الاخبار العاجلةسياسة

محمد عبو للجزيرة نت: قيس سعيّد سيدخل البلاد في مجاعة وهذا ما يجب فعله لإنقاذ تونس

تونس- تحدث السياسي التونسي محمد عبو -في حوار خاص مع الجزيرة نت- عن سبب تراجعه عن تأييد قرارات الرئيس قيس سعيّد الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021، وعن أسباب استقالته من الوزارة ومن حزبه، محذرا من أن سعيّد أدخل البلاد في سياسة محاور، وقال إن “الرئيس شخص غير طبيعي وصحته النفسية متدهورة”.

  • كيف تنظرون إلى تونس اليوم قبل الانتخابات التشريعية التي تتوج مسار 25 يوليو/تموز 2021؟

كان من المفترض أن تكون هذه القرارات استجابة لمطلب من مطالب جزء من التونسيين وأنا من بينهم، وهو تنفيذ إجراءات استثنائية لإصلاح وضع سيئ جدا يتمثل في سيطرة الفساد ومناخ عمل لا يشجع على الاستثمار أو حل المشاكل الاجتماعية للتونسيين، لكن ما حدث بعد ذلك هو استغلال سعيّد لهذه الظروف لتحقيق طموحه الشخصي الغريب والعجيب، فحلّت الفوضى في البلاد، ونتمنى ألا تتواصل.

  • كنت من أول المساندين لقرارات الرئيس قيس سعيد لدرجة أن هناك من يتهمكم بالدعوة إلى ما وُصف بالانقلاب على الحكم.. لماذا غيرت رأيك؟

من يتهمني بالانقلاب هو سيئ النية أو ربما لا يعرف أنني مع الدستور واحترامه، والفصل 80 اسمه الفصل 80 من الدستور وليس من الانقلاب، وقد نُص على تفعيله في حالة تعطل السير العادي لدواليب الدولة، وهذا الفصل لا ينطبق فقط في حالة الحرب الأهلية أو الانقلابات، بل حتى عندما يعجز القضاء عن القيام بواجبه في التصدي للجريمة السياسية التي انتشرت، وكان الأمل حينئذ أن تُفعّل إجراءات استثنائية لبضعة أشهر عن طريق رئيس الجمهورية ويطبق القانون على الجميع ثم يعود إلى قصره خارج الفصل 80 ثم تجرى انتخابات وفق الدستور.

أنا لم أغيّر موقفي؛ كنت مع تطبيق الدستور، وطلبت من الرئيس تفعيل إجراءات استثنائية لبضعة أشهر يسمح بها الدستور، لكنه بعد ذلك انقلب، ومواقفنا كانت واضحة منذ 25 يوليو/تموز. كنا مع تلك القرارات لكن ننتقد ما يصرح به من تفكير في تغيير نظام الحكم، وتصدينا له عندما أعلن عن تنقيح الدستور، وأعلنا القطيعة النهائية معه عندما أعلن عن انقلاب في شكل الأمر 117 لسنة 2021، وهي حالة انقلاب على دستور البلاد من شخص صلاحياته لا تسمح بذلك.

الإجراءات الاستثنائية انتهت، ونحن حاليا في وضع انقلاب على الشرعية؛ فقد فشلت كل الثورات في العالم العربي، وبقيت تونس ينظر إليها العالم كتجربة نموذجية فاسدة وديمقراطية في الوقت نفسه، ونحن أردنا أن نخلص ديمقراطيتنا الفريدة من فسادها فخسرنا مشروع الديمقراطية، ومن ثم فإن انتخابات 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل لا قيمة لها، وهي خارج الشرعية، وستصدر مجلس نواب أسوأ من المجالس السابقة.

  • هناك من يتهمكم باتباع سياسة النعامة والهروب من المسؤولية خاصة بعد استقالتك من الوزارة ومن الحزب ومن الحياة السياسية ككل.. ما ردكم على ذلك؟

الاستقالة من الوزارة كانت لسبب معلوم؛ فقد اتفقنا -في إطار صلاحياتي- على مقاومة الفساد، لكن لم يقع ما تم الاتفاق عليه، فقد كانوا يخشون فتح ملفات الفساد فغادرت الحكومة التي وقع إسقاطها فيما بعد.

أما استقالتي من الحزب، فهناك عدة أسباب لها، منها ما هو شخصي، ومنها ما يتعلق بوضع البلاد الذي يقتضي التحرر من الانتماء الحزبي، فأردت أن أكون في وضع مستقل تماما وأشتغل من أجل أن يقع التغيير، وربما حراك 25 يوليو/تموز كان من الأشياء التي دفعت في اتجاهها، ولو كنت في الحزب لما فعلت ذلك ولسوء حظي حصل انقلاب.

وأنا لم أغادر الحياة السياسية، بل غادرت الحياة الحزبية والانتخابات فقط، وما زلت موجودا وأحاول التأثير عبر وسائل الإعلام وعبر ما أكتب.

  • ما رأيكم في تعامل الرئيس مع ملفات الفساد الكبرى التي برر بها لجوءه إلى الفصل 80؟

قيس سعيد خان الأمانة؛ فقد استند إلى مسألة غياب المحاسبة وسيطرة أشخاص خارجين عن القانون، ثم كانت له كل الوسائل لمقاومة الفساد، إذ يمكنه تغيير كل مسؤول تدخل في القضاء، ولم يفتح ملفات الفساد الكبرى، والحقيقة أنه فشل في إيجاد الأدلة، وقد خدع كل التونسيين ولم يفتح تلك الملفات، وربما وقع تحت ضغط خارجي، أو فشل، والآن يقول المتورطون في الفساد إنه لم يجد شيئا ضدهم، ولذلك فقيس سعيد ليس أهلا للحكم؛ سواء بالفصل 80 أو من دونه.

  • صرّحت سابقا بأن سعيد شعبوي لكنه يحضر لقرارات غير شعبوية.. ماذا تقصد بهذه القرارات؟

ما أردت قوله إن الرئيس يتصرف بشعبوية مطلقة تصل إلى درجة من السخافة، ولكن عندما تعلق الأمر بملف صندوق النقد الدولي أصبحنا نسمع عن نقاشات للإذعان لبعض المطالب التي قد تشكل إشكالات على المستوى الاجتماعي، وهو ملزم بالذهاب في هذا الاتجاه وإلا ستنفجر انتفاضة ضده، وهنا أصبح فجأة غير شعبوي.

  • طالبتم خلال الترشح لرئاسيات 2019 بضرورة نشر الملف الصحي لكل مترشح وشككتم في سلامة الصحة النفسية للرئيس سعيد.. هل ما زلتم على موقفكم؟ وهل لديكم أدلة على ذلك؟
اقرأ ايضاً
بعد نصف قرن من التنمية... الإمارات تدخل مرحلة التنوع الاقتصادي

قبل الثورة كتبت في الموضوع، وفي انتخابات 2014 طالبت بضرورة الاطلاع على الملفات الصحية للمترشحين، وكنت في الحملة الانتخابية للمنصف المرزوقي في ذلك الوقت وهو الوحيد الذي نشر ملفه الصحي عند ترشحه.

وفي 2019 عدت للمطالبة بالموضوع نفسه؛ فصلاحية القائد الأعلى للقوات المسلحة لا يمكن أن تعطى لشخص وأنت لا تثق بوضعه الصحي، ومن حق الشعب أن يعرف الوضع المالي والصحي لمن يحكمه، ورأينا ما حدث مع الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي والمشكلة الصحية التي تعرض لها، وما يحصل الآن في الوضع النفسي لقيس سعيد يؤكد ضرورة ما طالبت به، والذي يجب أن يكون قانونا.

لا يخفى على عاقل -وليس سرا- والمعروف عن سعيد حتى قبل الانتخابات أن سلوكه ليس سلوك شخص طبيعي، ولا شك في ذلك، لكننا راهنا على بعده عن مراكز النفوذ ونظافة اليد، وما حصل بعد ذلك أظهر أن الرجل غير قادر على استيعاب مشاكل الحياة، ومنفصل تماما عن الواقع، وبقاؤه في السلطة سيؤدي إلى مجاعة في البلاد، وقد وصل إلى مرحلة أنه لا يقبل أن يتحدث معه أحد أو يقترب منه، وهو سلوك غير عادي.

22 7
محمد عبو: يجب العودة إلى دستور 2014 بشروط (الجزيرة)
  • هل يمكن أن تنجح المعارضة اليوم في إعادة تفعيل دستور 2014 أم إن الأمر مستحيل؟

أعتقد أن الشعب التونسي مدعو أكثر من المعارضة للقيام بواجبه، والمشكلة أن الشعب لم يتربّ على فكرة تقديس القانون، وقد كانت حقوقه منتهكة طوال عقود، لأن الدساتير لا تُحترم من قبل الحكام، ثم انتقلت تلك الثقافة إلى المواطنين، ويجب أن يتنبه التونسيون اليوم إلى أنه لا كرامة لهم ولا مستقبل من دون دستور محترم وقوانين، فمشكلة تونس ليست اقتصادية فقط بل قانونية، وأول الإصلاحات يجب العودة إلى دستور 2014، ونحن ننتظر ما ستفرزه الانتخابات القادمة وسنرى المستوى الهزيل.

  • كيف ترون ملامح البرلمان المقبل؟ وما رأيكم بفكرة استحداث مجلس وطني للجهات؟

قيس سعيد برر قراراته بالتقاتل بين النواب داخل البرلمان، لكنهم في الحقيقة لم يتقاتلوا بالسلاح، وباعتباره رئيس جمهورية له الصلاحيات أن يطلب تحرير محاضر وإحالتها إلى القضاء، لكنه لم يفعل، وأعمال العنف كانت تعد على الأصابع، لكنه حوّل الموضوع إلى عنف في البرلمان.

أدعوه بعد الانتخابات التشريعية المقبلة أن ينقل مباشرة على التلفاز مستوى النواب الذين سيفوزون، وأعتقد أن أغلبهم سيثبتون مستوى سيئا جدا حسب المعلومات التي لدي وحسب تصوري، باعتبار غياب المحاسبة، فإن أرادوا أن يحصلوا على أموال مثلا سيحصلون ولن يكونوا أكثر نزاهة ممن سبقوهم.

أما مجلس الجهات، فهو مغالطة، وقد تضمن دستور 2014 فصولا عن مجالس جهوية ومجلس أقاليم، وكانت الفكرة ستنفذ في 2023، ثم يأتي قيس سعيد ليمسح كل تلك الأفكار ويريد أن يقنع التونسيين بأن الجهات ستكون ممثلة، والحال أنها كانت ممثلة في البرلمان؛ فأغلبية الأعضاء كانوا من جهات مختلفة في البلاد.

  • العلاقات الخارجية والدبلوماسية التونسية تغيرت في عهد الرئيس سعيد، هل يمكن الحديث عن انخراط تونس في سياسة المحاور؟

أعتقد أن ذلك غير مستبعد، والواضح من سياسة سعيد أنه يبحث عن بعض القوى التي قد تضمن له بقاءه، وفي الوقت نفسه يخلق عداوات مع الجميع بتصريحاته، وفي الغرب لديهم إشكال معه؛ فهم يعدّونه شخصا خطيرا وغامضا وغريبا، ولا يثقون به إطلاقا، ووضع تونس اليوم هو وضع الترقب بالنسبة للخارج بعد أن كانت لدينا أحسن صورة وكانوا ينظرون إلى تجربتنا الديمقراطية بإعجاب.

تونس عرفت بسياسة الحياد والدبلوماسية وتجنب الدخول في بعض الحسابات أو سياسة المحاور، لكن سعيد من الواضح أنه يميل أكثر إلى بعض الأنظمة التي يعتقد أن استقراره مرتبط بها، وقد ارتكب خطأ جسيما فيما يتعلق بقضية البوليساريو على سبيل المثال.

ما يجب أن ندفع باتجاهه هو وحدة المغرب في نظام ديمقراطي كفكرة، لكن إذا أردنا الحياد فلا نتدخل إطلاقا في موضوع البوليساريو كما تعودت الدولة التونسية باختلاف الحكومات، والمطلوب هو أن يكون لتونس علاقة طيبة مع كل الدول العربية والعالم، وسعيد فكرة ويجب أن تنتهي في أقرب وقت.

  • أي مستقبل ترونه لتونس اليوم؟ وهل هناك خارطة طريق لخروج البلاد من أزمتها؟

المعركة في محورين؛ هما عدم عودة منظومة الفساد بدعوى أنها قاومت الانقلاب، وكذلك وجوب محاكمة الفاسدين، وفي الوقت نفسه يجب أن يبتعد قيس سعيد الذي أثبت أنه غير قادر على الإصلاح، ولا يمكن أن يتغير، ويجب أن يقال أو يستقيل ثم تجرى انتخابات ديمقراطية حقيقية من دون شراء ذمم وبلا أموال من الخارج لنحصل على ديمقراطية لا فساد يشوبها.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى