عملية “كارني عوز” تستكمل حصار غزة بالجدران.. معبر كرم أبو سالم آخر المعابر التجارية للقطاع
غزة- استكمالاً لبناء جدار يحكم الحصار المضروب على قطاع غزة منذ 15 عامًا، أزالت إسرائيل معبر “كارني” التجاري المعروف فلسطينيا باسم “المنطار” شرق مدينة غزة، والذي أُنشئ عام 1994، بعد توقيع اتفاقية أوسلو، وكان حتى إغلاقه عام 2007 أكبر المعابر التجارية مع القطاع.
وأغلقت إسرائيل هذا المعبر مع معابر أخرى كانت تربطها بغزة، بشكل مؤقت وكرد فعل على عملية أسر المقاومة الفلسطينية للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في يونيو/حزيران عام 2006، قبل أن تقرر إغلاقها نهائيا في عام 2011، وتبقي على “كرم أبو سالم” كمعبر تجاري وحيد مع غزة.
وشرع جيش الاحتلال، الأحد الماضي، في عملية أطلق عليها “كارني عوز”، لإزالة معبر “كارني” على حدود قطاع غزة، لاستكمال إقامة عائق بري (جدار إسمنتي فوق وتحت الأرض) في مكانه، بهدف ما قال إنه “لتعزيز خط الدفاع على طول الحدود مع غزة”.
وبإزالة معبر كارني، ينحصر العمل حاليا في غزة بمعبرين فقط؛ “كرم أبو سالم” التجاري جنوب شرقي القطاع، ومعبر بيت حانون (إيرز) شمال القطاع والمخصص لحركة العمال والأفراد والحالات الإنسانية الخاصة.
ما عملية معبر “كارني عوز”؟
بعد الحرب الثالثة على غزة في عام 2014 التي أطلقت عليها إسرائيل “الجرف الصامد”، وسمتها المقاومة الفلسطينية “العصف المأكول”، قررت الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو إقامة جدار فولاذي على امتداد الحدود الشرقية مع القطاع الساحلي الصغير، بطول نحو 65 كيلومترًا، وبارتفاع 6 أمتار فوق الأرض، ولعدة أمتار تحت الأرض لمجابهة الأنفاق الهجومية للمقاومة التي كان لها أثر بالغ خلال 51 يومًا من تلك الحرب.
واستمر بناء هذا الجدار أكثر من 3 أعوام وبكلفة بلغت 1.2 مليار دولار. وتأتي عملية إزالة معبر كارني المقام في أحد مقاطع هذا الجدار شرق مدينة غزة، لوضع اللمسات الأخيرة على هذا الجدار المحكم، المزوّد بأبراج وتقنيات مراقبة دقيقة، والذي يحول غزة إلى ما يشبه السجن، تحاصره إسرائيل برًّا وبحرًا وجوًّا.
وبهذا تصبح غزة مغلقة تمامًا يحدها الجدار الفولاذي من الشرق، وجدار مع معبر بيت حانون “إيرز” شمالاً، والبحر غربًا، وجدار ومعبر رفح البري مع مصر جنوبًا.
ما آثار إزالة معبر كارني على غزة المحاصرة؟
كان هذا المعبر منذ تأسيسه عام 1994، إثر قيام السلطة الفلسطينية بموجب اتفاقية أوسلو، الممر التجاري الرئيسي والأكثر تجهيزًا من حيث المعدات والآليات والبنية التحتية التي تتيح حركة تجارية نشطة وفاعلة في الاتجاهين استيرادًا وتصديرًا، إلى أن قررت إسرائيل إغلاقه مع معابر أخرى أصغر وأكثر تخصصًا، وهي معابر: صوفا، وكيسوفيم، وناحل عوز، وذلك في سياق ردها العنيف على عملية أسر شاليط عام 2006، وقبل أن تقرر إغلاقها نهائيا في عام 2011.
ومن شأن هذه الإزالة أن تطيل أمد الأزمات التي تعصف بقطاع غزة جراء الحصار المشدد، باعتبار معبر كارني الأنسب لحركة تجارية فاعلة وأقل كلفة، ولموقعه الجغرافي المميز كونه يتوسط القطاع. وبإزالته لن تتوفر على المدى المنظور فرص حقيقية لإنقاذ اقتصاد غزة من الانهيار.
لماذا لا يعتبر معبر كرم أبو سالم بديلاً مناسبًا عن كارني؟
يقع معبر كرم أبو سالم أقصى جنوب شرقي قطاع غزة، وفلسطينيا تشرف على الحركة التجارية فيه “اللجنة الرئاسية لإدخال تنسيق البضائع” (تابعة للسلطة الفلسطينية)، ونظرًا لهذا الموقع البعيد عند نقطة التقاء الحدود الفلسطينية المصرية مع دولة الاحتلال، يتكبد التجار تكاليف إضافية باهظة في عملية نقل البضائع، وينعكس ذلك على أسعارها للمستهلك في الأسواق.
وإضافة لذلك، فإن كرم أبو سالم صغير مقارنة بكارني، ولا تتوفر فيه البنية التحتية الملائمة لحركة تجارية نشطة، ويعمل بطاقة محدودة جدًّا، ووفق اشتراطات إسرائيلية معقدة تعرقل الاستيراد وتخنق التصدير، وتستخدمه من حين إلى آخر كورقة ابتزاز وضغط على حركة المقاومة الإسلامية “حماس” التي تحكم غزة منذ منتصف عام 2007.
وفيما كان معبر كارني يعمل بطاقة ألف شاحنة يوميا، فإن كرم أبو سالم في أفضل أيامه لا يستوعب أكثر من 400 شاحنة فقط.
هناك قائمة ممنوعات إسرائيلية، ما هي وما أثرها على الاقتصاد والصناعة في غزة؟
تفرض إسرائيل قائمة ممنوعات تتضمن 500 سلعة؛ ففي مدخلات الإنتاج والمواد الخام يسمح الاحتلال على سبيل المثال بإخال صنف أو أكثر ويمنع أصنافًا أخرى مرتبطة بها تعرقل عملية الإنتاج والصناعة، إضافة إلى منع مدخلات الإنتاج الزراعية، والآلات والمعدات وأصناف كثيرة من السلع تحتاج إلى تنسيق خاص وانتظار لشهور للرد سواء بالموافقة أو بالرفض.
ويضاف إلى ذلك، قيود إسرائيلية مشددة على حركة التصدير من غزة إلى أسواق الضفة الغربية والخارج، وترتبط بموافقات إسرائيلية موسمية ومزاجية، وتخضع لقرارات مفاجئة وبمبررات واهية.
هذه السياسات الاحتلالية في التعامل مع غزة تحول دون تطور الاقتصاد على المدى المنظور، وتزيد من الواقع المعيشي سوءًا، في ظل حصار خانق على أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع الصغير (360 كيلومترا مربعا).
ما موانع التحول تجاريًّا نحو مصر؟
رغم هذه السياسات فإن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ترفض التحول بشكل كلي ونهائي في الحركة التجارية والاقتصادية نحو مصر، للإبقاء على إسرائيل كدولة احتلال، بموجب القوانين الدولية، مسؤولة عن تسهيل مرور الاحتياجات الإنسانية لغزة، فضلاً عن أن وجود معبر كرم أبو سالم يبقي على اتصال غزة مع الضفة الغربية، ولهذا مدلول سياسي يمنع رغبة إسرائيلية بعزل غزة عن باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ومع ذلك، شهدت الحركة التجارية مع مصر عبر “بوابة صلاح الدين”، وهي لا ترقى لوصفها بمعبر تجاري، تطورًا ملحوظًا في السنوات القليلة الماضية. وارتفعت نسبة إجمالي واردات غزة عبر هذه البوابة من 13% في عام 2018 إلى 37% في الوقت الحالي، وتشمل المواد الغذائية ومواد البناء والمواد الخام والوقود، والكثير منها أصناف تمنع إسرائيل توريدها إلى غزة بدعوى أنها “مزدوجة الاستخدام” وتخشى وصولها إلى فصائل المقاومة واستخدامها في صناعة وتطوير السلاح.
وكان لبوابة صلاح الدين والاستيراد عبر مصر، دور مهم في تأمين “مخزون إستراتيجي” من الطحين والأرز والبقوليات والزيوت، أسهمت في حماية الجبهة الداخلية وقت الأزمات والحروب، بحسب تأكيد وزارة الاقتصاد الوطني التي تديرها حركة حماس في غزة.