أي موقع للأحزاب في الانتخابات التشريعية والبرلمان القادم في تونس؟
تونس- لن يكون موقع الأحزاب السياسية في الانتخابات التشريعية القادمة بتونس كما كان عليه الأمر في الانتخابات السابقة، فأغلب الأحزاب أعلنت مقاطعتها للانتخابات، في حين تتباين وجهات النظر بشأن الأحزاب المشاركة؛ إذ يرى البعض أنها ستكون مؤثرة في البرلمان القادم، بينما يقول آخرون إنها ستكون غائبة بلا تأثير.
وتجرى الانتخابات التشريعية في تونس يوم 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل، لأول مرة، على الأفراد وليس القوائم الحزبية أو المستقلة أو الائتلافية، وفق دستور جديد وقانون انتخابات معدل صاغهما الرئيس قيس سعيد، عقب إحكام قبضته على السلطة بموجب تدابير استثنائية اتخذها قبل عام و3 أشهر.
وبسبب تعليق الرئيس قيس سعيد العمل بالدستور السابق وحلّ البرلمان وتجميد نواب الأحزاب وإقالة الحكومة السابقة وتغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي وغيرها، دخلت أحزاب عدة في احتجاجات ضد ما تعتبره “انقلابا يقوده قيس سعيد لإرساء حكم الفرد”، وأعلنت مقاطعتها للانتخابات.
لكن حتى الأحزاب المشاركة بمرشحيها في الانتخابات والداعمة للتدابير الاستثنائية التي أعلنها سعيد في 25 يوليو/تموز 2021، لا تخف انتقاداتها لقانون الانتخابات الذي فرض شروطا صعبة لترشح الأفراد، منها حصول كل مترشح على 400 تزكية من الناخبين مع حرمانهم من تمويل حملتهم من الدولة أو الأحزاب.
برلمان مؤثر
ورغم أن زهير حمدي الأمين العام لحزب التيار الشعبي الداعم للرئيس يعتبر أن قانون الانتخابات القائم على نظام الاقتراع على الأفراد مناسب للتجربة التونسية، فإنه لا يخفي تحفظاته من ثغرات عدة بالقانون خصوصا فيما يتعلق بصعوبة جمع التزكيات أو شرط تمويل الحملة الانتخابية من المترشح بنفسه.
لكنه يؤكد للجزيرة نت أن الأحزاب السياسية الداعمة لمسار الرئيس ستشارك في الانتخابات المقبلة عن طريق مرشحيها الأفراد وستكون ممثلة في البرلمان القادم، مشيرا إلى أن حزبه ترشح في كل الدوائر الانتخابية، وعددها 161 دائرة، وذلك ضمن تحالف انتخابي يضم شخصيات سياسية وثقافية ومنظمات شبابية.
ورغم أن حزبه لم يكن ممثلا بأي مقعد بالبرلمان السابق (المكون من 217 مقعدا)، يقدّر حمدي أن يظفر بمقاعد عدة بالبرلمان القادم (161 مقعدا)، مشيرا إلى أن الأحزاب السياسية ستكون مؤثرة في نشاط البرلمان المقبل من خلال الكتل المتشكلة التي ستعمل على مراقبة الحكومة وتمرير القوانين وإحداث التوازن بالسلطة.
يقول حمدي “صحيح حسب نص الدستور هناك اختلال في التوزان بين السلطات لصالح الرئيس لكن ليس كما يصور له البعض”، مبينا أن البرلمان يتمتع بصلاحيات مراقبة أعمال الحكومة وسحب الثقة منها ورفض تمرير مشاريع القوانين المعروضة عليه من الرئيس، وهذا يمكنّه من تحقيق شيء من التوزان.
ويرى الأمين العام لحزب التيار الشعبي أنه من قبيل الوهم الاعتقاد أن دور الأحزاب سيندثر بمجرد تغيير قانون الانتخابات من نظام الانتخاب على القوائم إلى الاقتراع على الأفراد، مؤكدا أن الأحزاب ستظل العمود الفقري للعملية السياسية طالما لم تتوصل البشرية إلى بدائل جديدة تنظم الحياة السياسية دون أحزاب.
لكن حمدي يتوقع أن يصاب جزء كبير من الأحزاب المقاطعة للانتخابات بحالة من الوهن والضعف، باعتبار أن وزن الأحزاب يقاس بمدى وجودها في البرلمان، مؤكدا أن جزءا من تلك الأحزاب المقاطعة سيتقلص تأثيرها، في حين سيندثر جزء آخر، خصوصا وقد “فقدت مصداقيتها مع الشعب جراء فشلها في الحكم”، على حد قوله.
أحزاب بلا وزن
من جهة أخرى، يقول غازي الشواشي الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي المعارض لمسار الرئيس إن جل الأحزاب المشاركة بالانتخابات لا وزن لها ولن يكون لها أي تأثير بالبرلمان المقبل، مفيدا بأنها فشلت في الفوز بمقعد بالبرلمان السابق رغم أن قانون الانتخابات السابق اعتمد نظام القوائم وكان أسهل.
ويؤكد أنه في ظل نظام الاقتراع على الأفراد الحالي لن يكون للأحزاب المشاركة ممثلون، وحتى إن فازت ببعض المقاعد لن يكون لها أي فاعلية بالبرلمان، متوقعا أن يكون البرلمان القادم ضعيفا ومشتتا يجمع أفرادا قادمين من دوائر محلية بحكم نفوذهم أو انتمائهم العائلي، وربما لا يملكون تكوينا سياسيا.
وأضاف أن الأحزاب ستغيب عن البرلمان المقبل، وكذلك العمل السياسي، وبالتالي “سيكون برلمانا صوريا ولن يلعب دوره في تحقيق التوازن بين السلطات، وإنما سيكون في خدمة مشروع الرئيس”، مؤكدا أن نص الدستور الجديد أفرغ البرلمان من صلاحياته وجعله أداة وظيفية في يد الرئيس لبسط حكمه الفردي.
ويوضح الشواشي أن حزبه رفض المشاركة في هذه الانتخابات لعدم إضفاء أي شرعية على “مسار قام منذ البداية بنسف مقومات الديمقراطية وتدمير مؤسسات الدولة والاعتداء على مكاسب الثورة من أجل إرساء نظام البناء القاعدي وتركيز نظام رئاسي استبدادي يتعارض مع مبدأ التعددية والديمقراطية”.
وتقاطع أغلب الأحزاب السياسية وأكبرها وزنا الانتخابات المقبلة، مثل حركة النهضة الإسلامية صاحبة الأغلبية البرلمانية السابقة، وكذلك خصمها الأيديولوجي الحزب الدستوري الحر، سليل حزب النظام السابق المنحل، إضافة إلى أحزاب التيار الديمقراطي وآفاق تونس، وأحزاب أخرى يسارية.
وحول مصير الأحزاب المقاطعة، يؤكد غازي الشواشي أن قيس سعيد لن يكون قادرا على القضاء على الأحزاب مهما حاول إضعافها واستبعادها وشيطنتها، قائلا “مثلما ناضلت الأحزاب السياسية زمن دكتاتورية زين العابدين بن علي وساهمت في إسقاطه، ستواصل نضالها ضد قيس سعيد لإسقاط منظومته ولو بعد حين”.
تمثيل ضعيف
ومن وجهة نظر المحلل السياسي منذر بالضيافي، فإن الانتخابات المقبلة ستكون الأضعف على جميع المستويات؛ سواء من حيث المشاركة أو من حيث الرهان، مشيرا إلى أنها لا تحظى بأي اهتمام شعبي أو سياسي أو إعلامي، باعتبار أن البرلمان المقبل سيكون شكليا وصوريا بناء على خيارات الرئيس، بحسب رأيه.
وأضاف للجزيرة نت أن تمثيلية الأحزاب السياسية في البرلمان القادم ستكون ضعيفة، في حين لن يكون للأحزاب الصغيرة المترشحة مثل حركة الشعب (15 مقعدا بالبرلمان السابق) أو التيار الشعبي أي وزن أو تأثير إذا صعدت للبرلمان، متوقعا أن يتشكل البرلمان من أفراد موالين للرئيس قيس سعيد.
ويؤكد أن سعيد له تصور قائم على إضعاف الأحزاب وتهميشها تمهيدا لإرساء حكم الفرد الواحد، مستبعدا أن تستعيد الأحزاب السياسية عافيتها في أمد قريب بسبب أدائها الضعيف بعد الثورة، في حين توقع أن تقلب الحركات الاجتماعية والشبابية المعادلة باعتبارها تعكس أكثر نبض الشارع.