بالصور.. الجزيرة نت تتجول مع حفيد عز الدين القسام في مكان استشهاده
جنين- حيث الخطى تقودك لبلدة “يعبد” قرب مدينة جنين شمال الضفة الغربية، تستقبلك بوابة حجرية نُصبت عند مدخلها رُفعت عليها عبارة “يعبد ترحب بكم”، وعلى بعد أمتار قليلة وفي المسلك الأيمن للطريق تقودك الخطى ذاتها لقرى طورة والطرم وصولا إلى نزلة الشيخ زيد لتخبرك أنه ومن هناك مرَّ الشيخ عز الدين القسام قبل 87 عاما، وسلك الطريق نفسه.
لم تكن يعبد وقراها مجرد محطة في حكاية الشهيد عز الدين القسام، وليس عبثا اختياره لها، ففيفها رفيق المقاومة والجهاد ومنها يمكن الإعداد جيدا لإطلاق الثورة الفلسطينية ومحاربة الإنجليز والعصابات الصهيونية التي استنفرت باحثة عن الشيخ ومطاردته.
هناك وحيث تواجد الشيخ القسام وتنقل معدا لمرحلة جديدة من النضال (حرب العصابات) بعد خروجه من حيفا؛ وصلت الجزيرة نت والتقت بأحفاد وأقارب الشيخ القسام ورفاق دربه، واستذكرت وإياهم سنوات خلت ومعركة (معركة يعبد) كانت الفصل الأخير في حياة القسام، لكنها لم تكن كذلك للثوار بعده ولا للمكان نفسه (جنين) الذي لا يزال وحتى يومنا منتفضا بوجه الاحتلال وكأنه يؤكد للشيخ القسام أن جهوده في الإعداد لم تذهب هدرا.
لماذا يعبد؟
سؤال يجيبنا عليه محمد الحسَّان أحد أحفاد عائلة الحسّان ويقول إنه قبل لجوء الشيخ عز الدين القسام الأخير إلى يعبد وبالتحديد إلى قرية نزلة الشيخ زيد التابعة ليعبد تردد الشيخ عز الدين القسام إلى هناك، وبها شكّل خلاياه الأولى من الثوار وانضم إليه بعضهم سرا، لا سيما الشيخ سعيد الحسَّان وشقيقه الضرير الشيخ أسعد، وهو ما مهَّد الطريق جيدا أمامه.
وبموقعها الجغرافي المتوسط لمدينة جنين والذي يطل على بلدات ومدن الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 شكّلت يعبد عقدة اتصال وتواصل لتنظيم القسام ولإعادة التزود بالذخيرة والطعام ولمكوث المقاتلين أيضا، وهي أيضا نقطة اتصال إستراتيجية للسلاح القادم من سوريا، “فالشيخ كان يحضر لمعركة طويلة الأمد” يقول الحفيد الحسَّان.
أحداث الليلة الأخيرة؟
حتى أمتار قليلة بالقرب من أرض اللُّجة وهو مكان استشهاد الشيخ القسام وطأت أقدامنا، وبأعيننا رصدنا الموقع الذي يمنع الاقتراب منه بسبب تواجده داخل حدود مستوطنة “شكيد” الجاثمة على أراضي القرية.
وعن المكان والليلة الأخيرة يحدثنا محمد قائلا، بتلك الليلة وصلت شحنة سلاح قادمة من سوريا، وتفرغت بالقرية وبإشراف الشيخ القسام، ولم تمض ساعات الليل الأولى حتى أيقظ القسّامَ الشيخُ أسعد الحسَّان الذي كان ضريرا وينام لجانب القسام، وأخبره أنه رأى في المنام أن الإنجليز يحاصرون القرية، فلم يكذب القسَّام خبرا وانسحب ورفاقه خارج القرية، وكان ذلك قبل أذان الفجر بساعة.
وفي الصباح -يواصل محمد- توجه أحمد الحسّان نجل الشيخ سعيد (شقيق أسعد) بزوادة الطعام للقسام ورفاقه، وفي طريق العودة تعرض لكمين من قوات الإنجليز واستشهد وبندقيته بيده، ليتخذ القسام قرارا باستدراج الإنجليز إلى كمين، لتبدأ أحداث المعركة الأخيرة وتمتد لساعات ويرتقي خلالها الشيخ القسام و4 من رفاقه شهداء ويُصاب آخرون.
يقول محمد نقلا لرواية متواترة عن أجداده أن القسام آثر الاستشهاد لينجو آخرون بأرواحهم ويواصلون طريق الجهاد، فالمعركة لم تكن متكافئة، حيث استخدم الإنجليز الطيران الحربي و400 جندي مقاتل مقابل بضع عشرات من المقاومين، “لكن ومع ذلك قُتل القناص الإنجليزي الذي قتل جدنا أحمد الحسان”.
هل انتهت المعركة؟
لا، لم تنته “معركة يعبد” ليس بنظر الحفيد محمد وأهالي بلدته فقط؛ بل بعموم جنين إن لم يكن فلسطين برمتها، وهنا يعلق محمد ويقول إن حالة “الوعي الثوري” التي أسس لها القسام امتدت طويلا ومهدت لرفاقه الثوار طريق النضال من العام 1935 وحتى 1947 إبان النكبة الفلسطينية “فكانت جنين المدينة الوحيدة التي تحررت من عصابات الهاغاناه الصهيونية، وكانت أقل المدن تهجيرا، وإلى الآن لا نزال نرى آثار تجربتها الثورية” يضيف محمد.
الحفيد يعيد المجد
ولجنين أيضا أعاد نسل الشيخ عز الدين القسام المجد التليد الذي لم يغب أصلا، فالمدينة كانت محطة حفيده أحمد القسام عام 1994، قادما من مدينة جبلة السورية مسقط رأس جده والعائلة بأكملها، وكانت يعبد وموقع استشهاد القسام أول مكان يزوره أحمد، وهناك أيضا استقبله الأهالي واحتفوا بزواجه بينهم، ولا يكاد يغادر القرية حتى يعود إليها.
وحيث المنزل الصامد حتى الآن والذي أوى إليه الشيخ القسام في أيامه الأخيرة والمعروف باسم “العقد” التقينا الحفيد أحمد القسام والذي راح يتحسس حجارته ويشتم رائحتها، ثم أخذ يتمتم قائلا “هنا نستطيع القول بدأت الملحمة، والثورة والنهج مستمر، ودم الشيخ وأبنائه وأحفاده ينبت في جنين القسام”.
وهذا البيت -يتابع أحمد- “غزير بتفاصيل المرحلة الزمنية التي أعلنت ميلاد وانطلاق الثورة المسلحة، هذا النهج لا يزال جليا وواضحا لكل من يريد تحرير فلسطين” ثم تلا جملة الشيخ الشهيرة “هذا جهاد نصر أو استشهاد”.
إرث وورثة.. هذا صلب القسام!
من ابنة خاله الحاجة أمينة نعنوع تزوج الشيخ القسَّام ومنها أنجب 3 بنات، خديجة وعائشة وميمنة، وولدن في مسقط رأس الشيخ بمدينة جبلة بسوريا، وكلهن تزوجن بفلسطين بعد عودتهن مع والدتهن التي جاءت تهريبا إلى فلسطين رفقة فخري القسام شقيق الشيخ عز الدين القسام، فالشيخ كان مطاردا، أما محمد وهو نجل الشيخ الوحيد فولد في فلسطين 1923، فالشيخ كان مطاردا من قِبل الإنجليز وعائلته يلاحقها الفرنسيون في سوريا.
وفي فلسطين تزوجت بنات الشيخ الثلاث، إذ تزوجت ميمنة في برقين قرب جنين وخديجة في قرية بورين قضاء نابلس، أما عائشة فتزوجت حيث عاش الشيخ القسام ودفن في بلد الشيخ قضاء حيفا، لكن كلهم جميعا استقر بهم المقام في الشتات بين سوريا والأردن ولبنان بعد النكبة الفلسطينية 1948.
أما محمد فأكمل تعليمه الشرعي في القدس وعمل مدرسا للتربية الإسلامية وخطيبا وإماما مثل والده في المسجد المنصوري في جبلة وهو ذات المسجد الذي كان يخطب به والده الشيخ القسام، وتزوج وأنجب 4 من الذكور و3 إناث، وأنجب كل أبناء القسام 40 حفيدا.
العائلة الثائرة
وشكَّلت عائلة القسام حالة ثورية نضالية، بدءا بزوجته التي طوردت وبناتها في سوريا من الفرنسيين وفي حيفا من العصابات الصهيونية والإنجليز، وتهجرت تحت أزيز الرصاص والخوف من حيفا عام 1948 ومحاولة الصهاينة تصفيتها ونجلها محمد إلى جنين، ومكثت بها 6 أشهر قبل عودتها لسوريا والسكن بالإيجار “فمنزل العائلة، باعه الشيخ القسام واشترى بثمنه عبر شقيقه فخري سلاحا للثوار”.
وكذلك شكل الشيخ فخري القسام شقيق الشيخ عز الدين دورا مهما في تجميع السلاح وتهريبه من سوريا إلى فلسطين وتدريب الشيخ عليه، وهو ذات الدور الذي لعبه مع القسام ابن عمه عبد المالك في نقل التبرعات للشيخ عمر المختار في ليبيا والتي شكلت أولى محطات جهاد الشيخ القسام، أما ابنته ميمنة فترأست وفد فلسطين إلى جامعة الدول العربية عام 1943 لشرح القضية الفلسطينية.
وعام 1994 عاد أحمد القسام كأحد عناصر الثورة الفلسطينية الحديثة (مع قدوم السلطة الفلسطينية)، وعمل بوصية جدته أمينة بزيارة مكان استشهاد جده القسام وتوثيق علاقته برفاقه وأحفادهم، وهو على العهد ماض وبانتظار تحرير حيفا لزيارة قبر جده الشيخ القسام وقراءة الفاتحة عليه عملا بالجزء الآخر من وصية الجدة.