الاخبار العاجلةسياسة

انتقل من الشارع لمواقع التواصل.. الحراك الاحتجاجي يفرز شريحة جديدة للإيرانيين

طهران – على نقيض الفكرة الثنائية التي تطرح منذ عقود عن وجود تيارين سياسيين (إصلاحي ومحافظ) يتناوبان السلطة في إيران، فإن الانقسام عقب وفاة الشابة مهسا أميني تجاوز الاصطفافات السياسية المعتادة؛ إذ أظهر الحراك الاحتجاجي شريحة معارضة تدير ظهرها للطبقة السياسية الحالية برمتها.

وكما جرت العادة في إيران خلال السنوات الماضية، ما إن انطلقت موجة المظاهرات قبل شهر على وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاما) بعد 3 أيام من احتجازها على يد شرطة الأخلاق بتهمة ارتداء ملابس غير محتشمة؛ حتى قوبلت الحركة الاحتجاجية بمسيرات مؤيدة للنظام، في مؤشر أولي على واقع الانقسامات بين الصفوف الإيرانية.

رؤية مؤيدة

واستطلعت الجزيرة نت، آراء عينة مكونة من 12 شخصا في اجتماعَين مؤيدين للجمهورية الإسلامية في حي ميدان الإمام الحسين (شرق طهران) وساحة “وليعصر” (وسط طهران)؛ وأظهرت النتائج أن “العامل الديني والواجب الشرعي في دعم النظام الإسلامي” يشكل عاملا مهما للمشاركة في المسيرات المؤيدة للنظام.

في غضون ذلك، قالت الشابة فاطمة زهرا إسلامي (32 عاما) للجزيرة نت، إن الثورة الإيرانية قد صمدت طيلة العقود الأربعة بفضل دماء الشهداء وإنها ترى دعمها واجبا شرعيا ووطنيا في عنقها، مضيفة أن ملايين المواطنين من المسلمين والأقليات الدينية الأخرى يتمتعون بحقوق المواطنة ويمارسون طقوسهم الدينية بحرية مطلقة في إيران، وهذه الحرية قد لا يجدها المرء في العديد من الدول الأخرى، علی حد قولها.

من جانبه، قال صادق صالح آبادي (44 عاما) -للجزيرة نت- إنه بالرغم من تعاطف أغلب المشاركين في المسيرات المؤيدة للنظام مع التيار المحافظ، إلا أنه يناصر التيار الإصلاحي إيمانا منه بضرورة القيام بإصلاحات في نظام الحكم وإدارة البلاد، وإنه شارك في هذه التجمعات دعما للثورة الإيرانية في مواجهة الأعداء المتربصين بها، على حد وصفه.

Pro-government rally in Iran
مظاهرة مؤيدة للحكومة في إيران (الأناضول)

رؤية معارضة

في المقابل، أجمع عدد من المحتجين -في حوار مع الجزيرة نت- على رفض أي من التيارات السياسية في إيران، مؤكدين أنهم لا يرون أملا في ضمان العيش الكريم مع الطبقة السياسية الراهنة، موجهين انتقادات لاذعة للنظام الحاكم في بلادهم.

وانطلاقا من المثل القائل إنه “من جرب المجرب حلت به الندامة”، قال الشاب مهران (22 عاما) للجزيرة نت إنه يجازف بحياته من خلال المشاركة في الاحتجاجات التي لا تريد سوى إسقاط النظام، لأن الجيل الجديد في حِلّ مما ثار أباؤه من أجله على النظام السابق، نافيا تلقيه أي توجيهات من الخارج، وانتقد في الوقت ذاته اكتفاء القوى الكبرى بالتفرج على قمع الاحتجاجات في بلاده.

من جانبها، تقول الشابة باران (18 عاما) إنها لا تعرف شيئا عن السياسة ولم تشارك في الاحتجاجات من منطلق سياسي، لكنها تطالب بحقوق النساء في اختيار الملابس، والمساواة في حقوق الرجل والمرأة، مؤكدة أن والدتها خسرت حياتها بسبب قوانين الجمهورية الإسلامية التي لم تنصف المرأة، على حد قولها.

تغريدات ووسوم

وعلى وقع الانقسام في الشارع الإيراني، انقسمت الأوساط الأكاديمية منذ الأيام الأولى من الفصل الدراسي الراهن؛ حيث شهد عدد من الجامعات الإيرانية مسيرات احتجاجية جوبهت بتجمعات مضادة للطلبة المقربين من التعبئة الجامعية (الباسيج) تطالب بعدم تعطيل الدراسة والحيلولة دون تسييس الحرم الجامعي.

اقرأ ايضاً
انطلاق استراتيجية أم القيوين بعنوان الاقتصاد الأزرق المستدام

ومن الشارع، انتقل الانقسام إلى منصات التواصل الاجتماعي، رغم حجبها خلال الشهر الأخير قي إطار القيود التي فرضتها السلطات الإيرانية على الشبكة العنكبوتية لإخماد الاحتجاجات الأخيرة؛ حيث تصدر وسم “#مهسا_أميني” خلال فترة وجيزة الترند الإيراني، وتجاوز 312 مليون تغريدة حتى 15 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، إلى جانب وسم “#زن_زندگي_آزادي” (ويعني المرأة والحياة والحرية) الذي أصبح رمزا للاحتجاجات الأخيرة.

في المقابل، أطلق مؤيدو الثورة الإيرانية وسمي “#لبيك_يا_خامنئي” و”#إيران_قوي” (إيران القوية) للتعبير عن دعمهم للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وسيادة البلاد التي يرونها مهددة بفعل مؤامرات صهيوأميركية، على حد وصف أكثر من مسؤول إيراني اتهم الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية والعربية إلى جانب إسرائيل بالوقوف وراء الاحتجاجات الأخيرة، والتحريض علی النيل من النظام الإيراني عبر إطلاق وسائل إعلام ناطقة بالفارسية.

منصات التواصل

وفي السياق، انتقد النائب الإصلاحي السابق، محمود صادقي، تعاطي الحكومة مع الاحتجاجات الأخيرة، مؤكدا أنه لا يرى بصيص أمل لإصلاح الأمور، وأنه استنتج ذلك من خلال تصريحات مسؤولي النظام وتصرفاتهم خلال الفترة الأخيرة.

وفي سلسلة تغريدات على تويتر، كتب صادقي “لعنكم الله! تقتلون كل هذه الناس، لكي تثبتوا بأنكم لم تقتلوا مهسا؟”، مضيفا في تغريدة أخرى أن “العدو لن يستطيع اقتلاع شجرة الجمهورية الإسلامية، إنما النمل الأبيض في داخل البلاد هو الذي سيجتث جذورها”.

وأثارت تغريدات صادقي، حفيظة مئات الإيرانيين الذين علقوا تحتها؛ بين من يراه من رجال النظام وأن مواقفه لن تنطلي على المحتجين، وآخرين يذكّرونه بأنه لولا الحرية التي تضمنها الجمهورية الإسلامية لما استطاع من نقد تصريحات المرشد الإيراني الذي شبّه يوم الجمعة الماضي الجمهورية الإسلامية “بالشجرة الثابتة”، قائلا “هذه النبتة أصبحت اليوم شجرة ثابتة ويخطئ من يفكر في اقتلاعها”.

من جانبه، عاب الإعلامي المحافظ، مهدي شكيبائي، على صادقي استنتاجه بالقول “إن أعداء الجمهورية الإسلامية في الداخل ليسوا أشخاصا وإنما الكسل والبخل والجبن واستحالة الأفراد أمثالك”، مخاطبا إياه “لطالما تنتقد الجمهورية الإسلامية بحرية، وأنت جالس على مائدة ثورتها، فهذا يعني أن المشكلة ليست من الجمهورية الإسلامية، بل من النمل الأبيض”.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى