اقتصاد

ارتفاع غير مسبوق لسعر الدولار في العراق.. ما علاقة العقوبات الأميركية بذلك؟

لا يزال مزاد بيع العملة بالعراق يشكل واحدا من أكثر الملفات الاقتصادية غموضا في البلاد، وهو ما يؤكده العديد من السياسيين والاقتصاديين العراقيين الذين يرون فيه استنزافا للعملة الصعبة وأحد أبواب تهريب الأموال المسروقة أو المتأتية من الفساد.

مبيعات البنك المركزي العراقي، أو ما يعرف محليا بمزاد بيع العملة، شهدت اضطرابا كبيرا في الأسابيع الماضية، بعد أن شهد المزاد تراجعا في بيع العملة بنسبة تتراوح بين 40% و50%، وهو ما يراه اقتصاديون مرتبطا بارتفاع سعر صرف الدولار في الأسواق الموازية (السوداء) بما أدى لارتفاع سعر الصرف إلى أكثر من 1500 دينار للدولار الواحد، في وقت يبيع فيه البنك المركزي الدولار الواحد بـ1460 دينارا.

وأدى تذبذب سعر صرف الدولار بالسوق السوداء إلى اضطراب الحركة التجارية بالبلاد، بما أسهم في ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، مما يثير العديد من التساؤلات عن أسباب ارتفاع سعر الصرف، وعلاقته بإجراءات البنك المركزي العراقي ومنع عدة مصارف من دخول مزاد بيع العملة بعد تحذيرات من وزارة الخزانة الأميركية.

صورة منشورة في موقع الجزيرة نت - الخبير الاقتصادي صفوان قصي
صفوان قصي: المصارف المحظورة كانت تستحوذ على 40% من مزاد بيع العملة في العراق (الجزيرة نت)

أسباب عديدة

وكان البنك المركزي العراقي قد استبعد في الأسابيع الماضية 4 مصارف عراقية أهلية من مزاد بيع العملة (وهي: الأنصاري، والشرق الأوسط، والقابض، وآسيا) إثر توجيهات وتحذيرات من وزارة الخزانة الأميركية من هذه المصارف المتهمة بتهريب العملة.

من جهته، برر البنك المركزي العراقي قبل أيام أسباب انخفاض حجم مبيعات نافذة بيع العملة الأجنبية بتحوّل البنك إلى تأسيس منصة إلكترونية جديدة لبيع الدولار والحوالات الخارجية، معتبرا أن بعض المصارف ليس لديها الاستعداد الكافي للدخول ضمن الأتممة التي انطلق عملها التجريبي.

ويذهب في هذا المنحى الخبير المالي محمود داغر، الذي يضيف للجزيرة نت أن السبب يعزى لإيقاف 4 مصارف عراقية عن دخول مزاد بيع العملة نتيجة عقوبات دولية بسبب اتهامها بالفساد، فضلا عن بدء البنك المركزي العراقي طريقة تدقيق جديدة ونظام تحويل “سويفت” (Swift) جديدا بأسلوب شبيه بالنظام العالمي بما يتطلب تفاصيل دقيقة عن الحوالات الخارجية، الأمر الذي أدى لرجوع العديد من الحوالات، وتقليل المصارف المحلية شراء كميات كبيرة من الدولار بسبب هذه الإجراءات الشديدة.

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي صفوان قصي أنه من الواضح أن هناك طلبا كبيرا على الدولار في السوق الموازي بعيدا عن نافذة بيع العملة، وهو ما يؤكد دخول إجراءات جديدة لبيع العملة في البنك المركزي العراقي بما حال دون دخول من يمتلك الأموال التي وصفها بـ”غير الشرعية” إلى نافذة بيع العملة، بحسب تعبيره.

وفي حديث للجزيرة نت، أوضح قصي أن تراجع حجم الدولار المباع بمزاد بيع العملة يدل على أن هذه المصارف المحظورة كانت تستحوذ على ما يقرب من 40% من مبيعات البنك المركزي من الدولار، لافتا إلى ضرورة أن تتحرى المصارف الخاصة عن الأموال العراقية قبل شرائها الدولار حتى تكون بمأمن من إجراءات البنك المركزي الجديدة.

منالمحلل المالي - محمود داغر
محمود داغر يستبعد استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار في الأسواق العراقية (مواقع التواصل)

مكافحة الفساد

في غضون ذلك، يرى استشاري التنمية الصناعية والاستثمار عامر الجواهري أن مبيعات البنك المركزي الآن تعادل نصف ما كانت عليه قبل شهر، مع تزايد الطلب على الدولار، وهو ما يشير إلى عدم الثقة في الواقع الاقتصادي العراقي الذي وصفه بـ”الهزيل”، مستدلا بإظهار رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ومن حوله الأموال في المؤتمر الصحفي الخاص بكشف تفاصيل سرقة أموال الضرائب قبل أيام، الذي أشعر الكثير من العراقيين بعدم الثقة، وهو ما أدى لاتجاههم نحو شراء الدولار، بحسبه.

ويشير الجواهري في حديثه للجزيرة نت إلى أن هناك سببا آخر يتمثل في المضاربات التي يشنها تجار العملة والتي يتحصل منها هؤلاء أموالا طائلة دون وجود أي حسيب أو رقيب، لافتا إلى أن الحملة الحكومية ضد الفساد جعلت الكثير من أصحاب الأموال غير الشرعية يسارعون إلى محاولة إخراج أموالهم من العراق بسرعة لتلافي إجراءات مكافحة الفساد، وفق الجواهري.

اقرأ ايضاً
التضخم بالمدن المصرية يرتفع 16.2% في أكتوبر

أما عضو اللجنة المالية البرلمانية جمال كوجر فيرى أن أسباب تراجع مبيعات مزاد العملة وارتفاع سعر الصرف محليا تعزى للإجراءات الجديدة، معلقا “هناك إجراءات أميركية وأوروبية تجاه حركة الأموال داخل وخارج العراق للحد من تهريب وتبييض الأموال، والحد من وصولها للجماعات الإرهابية والمليشيات، وبالتالي هناك حاجة متزايدة للأموال بما أدى لارتفاع الطلب على الدولار بالسوق السوداء”.

كوجر، وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف سببا آخر يتعلق بحركة الإعمار الكبيرة داخل البلاد، مشيرا إلى أن الأموال “الفاسدة” بعد أن بات من الصعوبة تهريبها إلى الخارج، باتت تستثمر في الداخل من خلال مشاريع استثمارية كالمجمعات السكنية والمستشفيات والمراكز التجارية، بحسب تعبيره.

من موقع الجزيرة نت - عضو اللجنة المالية النيابية - جمال كوجر
جمال كوجر: هناك إجراءات أميركية وأوروبية لمراقبة حركة الأموال داخل وخارج العراق (الجزيرة نت)

دلالات

وفي خضم ذلك، وتزامنا مع استبعاد 4 مصارف عراقية من مزاد بيع العملة، وارتفاع سعر الدولار محليا، أكد محافظ البنك المركزي العراقي مصطفى غالب الأحد الماضي التزامه بجميع القوانين والتعليمات الدولية بملف مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وقال البنك المركزي العراقي، في بيان صحفي، إن محافظ البنك المركزي استقبل الأحد الماضي جيسي بيكر مساعد نائب وزير الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والجرائم المالية، وأن الجانبين بحثا التعاون في تطبيق المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتزام البنك المركزي بها.

وتعليقا على ما يحدث ودلالات ذلك، يرى صفوان قصي أن على البنك المركزي تفعيل أدوات الرقابة على شركات الصيرفة والسوق الموازي حتى تتبين الجهة التي تعمل على شراء الدولار من المنافذ غير الرسمية، لافتا إلى أن إجراءات البنك المركزي العراقي الجديدة تعني أن وزارة الخزانة الأميركية تمكنت من تتبع المصارف المتورطة بإخراج الدولار من العراق دون استثمارها في سلع أو خدمات بالداخل العراقي.

ولا يستعبد قصي أن دولا مجاورة للعراق مثل إيران وسوريا ولبنان وتركيا، والتي تعاني من صعوبات في الحصول على الدولار، اتجهت لشراء بعض الدولار من العراق وتهريبه عبر المنافذ الحدودية غير المسيطر عليها، لا سيما أن البنك المركزي يوفر إمكانية لشراء الدولار النقدي من المركزي العراقي، وأن المبيعات النقدية للدولار كانت تبلغ 17 مليون دولار يوميا من مجموع الدولار الذي يباع للشركات التجارية والمصارف.

رئيس مجلس الوزراء يعلن عن استرداد 182.7 مليار دينار عراقي، وجبةً أولى من أصل مبلغ قدره ( 1.681270) تريليون دينار، ستتم استعادته خلال أسبوعين.
مراقبون اعتبروا ظهور السوداني وحوله أموال مكدسة زاد من عدم ثقة العراقيين بالنظام الاقتصادي لبلادهم (مواقع التواصل)

مآلات سعر الصرف

منذ أكثر من 3 أسابيع تشهد السوق السوداء في العراق ارتفاعا غير مسبوق لسعر صرف الدولار، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة عن إمكانية استمرار هذا الارتفاع أو انخفاضه، حيث يرى محمود داغر أن البلاد ستشهد خلال الأسبوعين القادمين عودة أسعار الصرف إلى وضعها الطبيعي.

ويتفق مع هذا الطرح صفوان قصي الذي يرى أن الارتفاع لن يستمر طويلا، لا سيما أن الذين كانوا يتعاملون مع المصارف الأربعة المحظورة سيتجهون إلى مصارف عراقية أخرى شريطة أن تكون الأموال شرعية، في الوقت الذي يستبعد فيه جمال كوجر استمرار ارتفاع سعر الصرف مدة طويلة، خاصة مع التنظيم الجديد الذي سيحد من الفوضى التي كانت مرتبطة بمزاد بيع العملة.

على الجانب الآخر، يرى عامر الجواهري أنه من الصعوبة بمكان التنبؤ باستمرار الارتفاع من عدمه، لا سيما إذا ما استمر الطلب المتزايد على الدولار في السوق السوداء مع تراجع مبيعات المركزي العراقي، وهو ما يعني استمرار ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية في البلاد بما يؤثر مباشرة على العراقيين.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى