق البيضاء (47 ورقة) أبرز من يصوت بها نواب الثنائي حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وتيار المردة، مقابل 44 نائبا (من أصل 128) صوتوا بالجلسة الخامسة للنائب ميشال رنيه معوض المدعوم من خصوم حزب الله، أبرزهم أحزاب القوات اللبنانية والكتائب والتقدمي الاشتراكي وبعض المستقلين. ويرى كثيرون أن اسم معوض للرئاسة غير جدي، ويدخل ضمن لعبة المناورات.

ومجددا، يعود طرح اسم زعيم تيار المردة سليمان فرنجية مرشحًا لثنائي حزب الله وحركة أمل بدون إعلانهما رسميا، نظرا لعقبة رفض زعيم التيار الوطني الحر جبران باسيل دعم فرنجية. وهما خصمان مسيحيان يتنافسان على الرئاسة، وكلاهما حليف لحزب الله، بينما فرنجية حليف أيضا لزعيم حركة أمل التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري الذي يُعد من خصوم باسيل.

ويشير ذلك إلى تعقيدات كبيرة قد تمدد الشغور الرئاسي للعام المقبل، الذي يحل لأول مرة في وجود حكومة تصريف أعمال تتصدر المشهد السياسي برئاسة نجيب ميقاتي، مقابل عجزها عن إدارة الحكم، في حين يشهد لبنان فصول أسوأ انهيار اندلع منذ خريف 2019.

تطرح الجزيرة نت 4 أسئلة تفكك أسباب عجز الكتل البرلمانية عن انتخاب رئيس ودور الأطراف المؤثرة داخليا وخارجيا، والشروط المطلوبة لإنجاز الاستحقاق على كل من الكاتب السياسي خلدون الشريف، والكاتبين والمحللين إبراهيم بيرم ويوسف دياب.

المحلل السياسي إبراهيم بيرم - الجزيرة نت
بيرم: حزب الله وأمل سيواصلان المناورة بالورقة البيضاء لاستدراج العروض (الجزيرة نت)

ما أسباب عجز البرلمان عن انتخاب رئيس للجمهورية؟

يُذكّر إبراهيم بيرم أنها ليست المرة الأولى التي يواجه فيها البرلمان استعصاء في انتخاب رئيس، ولكنها تبدو أكثر تعقيدا من سابقاتها لأسباب، منها:

  • دخول ما يسمى بنواب “التغيير” والمستقلين الندوة البرلمانية بوصفهم عنصرا جديدا بعد انتخابات مايو/أيار 2022،
  • وغياب تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري بوصفه لاعبا سنيا أساسيا كان يملك دورا مؤثرا بصوغ التسويات الرئاسية،
  • واستعار السجال الداخلي حول نفوذ حزب الله، وتحديدا بعد خروج حليفه ميشال عون من سدة الرئاسة وفقدانه جزءا من نفوذ السلطة التنفيذية.

كل فريق سياسي يسعى لتعزيز أوراقه، وعلى رأسهم حزب الله الذي أطلق أمينه العام حسن نصر الله بخطابه الأخير شروطا جسدت المواصفات التي يريدها في الرئيس المقبل، وأهمهما “ألا يطعن بالمقاومة وألا يرتهن لواشنطن”. إذ يدرك الحزب أن السلطة التنفيذية شطران: رئاسة الجمهورية والحكومة، وهو “غير قادر على الإمساك كليا بالحكومة، فلن يسمح بقدوم رئيس ضده تحت أي عنوان”.

ويتوقع بيرم مواصلة ثنائي حزب الله وأمل المناورة بالورقة البيضاء، لاستدراج عروض مقابل ترشيحهم فرنجية، “لأن المواصفات التي أعلنها نصر الله تنطبق عليه”.

ويتحدث عن معلومات حول مساعي الحزب لتطويع باسيل للمضي في خيار فرنجية، “وقد يستغرق وقتا، باعتبار ما لم يقبل به اليوم سيقبل به غدا”.

من جانبه، يجد يوسف دياب أن عجز الكتل يرتبط بما أفرزته الانتخابات الأخيرة بدون أكثرية وأقلية برلمانية واضحتين. وقال إن البرلمان تحول لمجموعة أقليات عاجزة عن الائتلاف بأكثرية الثلثين لفرض مرشحها خلافا لبرلمانات ما بعد عام 2005.

من جهته، يرى خلدون الشريف أنه حتى لو كانت الأكثرية بيد أي طرف لن توصل رئيسا للجمهورية لا يحظى بثقة الدول المانحة، في ظل سعي لبنان لاسترضاء صندوق النقد الدولي للخروج من أزماته المتصاعدة.

خلدون الشريف - المستشار السياسي للرئيس الاسبق نجيب ميقاتي - الجزيرة نت
الشريف: لن يصل رئيس للجمهورية لا يحظى بثقة الدول المانحة (الجزيرة نت)

داخليا، ما الأطراف السياسية التي تتحكم بمصير هذا الاستحقاق؟

يفند خلدون الشريف تأثير القوى الداخلية بالاستحقاق الرئاسي، وفق التالي:

  • أولا، حزب الله يملك قدرة هائلة بوضع فيتو على أي رئيس للجمهورية أو للحكومة.
  • ثانيا، جبران باسيل يقف بموضع تفاوضي قوي، لأنه أعلن عدم ترشحه للرئاسة، ولمساهمته بإنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع إسرائيل، أي فتح بابا تفاوضيا واسعا مع واشنطن التي تفرض عقوبات. وحتى وصول فرنجية للرئاسة لن يمر بلا أصوات كتلة باسيل، وحزب الله لن يتخلى عنه، بعدما تبنى باسيل ما أراده الحزب خلال السنوات السابقة.
  • ثالثا، ملك المناورات إزاء الجميع رئيس البرلمان نبيه بري، مقابل غياب سني واضح عن التأثير بالمشهد، لأن التمثيل السني الحالي فردي ومشتت.

ويرى دياب أنه لا يمكن داخليا انتخاب رئيس خارج إرادة طرف من الكتلتين المسيحيتين الكبريين، أي كتلتي القوات وباسيل، نظرا لدورهما في توفير الغطاء المسيحي ببلد تحكمه التوازنات الطائفية والميثاقية.

اقرأ ايضاً
كتيبة جنين وعرين الأسود.. لقاءات حصرية وتفاصيل وأسرار عن المقاومة المتصاعدة في الضفة الغربية

ويضيف دياب أن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط يلعب دور “بيضة القبان”، وقد يقلب مستقبلا التوازنات من جبهة لأخرى إذا تفاوض بأسماء أخرى مع ثنائي حزب الله وحركة أمل، وهو ما ألمح إليه بزيارته الأخيرة لبري.

المحلل السياسي - يوسف دياب - الجزيرة نت
دياب: الزعيم الدرزي وليد جنبلاط يلعب دور “بيضة القبان” (الجزيرة نت)

ويُذكّر دياب بالدور المعنوي الضاغط للبطريرك الماروني بشارة الراعي -أكبر مرجع مسيحي روحي معني- في غياب المرجعية السياسية المسيحية الأولى بالجمهورية، أي الرئيس. ورغم “تأثيره الضعيف بإنجاز الاستحقاق، فإنه بعظاته يلعب دورا شعبيا مؤثرا بالشارع المسيحي”.

من جانبه، يعتقد بيرم أن اللاعب الأول والأهم بالاستحقاق الرئاسي هم ملوك الورقة البيضاء، أي حزب الله وحلفاؤه الذين يواجهون خصومات بينهم محورها جبران باسيل.

وعليه، يجد بيرم أن وصول فرنجية للرئاسة تواجهه عقبتان داخليتان: باسيل، وكتلة جنبلاط التي تربطه صداقة وطيدة برئيس مجلس النواب نبيه بري.

ويضيف المحلل أن المعلومات تشي بأن فرنجية ليس خيارا مقلقا للطبقة السياسية، بل مريحا لها لأنه من نسيجها التاريخي، ورغم علاقته الممتازة بالرئيس السوري بشار الأسد، فإنه “لا يتمرد على الصيغة اللبنانية، وقد يسعى لاستمالة رضا سعودي وفرنسي لوصوله”.

والمفارقة -برأيه- أن حزب “القوات” -رغم تقدمها بالانتخابات والسقف السياسي العالي لزعميها سمير جعجع ضد حزب الله- فإنه يبدو عاجزا عن فرض مرشحه المسيحي؛ ففي البداية “قدم جعجع نفسه مرشحا للرئاسة، ثم ألمح بدعم قائد الجيش جوزيف عون، ثم صوت لميشال معوض”.

ويقول بيرم إن حزب الله يسعى داخليا لاستدراج عروض، وفق صيغة مطروحة للتداول بالكواليس، وهي “رئيس الجمهورية من فريقنا، مقابل رئيس الحكومة من فريقكم”.

ما القوى الإقليمية التي تملك تأثيرا بالغا في الاستحقاق الرئاسي؟

يوضح الشريف أن العامل الداخلي متمم للعامل الخارجي وليس العكس، والتجربة التاريخية تشهد بذلك بعد الاستقلال (1943)، إذ تتابعت القوى الإقليمية بالتأثير على انتخابات رئاسة الجمهورية، وصولا إلى الفرض السوري لرئيس الجمهورية منذ انتخاب إلياس الهراوي بعد اتفاق الطائف (1989)، إلى إميل لحود (1998)، ثم جاء انتخاب ميشال سليمان ثمرة اتفاق الدوحة الذي أنهى صراعا طائفيا محموما بعد أحداث مايو/أيار 2008، إلى انتخاب ميشال عون 2016 بدعم مطلق من حزب الله وخلفه إيران.

ويقول إن ثمة 4 دول تلعب دورا محوريا بالملفات الأساسية اللبنانية: أميركا وفرنسا والسعودية وإيران، و”كل منها تستطيع إفشال أي اتفاق لبناني غير راضية عنه”.

وحسب المعطيات الإقليمية، يذهب الشريف إلى أن التنازع الإيراني السعودي قد يؤخر الاستحقاق الرئاسي. فإيران مثلا، “بسبب الحراك الشعبي داخلها، تتوجس من الملفات الإقليمية. والسعودية أيضا، بعد الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، وانتخاب رئيس جمهورية وحكومة بالعراق، وعدم تمديد هدنة اليمن، وزيادة إيران لإنتاج النفط، وتوتر العلاقات السعودية الأميركية، بسبب تخفيض الإنتاج بأوبك بلاس وغيرها، خلقت توجسا سعوديا من اتفاقات جانبية بين واشنطن وطهران، مما استدعى الرياض لعدم التسرع بأي دعم مباشر لاسم رئيس جمهورية وحكومة بلبنان”.

أما فرنسا، فدورها وسيط، “لأنها الوحيدة التي تتحدث مع القوى الثلاث المؤثرة، وجميعها حتى اللحظة ليست مسهلة للاستحقاق الرئاسي”.

وهنا، يقول دياب إن تأثير إيران حاليا مختلف، إذ إنها “قد تحرص ألا تتفرد بالملف الرئاسي بلا موافقة واشنطن، لأن تجربة ميشال عون كانت مريرة لحلفائه قبل خصومه، وأغلب القوى تحمّل إيران وحزب الله مسؤولية اختياره، ناهيك أن الوزراء الخارجيين اللبنانيين المدعومين منه أفسدوا علاقة لبنان مع دول عربية وقوى دولية”.

ويضيف أن حزب الله وخلفه إيران -بعد ترسيم الحدود مع إسرائيل- أدركا الانتقال لواقع آخر عنوانه ذهاب المنطقة لتسويات كبرى.

ويرى بيرم أن أي توافق أميركي إيراني قد ينتج تفاهما بشأن رئيس لبناني. ولكن أي اتفاق سعودي إيراني أو فرنسي إيراني، من غير واشنطن، لا ينتج رئيسا، في ظل ترقب وفق أي معادلة ستستقر توازنات الداخل والمنطقة.

ما الشروط المطلوب توافرها لإنجاز الاستحقاق الرئاسي؟

المطلوب -حسب دياب- انتخاب رئيس غير تابع لمحور إقليمي ضد آخر، وألا يكون رئيس تحد هدفه كسر حزب الله. وقد تتجه القوى لحياكة تسوية قوامها التفاهم على رئيس توافقي ووسطي، و”هي مواصفات تنطبق نسبيا على قائد الجيش جوزيف عون”.

لكن بيرم، يجد أن المؤشرات لا تنبئ بسهولة وصول قائد الجيش، “لأن حزب الله لا يفصح عن موقفه منه وألمح برفض وصوله، لأنه لا يرتاح لعلاقته الوطيدة مع واشنطن”. وقال إذا جرى التفاهم بين حزب الله وحركة أمل مع فريق باسيل ولاحقا كتلة جنبلاط، يمكن فرض معادلة تفاوضية جديدة داخليا وخارجيا.

وبين خياري رئيس مواجهة أو رئيس تسوية، يعتقد خلدون الشريف أن الاستحقاق يتطلب تسوية إقليمية دولية بين الدول الأربع، للتوافق على رئيس قادر على الوقوف بمنتصف المسافة بينها، على أن يليه تكليف رئيس حكومة يمهد لإنقاذ الوضع، ليكون معبرا لدخول لبنان مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي والمالي والاقتصادي.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى